4/28/2024
 
 

بحث في الموقع

 
 

 مواضيع مختــارة

 

      

 

     

2/22/2012 5:39:00 PM

عدد القراءات: 12763
عدد التعليقات: 15




11/16/2011 4:08:00 PM

عدد القراءات: 12328
عدد التعليقات: 9


8/27/2010 12:22:00 PM

عدد القراءات: 43733
عدد التعليقات: 1212


8/22/2010 11:38:00 AM

عدد القراءات: 13878
عدد التعليقات: 3





7/26/2010 7:06:00 PM

عدد القراءات: 15010
عدد التعليقات: 4





4/27/2010 1:11:00 AM

عدد القراءات: 14692
عدد التعليقات: 22



     

 

  

  

 
 
 

 

 

أبحــــاث

حقيقة القضاءِ والقدَرِ مِن كتابِ اللهِ العظيمِ على ضوءِ واقع البشر

9/25/2010 6:08:00 AM

عدد المشاهدات:6439  عدد التعليقات: 6
9/25/2010 6:08:00 AM

محمد راجح يوسف دويكات

 

حقيقة القضاءِ والقدَرِ مِن كتابِ اللهِ العظيمِ على ضوءِ واقع البشر

*[ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  ]

(1)

مقدَّمة

أقيم النظامان الديموقراطي الرأسمالي والديموقراطي الاشتراكي على قاعدة مشتركة من الرمال المتحركة ، أيْ الهوى وقِصَر النظر اللذيْن يميزان الإنسان وتفكيره بوصفه صانع النظامين . وقد انهار الثاني في جيلين بينما صمد الأول حتى أواخر سنة 2008 حين بدأ يتصدع ليظهر ما في إنائه من فساد كان خافيا ، رغما عن كثرة الترميمات التي أحدثها أصحابه على البنيان دون القواعد .

لكن بسبب ضعف القواعد والأساسات فإن شروخ البناء ظلت تزداد مع الأيام – كما هو ملاحظ – حروبا وصراعات وحشية ،  فساداً ولصوصيةً ، عهراً وتهدم اسرة ، مسكرات ومخدرات وجرائم وانهيارات مالية واقتصادية … وتوشك الأمور أن تصل إلى درجة لا ينفع معها الترقيع والترميم ليلتقي ، إن شاء الله ، سقوط نظام الإنسان الظني مع ظهور نظام خالق الإنسان اليقيني على أمر قد قُدر.

ليست أزمة عابرة فقد تصدع الإناء

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=107&cat=6

ونظام خالق الإنسان الذي يُسلِّم المؤمنون فيه لخالقهم فقط بحقه في تشريع نظام العلاقات الإنسانية بدلاً من المخلوقين هو دين الإسلام الرباني القرءاني المنبثق والمنسجم مع عقيدة الإسلام آنفة الذكر :

 *[ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ : أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) ] البقرة .

وقد نزلت آخر طبعة نصّيّةٍ نظرية منه في القرءان الكريم الذي هو ( الكتاب كله ) All in on  ، أنزله الله سبحانه على آخر (سفرائه) ورسله .. إلى العالمين . وقد ترجمتْه السيرةُ ( لا السُّنّة ) النبوية العطرة في عصر إنزاله ، كما وثقها القرءان الكريم ، وأفهامُ وجهود الجيلين الأوليْن خاصة من المسلمين في التجربة الإسلامية الربانية الأولى .. ترجمتْه إلى (تكنولوجيا) إنسانية تطبيقية تناسب عصرها ، حتى وصُف الجيل الأول من المؤمنين به (جيل السابقين الأوّلين) بأنهم كانوا مصاحف تمشي على الأرض بعد أن تزكوا بآيات الله  يتلوها عليهم رسولٌ (خلُقه/دينه القرءان). وظل الأمر كذلك طالما أحسنت الأجيال فهْم آيات الله وعرفتْ كيف تُنزلها على الواقع الحياتي حاملةً كلمة الخير المطبقة إلى الدنيا .

 

ولأن سُنة الله سبحانه أن يداول الأيام بين الناس ، وبين الحق والباطل ، لتحقيق خطة الله تعالى في إعمار الأرض ، فقد تحول أبيض الحق مع الزمن رمادياً ثمّ أسودَ بسبب ما علق بمائه الذي ينفع الناس من زبد طغى عليه حتى أفسده :

*[ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ(17) ] الرعد .

وكان من عناصر هذا الزبد – الذي سيذهب إن شاء الله جُفاءً- المفهومُ الملوث للقضاء والقدر.

في هذا البحث عن مفهوم القضاء والقدر – كما يبيّنه القرءان ويفهمه العقل البشري على ضوء الواقع- نرجو أن يزول الزبد الذي حجب طيلة قرون ماء الحياة النافعَ الذي أنزله اللهُ الحقُّ ذو الجلال والإكرام لتُعمر به الأرض وليَسعد به الإنسان *[  فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ] .

(2)

مُهمة الإنسان

خلق الله سبحانه سبع سماوات ومن الأرض مثلهن [ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ …(12) ] الطلاق .. في ثمانية أيام . وتشير سورة فُصلت إلى أن خلق الأرض وتهيئتها للحياة كان في ستة منها :

 *[ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(12) ] فصلت .

 

ولا عجب - ولله المثل الأعلى- أن يتم بناء جامعة أو منشأة صناعية في ثمانية أعوام لا يكون منها لمكاتب الإدارة سوى عامين . وشاءت حكمة الخالق العظيم ألا يَعمر هو الأرضَ مباشرة بكلمة  ( كُن فيكون) مع قدرته على ذلك ، بل شاء أن يوكل مخلوقات له تخلفه ويخلف بعضُها بعضا في مهمة عمارة الأرض ، مع بقائه حيّاً قيّوما :

*[ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ {59}‏ ] الأنعام .

 

 كان آخرَ المخلوقات التي نعلم عنها (وليس الأخير منها) الإنسانُ الذي :

1. مِن معرفتِنا الواقعية بقدراته الكبيرة المتنامية كما هو مشاهد ، ومعرفتِنا بمحدوديتها مع ذلك ، مقارنةً بقدرة الخالق العظيم التي لا بد أن تكون غير محدودة  نصا وعقلاً :

2. ومن وربْطِنا ما يحدث على الأرض من ضرورة إشراف الرئيس الجيد على مجال مسئوليته وعدمِ تركِه الأمور لمجرد الأنظمة والقوانين والأعوان .. من ربْطِنا هذا بمعلوماتنا عن الخالق العظيم وما خلق التي تؤيدها الآيات القرءانية[1] ...

 من هذا وذلك ندرك أن الخالق العظيم سبحانه حين استخلف الإنسان لإعمار الأرض استخلفه أي وكّله عنه وكالة جزئية مقيّدةً للقيام بهذه المهمة :

*[ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(32) قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ(33) ] البقرة .

*[… هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا …(61) ] هود .

فحص الكفاءة الذي نجح فيه آدم ورسب الملائكة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=158&cat=3

 

(3)

وكالة الإنسان عن الله ربّه تنفيذية ، جزئية ومقيّدة

أما أن الإنسان وكيل عن الله سبحانه في الأرض فبيِّنٌ من وصف الله له بأنه (خليفة) . فهو (1) يخلف الله سبحانه في مهمة عمارة الأرض بنيابة جزئية عنه، وهو (2) يخلف جنساً قبله - الجن – (3) ويَخلف الفردُ منه الفردَ ، والجيلُ الجيل ، والأمّةُ الأمّة[2]. وقد سخر له ما في السماوات وما في الأرض ليُعينه في مهمته كما يفعل الموكِّل مع وكيله ، والمستخدِم مع مستخدَمه ، وصاحبُ العمل مع أجيره .

 

وأما أن وكالة الإنسان هذه جزئية وليست مطلقة فبيّنٌ من تقييد الله سبحانه (الموكِّل) لوكيله بشروط عمل وخطة عامة مفصلة تفصيلا نظريا مكتوباً ، كما حدد هو بعضَ تفصيلاتها التطبيقية وترك بعضها الآخر لاجتهاد الإنسان وجهده ، لتكون من أسئلة امتحانه ومن أسباب استحقاقه للأجر والثواب أو اللوم والعقاب . وقد وردت هذه الخطة فيما أنزل الله سبحانه على الإنسان من تعليمات متتالية (Manuals)  تطلب كلُّها منه أن يتذكر على الدوام ( لذلك سماها الذكْر ) أنه وكيل عن خالقه وكالة جزئية فقط ، وأنه ليس وكيلا لأية قوة أخرى ، ولا أصيلا . فهو ليس رب عمل يتصرف على هواه وكما يحلو له ، وإنما هو أجير لرب العمل الذي هو خالقه ، وأن عليه لذلك أن يُسلِّم دائما لخالقه العظيم ورب عمله القيوم بحقه في الإرشاد والتدخل متى وكيفما أراد ، وأن عليه لذلك أن يطيع أوامره وتعليماته حيثما وردت طالما أنه وكيل له وأجير عنده . وبخلاف ذلك فإنه لن يُرضيَ رب عمله بل إنه سيعاقَب على خيانة مولاه سواء بالتمرد عليه أو الولاء لغيره .

(4)

دين الإسلام طبعات متلاحقة

نزلت تعليماته (Manuals)  سبحانه على وكيله الإنسان بواسطة صفوة مختارة من أفراد جنسه هم الرسل الكرام – سلام الله عليهم أجمعين – نزلت على شكل طبعات متلاحقة ومعدَّلة حسب الزمان والمكان ومستوى المخاطبين . وقد عُنونت كل طبعات تلك التعليمات بعنوان واحد يشير إلى الغرض منها ( الإسلام ) أي التسليمِ لرب العمل بحقه في الإشراف وحده على عمل وكيله الإنسان ، وفي وضْع تعليمات العمل . وسُمي الآخذون بتلك التعليمات المؤمنون بصحتها وعدالتها ( مسلمين ) منذ أبينا إبراهيم عليه السلام أولِ المسلمين وحتى قيام الساعة :

*[ … مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ …(78) ] الحج .

 

وكانت آخر طبعة منها مزيدةً ومنقحة ، نهائية ، عامة ، وشاملة تخاطب عقول كل الناس بنصوص صيغت صياغةً بليغة معجزة بحيث تكون دائما صحيحة تفهمها الخاصة وترضى بها العامة ، ويستطيع الإنسان في كل عصر أن يستخلص منها ويُصنِّع ما يصلح له وما يُصلحه حتى انتهاء عقد وكالته .

 

نزلت الطبعة الآخِرة من (دليل الخلق الرباني) في القرءان الكريم لتهيمن على الطبعات القديمة الآنيّة التي سبقتها بكل ما فيها من خصوصية الزمان والمكان وما علق بها مع الزمن من زبد الزيادات والأخطاء والمطامع البشرية ، ولتَحتفظ الطبعةُ الآخِرة مع ذلك بالجزء العام من الخير الذي كان فيما سبقها من طبعات ، المتناسب مع عمومية الطبعة الآخرة وشموليتها وديمومتها ، وليزيد الله سبحانه فيها ما اقتضته وتقتضيه مصلحة الإنسان والإنسانية من تشريع وأصْل تشريع إلى قيام الساعة :

ما ينفع الناس من وحي الرسالات و النبوات موثق في القرآن

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=46&cat=5

*[ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ …(48) ] المائدة .

*[ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(19) ] الرعد .

 

(5)

وكالةُ الإنسان وكالةُ تنفيذٍ .. وتفويضٍ مقيدةٌ

لم تكن وكالة الإنسان عن الله  خالقِه وربِّ عمله مجرد وكالة تنفيذ بل إنها جمعت وكالة التنفيذ الذي يقتضي التقيد بالتعليمات التشريعية النظرية ، إلى وكالة التفويض الجزئي الذي يقتضي الاجتهاد في فهم الآيات والإبداع والإضافة في التطبيق العملي ضمن خطة الخالق العظيم رب العمل القيوم . إذ أن الله سبحانه لو أراد وكيل تنفيذ فقط لعهد بالمهمة إلى الملائكة الكرام الذين رشحوا أنفسهم للمهمة غير عالمين بحقيقتها :

*[ … قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(30) ] البقرة .

ومع هذا ، رفض الخالق العظيم قبول ترشيحهم أنفسهم للمهمة على مطلق ولائهم ، لعلمه أنـهم كأدوات تنفيذ فقـط *[ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ] لا يصلحون لتنفيذ الخطة التي صممها سبحانه .. لاحتياجها إلى مخلوق فيه ملَكة العقلِ أي الربط المؤدي إلى الإبداع والإضافة . وفي هذا عبرة للبشر ، بحيث تصل الأرض به وبجهده وبالتدريج إلى ما قدّره وخططه خالقه وربُّه عز وجل . ولا يملك الملائكةُ مثل هذه المَلَكة . لهذا رسبوا في الامتحان النظري مُقرّين *[ سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ]. لذلك امتدح الله سبحانه ذا القرنين لأنه أضاف إلى أسباب الله التي آتاه الله إياها أسبابا من عنده :

*[ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا(83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا(84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا(85) ] الكهف .

أما وكالة التفويض المطلق فلا يليق أن يمنحها رئيس قوي يحترم نفسه ، كما لا تليق الوِكالة العامة المطلقة بأي موكِّل مهما كان . فكيف تليق وكالـة التفـويض المطلق بالخالق العظيم الـذي لا تحُدُّ علمَه ولا قـدرتَه حـدودٌ :

*[ …فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)[ طه .

وبهذا يتجلى سُخف القائلين من اليونان وورثة حضارتهم الديموقراطيين الذين يعتقدون أن الخالق – تعالى عن ذلك - خلق الكون واستراح مفوضاً أمره إلى الإنسان وما في الكون من قوانين وكأنه في أحسن الأحوال كملكة بريطانيا: تملك ولا تحكم ، مع أنهم أخذوا يُقرون مؤخرا بأنّ وراء هذا الكون :

خُطةً  ذكية Smart Design !!

 

(6)

خُطةُ خلْق الكون    

قياسا على ما يفعله المخلوقون الأكفياء من تصميم العمل ووضع خطته قبل تنفيذه (فالإنسان فيه نفخة من روح الله سبحانه) .. نُدرك أنّ الخالق العظيم صمَّم[3] - وله دائما المثل الأعلى- خطة خلق الكون بأكثر وأهمِّ تفصيلاتها وأحاط سبحانه عِلما بكل جزئية منها حتى سقوط كل ورقة إذ تسقط أو مكان وجود حبة من خردل! وقد وثّق هذه الخطة في [ اللوح المحفوظ ] مستعملا هذا التعبير ليفهمه الناس في كل العصور. ومَن يدري، فلعله (دسكات كمبيوتر محفوظة) أو لعله شيء آخر أعظم دقة وأوسع مما سيتوصل إلى مثله العقل البشري إلى يوم الدين. وليس تصورُ وجود خطة خلْق الكون وما جرى وسيجري فيها مدوَّنا ، ليس ذلك صعباً إذا عرفنا أنّ (أرشيف) بعض الدول يشير إلى أن بعض خططها الإستراتيجية يعود إلى مئةٍ أو مئتين من السنين ، فكيف الآن في عصر الكمبيوتر وهو جهازٌ صنعةُ مخلوق يمكن أن تُحفظ فيه ملايين المعلومات والرسوم في مساحة يشير صغرها إلى عظمة الخالق الذي استطاع مخلوق له فِعل ذلك  !!!!

(7)

المخلوقات المُسيَّرة والمُخيَّرة

صمم الله سبحانه خطة خلق الكون بحيث تتعلق بصنفين من المخلوقات :

1. صنفٍ مسيّرٍ كلياً وهي السماوات والأرض وما فيهما باستثناء المخلوقات ذات الإرادة الجزئية التي لها بعض حق الاختيار[4] في دائرة الاختيار.

2. أما الصنف الثاني فهذه المخلوقات المخيرة جزئياً[5] وأهمها الإنسان . وحين صمِّم الخالق العظيم سبحانه خطة الكون فعل ذلك على أساس ما سبق به علمه عز وجل أن كل المخلوقات المسيرة ستفضل ترك أمرها كلياً لخالقها يسيِّرها كما يريد تسييراً تاما، لا تتحمل معه أية مسؤولية أو عقاب ولا تطلُب بالمقابل أي جزاء أو ثواب. وفي هذا يقول سبحانه في سورة فصلت :

*[ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11) [ فصلت .

فقد انصاعتا بكل ما فيهما لأمر الله سبحانه انصياعا طوعياً تاما لعلمهما بمدى قدرته ، وقَبِلتا أن تنفذا تنفيذا كاملاً ما يريد دون تحملهما لأيّة تبِعة .

وبعد هذا الانصياع التام لأمر الله وسُننه ، والإقرار من المخلوقات كلها لخالقها بالقدرة وحق الطاعة المطلقة ، عرض عليها أن تختار بين :

أ. أن تظل مسيرة كذلك ، طاعتُها مطلقةُ فلا ثواب ولا عقاب  

أو

ب. أن يعطيها خالقها العظيم حق اختيار بعض تصرفاتها فتتحمل مسؤولية خطئها : لتعاقب إن أخطأت وتُثاب إن أحسنت . وقد أشفقت السماوات والأرض والجبال على ضخامتهن من قبول هذه الأمانة وحمْـل هذه المسؤولية فاعتذرت بينما قَبِلها الإنسان ، طُموحاً منه إلى عِظم المكافأة عند النجاح ، غيرَ مبال بجسامة العقوبة عند الرسوب .

*[ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72) ] الأحزاب .

وبعد قبوله :

*[ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3) ] الإنسان .

ويعتبر جزء الخطة المُدونةِ في اللوح المحفوظ والمتعلقُ بالمخلوقات المسيرة ، يعتبر جزءا ثابتا لا محو فيه ( والله سبحانه أعلم ) ، مقارنةً بجزئها المتعلق بالإنسان الذي يشير إليه سبحانه وتعالى بقوله :

*[… وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ(8) ] الرعد . ومع هذا :

*[ … لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ(38) يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ(39) ] الرعد .

(8)

عِمارة الأرض بالوكالة عن الله سبحانه هي العبادة

بقبول الإنسان تحمُّل المسؤولية الجزئية عما يجري منه أي بقبوله الوكالةَ الجزئية عن الله ربِّه في عِمارة الأرض- وهذه هي العبادة بمفهومها العام- فقد استحق بالمقابل أن يعِينه موكِّله وموظِّفه ومستخدِمه وربُ عمله بما يلزم . وقد فعل سبحانه  ذلك بآليّتين: آليّةِ القدَر وآليةِ القضاء ، إضافة إلى التزامه سبحانه بدفع أجر هذا الأجير (رزقِه) بموجب نظام أجور حكيم عادل .

*[ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا …(6) ] هود .

*[ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58) ] الذاريات .

 

أوّلاً : آليّةُ القَـدَر :

سخر الله سبحانه للإنسان ما في السماوات وما في الأرض ، وقدّر الأشياء أي خطط لها وحسَبها مُقَدَّما[6] بكمياتِها .. ونوعياتِها التي تحددها خصائصها ، وبأزمنتِها .. وأمكنتِها .. وضبَطَ العلاقات بين أبعادها الأربعة هذه ، وبين أجزائها ، وبينها وبين غيرها في سُنن و قوانين جعل على رأسها سُنّةَ الأسباب والمسبَّبات ( المُدخَلات والمُخرجَات ) ، ليُمكِّن الإنسان من السيطرة عليها واستثمارها بشكل يحقق هدف عمارة الأرض حسب خطة الله المقدّرة مُقدَّما . وقد أمر الإنسانَ بالبحث والتدبر وربْطِ الأمور لاكتشاف أقدار الله أي خصائصِ الأشياء والسنن التي تحكم أجزاءها وتحكم علاقتها بغيرها لتسهيل الاستفادة منها بعد أن زوده ربُّه الخالق العظيم بخميرة المعلومات التي يحتاجها للبدء في إعمار الأرض [ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ] .

(والقَـدَر) اسم جنس لمجموع الأقدار كما نقول (القانون) كاسم جنس لمجموع القوانين :

*[ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(49) ] القمر ، أي بقانون يحكمه .

فالقـدرُ خاص بسُنن الله سبحانه (قوانينِه) ، يقابله القانون الذي تُميَّز به ترتيبات الإنسان واجتهاداته في ضبط المجتمع وأموره . وقد ينسب البشر (القانون) إلى مكتشفه للدلالة على أقدار الله تعالى الكونية كقولهم: قانون بويل في الضغط ، وقانون أو قاعدة أرخميدس وهكذا مع اليقين بأن هذه الأقدار والقوانين كلَّها هي سنن الله تبارك اسمه . ولم ينسب الله سُنّة أو سُننا لأحد سواه سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا .

. مفهوم سنة الله وسننه فلا سنة لأحد إلا لله

http://kuno-rabbaniyeen.org/Default.asp?page=details&newsID=81&cat=2

موقف المسلم من القَدَر :

فهِم الرسول النبي الكريم وأصحابه الأبرار مفهوم القدر دونما تعقيد . فقد فهموا أنه يُطلب منهم معرفةُ الأقدار أي السنن (القوانين) التي تحكم الأشياء وعلاقات الأسباب بمسبَّباتها (المدخَلات بالمخرجات) ، ثم معالجةُ الأقدار بالأقدار والأخذُ بالأسباب . ومِن واقعهم علموا أن على صاحب الناقة أن يعقلها (يربطها) قبل أن يتوكل على الله تعالى ليحفظها ، كما نفهم مِن واقعنا أنّ على صاحب السيارة أنْ يتفقد فراملها وآلياتِ حِفظها من التدهور ، وأنْ يزودها بأقفال وربما أجهزة إنذار إلى غير ذلك قبل أن يتوكل على الله تعالى ليحفظها ومَن فيها . وهذا المفهوم النيّر هو ما فهمه عمر بن الخطاب حين أجاب أبا عبيدة وقد سأله مستهجناً يوم إحجامه عن دخول الشام بسبب الطاعون : أتفرُّ من قدر الله !؟ فقال: نَفرّ من قدر الله إلى قدر الله ! أي نعالج قدر الله بكون العدوى مظنة سبب لبعض الأمراض المُعدية كالطاعون ، نعالجه بقدر آخَر لله هو أن البعد عن المريض المصاب بمثل هذا الوباء مظنةُ سبب للسلامة منه . هذا الفهم السليم نفسه جعله يعنّف رجلا سمعه يطلب من الله سبحانه أن يرزقه بلا عمل قائلا : أما علمتَ أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة!!

فنحن إذن مطالبون أن نأخذ بالأقدار التي تنفعنا ، وأن نتجنب انطباق الأقدار بشكل ضار علينا ، فنستفيدَ من خاصية قطع السكين للطعام ونتجنب خاصيتها في إلحاق الجروح والأذى بنا ، كما نستفيد من خاصية النار في التدفئة وطبخ الطعام ونتجنب خاصيتها في حرقنا أو حرق ممتلكاتنا ، ونستفيد من قانون الأجسام الطافية (قاعدة أرخميدس) في جعلنا نحسن السباحة ، وفي صناعة السفن والغواصات وليس في جعلنا نغرق …

ومع أن الله سبحانه نسب تسيير الإنسان في البر والبحر إلى نفسه  *[ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ  فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ …(22) ] يونس .. إلا أن الإنسان مأمور أن يستثمر معرفته بأقدار الله ربّه  لتكون نتيجة التسيير في مصلحته .

وينبغي أن نحرص على ما يفيدنا من أقدار الله ربِّنا كما يحرص الإنسان الجيد أن يستفيد من قوانين الدولة التي تنفعه ، ويبتعد عما يؤدي إلى انطباق قوانين العقوبات عليه ، كقانون معاقبة السارق أو الزاني أو الخائن …

أقدارُ اللهِ ربنا قسمان :

أقدار الله سبحانه قسمان رئيسان كلاهما خلقهما الله  لمساعدة الإنسان:

1. أقدارٌ يخضع لها الإنسان اضطراراً أي رغماً عنه وهي السنن (القوانين) التي لا قِبل للإنسان إلا أن يرضخ لها ويستثمرها ، أو أن يدفعها كليا أو جزئيا بأقدار أخرى ، كما يدفع قـدر المرض بالدواء فالدعاء ، أو بالوقاية والدعاء . ويدفع قدر البرد بالدثار أو النار أو التدفئة المركزية ، وقدر الحر بالمبردات والمكيفات وبالسوائل ، وقدر النعاس بالنوم ، وقدر التعب بقدر الراحة … وتشكل معرفة هذه الأقدار مجموعةَ العلوم المادية التي يحتاجها الإنسان للإعمار المادي للأرض ، وتزوده معرفتُها وتطبيقها في الواقع بصفة أو مؤهل (القوة / الكفاءة) التي هي توأم مؤهل الأمانة اللذيْن يحتاجهما لضمان استمرار عمارة الأرض ، وضمان ألا تكون حياته ضنكا ، إضافة إلى ضمان استحقاقه للأجر من موكله أو مستخدِمه ورب عمله الذي خلَق .

 2. وأقدارٌ يخضع لها الإنسان اختياراً وهي أوامر الله المنزلة المكتوبة المفروضة.

*[ .. وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) ] الأحزاب . *[ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ... {183} ] البقرة .

*[ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ …(5) ] الطلاق .

*[ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {1} ] النور .

وهي أقدار وقوانين يأخذ بها الإنسان ويطبقها مختاراً فتكون له (لنفسه) روحاً إضافية تحركه وتوجهه ، وقد أنزلها الله سبحانه كجزء من خطته لمساعدة الإنسان :

       أ. في مجال الإعمار المادي ...

       ب. ولإنارة طريقه وهدايته إلى الصواب في مجال علاقاته الإنسانية.

والشريعة بوصفها الأحكامَ العملية المُشرعة الظاهرة (مأخوذةً من كتاب الله سبحانه) هي جزء من قدر الله سبحانه ، إلا أنها جزء اختياري يختار الالتزامَ به (المسلمون) أي المدركون للغاية من خلْقهم ووجودهم والمدركون لحقيقة علاقتهم بخالقهم وربهم كوكلاء عنه سبحانه وكالة جزئية في مهمة عمارة الأرض. وحين احتج سارق على عمر بأنه سرق بقضاء الله وقدره قال له ( ولم يتسع الوقت لتصحيح مفهومه أن الله سبحانه لا يقضي على أحد بعمل معصيته): وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره ! وكأنه رضي الله عنه يقول : إنّ الله سبحانه قدّر أن مصلحة المجتمع هي في قطع يد السارق، وأنا أقضي بانطباق هذا القدر عليك. وهذا القضاء حين يكون عادلاً مرجعه كتاب الله هو أيضاً قضاء الله إذ يكون باسمه عز وجل .

ثانياً :  آليّةُ القضاء

في كل دولة ما يسمى ( القضاء والقانون ) . أما القانون فهو مجموعة القوانين التي يحكم بها الحاكمُ الدولةَ وينظم بها وينسق علاقات الناس ، ليضمن توجههم نحو الإعمار ومعرفةِ ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات. وأما القضاء فهو الآلية أو الجهاز الذي يتولى الفصل والقضاء بين الناس حسب القانون حين يختلفون وتختلف وتتضارب مصالحهم. ولا يجدي القانون وحده نفعا إن لم تكن هناك (آلية القضاء) لتُنزل القانون أي تطبقه على الواقع. وبذلك يدعم القضاءُ والقانونُ أحدُهما الآخرَ ، ويؤدي قضاء القاضي حسب القانون إلى منع تطور الأمور إلى الأسوأ فيما لو لم يكن قضاء ولا قانون ، فعمت الفوضى واستحال العُمران إلى خراب.

ولذلك يُطلب من الناس أن يحترموا القانون والقاضي كليهما (كما أُمر المسلمون بطاعة الله والرسول وأولي الأمر منهم ) وأن يُسلِّموا بحكم الله ويعتبروه خيراً. إذ أنه قد يُحكم اليوم عليك في قضية بموجب قانون معين، ثم يُحكم لك غداً في قضية أخرى بموجب القانون نفسه . بل إنه إن حُكم عليك بسبب مخالفة أو جنحة اقترفتها فربما ردعك الحكمُ وردع غيرك عن اقتراف جريمة أكبر. لهذا جاءت وصية الرسول عليه السلام مُحكمةً وموثقة في الكتاب يرويها عنه ربه الذي خلق ، وفي سورة الشورى بالذات :

 *[ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(10) ] الشورى .

 

(9)

علاقةُ القضاءِ بالقَـَدر

جهاز (القضاء والقانون) الإنساني مع ما يكمله من الجهاز التنفيذي هو نسخة مصغرة مع الفارق عن (آلية القضاء والقدر) الربانية : إذ لما كان الإنسان وكيلا عن الله سبحانه وكالة جزئية كان بدهياً أن يراقبه موكله، لأن عِـلم الموكِّل وقدرته هما فوق علم الوكيل وقدرته بكثير جداً. ومع أنه – سبحانه - أعان وكيله بتعليماته وأقداره التي هي سننه في الحياة، إلا أن أمور الوكيل – الإنسان- هي من التشعب والتضارب والتعقيد والتشابك والدقة - خاصة كلما اتسعت دائرة مسئوليته من الفرد إلى الأسرة فالعائلة ، إلى القرية فالمدينة ، إلى الولاية فالدولة فالمنطقة فالعالم - بحيث لا يستطيع الإنسان وحْده أن يغطيها وينسق بينها وبين مصالح الأفراد والجماعات الآنية والمستقبلية ، كما لا يستطيع أحد أن يقضي فيها عن علم وقدرة وبدون هوى ، وبشكل يحقق مصالح الناس ويخدم هدف عمارة الأرض . فكان لا بد أن يبقى الخالق العظيم قيوما ومشرفا ومدبرا ومنسقا وقاضيا تنفيذيا أعلى بين الناس *[ إله الناس ] [7]حسب أعمالهم وقدراتهم المكتسبة واجتهاداتهم وأخذهم بالأسباب في الماضي والحاضر والمستقبل وحسب مصالحهم عاجلا وآجلا . لذلك *[ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ] أي عِلمُ آخر لحظة مما يحدث في الكون .

 

 ويختلف قضاء الله سبحانه بين الناس في الدنيا عن قضائه بينهم في الآخرة في أن قضاءه في الدنيا يتأثر بأعمال الإنسان في الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل . فربما قضى للإنسان أو عليه ليس بسبب ما عمل فقط بل بسبب ما يعلم الله أنه يعمله الآن أو سيعمله مستقبلا (قصة موسى والعبد الصالح في سورة الكهف) ، بينما يتناول قضاؤه يوم القيامة أعمال الإنسان الماضية فقط . ولا مجال حينئذ للاعتبارات المستقبلية ولا لتضارب المصالح . ولذلك يقضي الله حينئذ بين الناس والخلق بنفسه ( الا مَن كان محكوما عليه مُقدَّما 110/الكهف) ، فيكون (مالكَ) يوم الدين يتصرف فيه تصرف المالك بمُلكه : في كلياته وجزئياته. وحين يَسأل : [ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ ] يأتي الجواب: [ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ(16) ] غافر.. أما في الدنيا فيوكل عنه سبحانه من القوى ما لا حصر له [ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ] المدثر.

ولكنه مع ذلك يتولى بنفسه مباشرة المقربين من خلقه حفظاً[8]  وهداية وعلى رأسهم [ رُسُله ] سبحانه والذين يؤمنون *[ باللهِ ورُسُلِه ] إيمانا خالصا من الزبد :

. سبع طرائق بسبعة طرق فاختر طريقك إلى الله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=83&cat=5

والقضاء الرباني شامل ، عادل ، حكيم وتنفيذي لا يصدر عنه إلا الخير ، مهما بدا لعقول البشر القاصرة خلافُ ذلك . إذ لا مصلحة للخالق الغني عن العالمين لا في الظلم ولا في التحيز غير المبرر، وهو سبحانه مترفع عن العبث واللهو والجهل والظلم والسهو، بل إنه مثال مطلق للعلم والقدرة والحكمة والعدل والقيوميّة. فأهليته ليكون القاضي الأعلى الذي *[ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ {41} ] الرعد ، بين الناس لا حدود لها . وهو دائم المراقبة لخلْقهِ *[ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ {5} ] السجدة .. وشئونِ الإنسان بشكل خاص بوصفه وكيلا جزئيا عنه سبحانه ، له بعض حق التصرف والتجديد حتى لو أخطأ ، طالما أنه يستفيد من خطئه ويعتبر به فيصححه ولا يقيم عليه. ولذلك وصف الله سبحانه الذين اتّقوا من العاملين بقوله :

*[ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(135) ] آلعمران .

(10)

موقف المسلم من قضاء الله سبحانه

إذا علِـم المسلم أن الله سبحانه يقضي بيـن الناس عن علـم وقـدرة وحكمة ، وأنـه لا يقضي اعتباطا ولا عبـثا [ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ(115) ] 23 .. وعـلِم أن جهده وقدراته ومصلحته ومصالح الآخرين تؤثر في قضاء الله  لأنه *[ رب العالمين ] .. فإذا علِم هذا اطمأنت نفسه . فإذا قضى الله لإنسان بما يراه خيراً فلا بد من مقدَّمات خير بدرت من الإنسان ، أو أن الله سبحانه علم أنها ستبدر منه ، فينبغي أن يحمد الله ربّه على ما هداه إليه من معرفة أقداره وهي حق ، وما يسّره له من بلوغ نتائج الأسباب . فيكون الله سبحانه هو مصدر الخير. أما إن قضى عليه الله سبحانه بما يراه الإنسان شراً أو سوءا ، فهو نتيجة لأسبابٍ غير صحيحة أخذ بها أو أخطاءٍ اقترفها ، أو أن ما يظنه شراً هو خير عاجل له أو آجل ، أو هو أهون شرين كان يمكن أن يصيبه لولا لطف الله ربِّه به الذي بتدخله الحكيم قرر أن يرحمه *[ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير {30} ]  الشورى .. وأن يُثيبه غمّا بغمّ *[ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ {153} ] آلعمران .. وأن يختزل الضرر العظيم الذي كان سيصيبه . وفي تقرير هذا المفهوم يقول سبحانه :

*[ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ …(79) ] النساء .

*[ فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ …(62)] النساء .

*[ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ(30) ] 42 .

أما قوله سبحانه :

*[ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا …(51) ] التوبة ..

فمفهومه أن هناك خيارين بالنسبة للمجاهدين كلاهما حُسنيان ، وكل واحد منهما خير كُتب له لا عليه: فإما النصر فالعزة والحياة الكريمة وإما الموت في سبيل الله وكلاهما خير:

*[ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ(51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ …(52) ] التوبة.

وأما قوله سبحانه :

*[ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ …(22) ] الحديد ..

فمفهومه أن الله سبحانه خلق خامة الأعمالِ المجردة ومنها ما يصيب المخلوقات والناس من مصائب ، وأن تفصيل ذلك مع السنن التي تحكمه موثق في كتاب . أما أفعال الناس وأقوالهم التي يصنعونها من خامة الافعال فلا يكتبها إلا بعد قولهم وفعلهم لها :

*[ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(29) ] الجاثية .

(11)

الاستئناف على قضاء الله تبارك اسمه

بعد معرفةِ قضاء الله عز وجلّ ، أو حتى توقعهِ ، يمكن للإنسان - إذا شاء - أن يُغيّر ترتيب أوراق قضيته وأن يعرض فيها أدلة جديدة : أسبابا يأخذ بها ، أو أخطاء يعترف بها ويصححها ، مع دعاء استرحام إلى القاضي الأعظم *[ إله الناس ]  بأن يقضي له بخير دون أن يُلحّ على الله سبحانه بتفصيلات يُفهم منها اشتراطه عليه ، ومن ذلك استعجاله الفصل في قضيته . وهناك من الأسباب ما يمكن الأخذ بها لتزيد رصيد الإنسان في بنك الله ، حتى إذا قدّم إليه (شيكا) يطلب فيه أمراً لم يكن عليه سوى أن ينتظر دوره ليقبض قيمة ما فيه أو شيئاً منها أو أضعافها!! ومن هذه الأسباب أن يكون عاملا لا متواكلا ، وأن يُطيب مطعمه فلا يأكل إلا حلالا ، وألا يطلب حراماً أي حقاً لغيره ، وأن يَصِل ما أمر الله به أن يوصل إصلاحاً في الأرض وإنفاقاً[9]. وباختصار أن يستجيب لله ربِّه حتى يستجيب الله سبحانه له :

 *[ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186) ] البقرة .

 

تفصيل هذا أن الجزء الإنساني من (اللوح المحفوظ) قبْـل قضاء الله فيه ، يُشبه مقالةً أو موضوع إنشاء كتبه تلاميذ متفاوتون متشاكسون، فظهرت فيه أخطاء كثيرة استدعت المعلمَ الخبير أن يتناوله بالشطب والمحو والتصحيح قبل عرضه على المُستمعين وتثبيته. وقد علِم الخالق سبحانه ما كان وضع الأرض سيكون عليه لو أن الإنسان تُرك وشأنَه سُدى ، كما يُترك التلميذ يكتب كيفما شاء . فدوّن سبحانه الصورة في أصل اللوح المحفوظ (أم الكتاب) تقديراً، ثم شرع الحق سبحانه – قبل أن تنفذ الأعمال وحسب علم الساعة (اللحظة) الذي يُردُّ إليه أوَّلا بأول - شرع بالقضاء فيها حسب أقداره وحسب الاعتبارات التي ذكرناها والتي لا يعلمها ويقدر على مراعاتها والتنسيق بينها إلا الله . فتناول ما كان كُتب على سبيل العلم المسبق (تقديراً) بالمحو والتعديل والإثبات بحيث تبدو صورة الأحداث على النحو الذي يراه الناس في الواقع . وهي صورة قد يتعجب الكثيرون من حكمة الخالق العظيم من إقرارها على هذا النحو دون أن يعلموا أن وراء كل ذلك حكمةً هو أعلم بها ولكنها تخدم هدف عمارة الأرض كما تخدم المصالحَ الحقيقية للحق وأهله . وتُشير أحداث سورة الكهف كما أوردتْها قصة موسى عليه السلام والعبدِ الصالحِ إلى ذلك ، كما تشير إليه بعض آيات كتاب الله العظيمِ التي تتحدث عن الحكمة العامة من بعض الشرور أو الأقضية التي قد لا تروق لنا :

*[ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ {251} ] البقرة .

*[ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ {27} ] الشورى .

*[ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى(6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى(7) ] العلق .

*[ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ(75) ] المؤمنون .

 

ويستطيع المتدبر أن يدرك مفهوم قوله سبحانه *[ يمحو ] بصيغة المضارع بدلا من (محا) مع أنهما بالنسبة للخالق العظيم سيّان ، فإن صيغة المضارع تعطي عامة الناس أملا أكبر بقيمة أعمالهم وتأثيرِها في قضاء الله ربّهم وإمكانيةِ أن يَرُدَّ بعضُها قضاءَ الله سبحانه أو أن يُعدله على النحو الذي أشرنا إليه. وبذلك ندرك أن القول الموروث المدمر ( رفعت الأقلام وجفت الصحف ) ليس من الحق ولا يمكن أن يصدر عمن يقرأ كتاب الله ربّه فكيف بمن عليه نزل !!!!!

(12)

نسبة قضاء الله ربِّ الناس في أعمال الناس    

أعمال الناس بالنسبة لقضاء الله فيها قسمان :

1 . قسم أقرّه الخالق العظيم وأذِن به كما هو، فهو قد أراده بالمصادقة عليه والسماح بحدوثه دون أن يتأثر ذلك بحب الله له أو كرهه . ويدخل هذا القسم في مسؤولية الإنسان الكاملة ، وهو قليل ويغطي الأعمال البسيطة غير المتشابكة التي لا محو فيها ولا تعديل ، كما هو مشاهد في الواقع.

2 . وقسم يتناوله الحق سبحانه بالمحو والتعديل بنسب متفاوتة تتراوح بين 1-99%. ويكون الإنسان مسؤولا عن نسبة عمله وسعيه مما أذن الله ربُّه وقضى به . وتقل نسبة الجهد البشري في هذا القسم حتى تكاد أحياناً تتلاشى ( أو هكذا يُخيل إلينا ) كلما تعقّد العمل وأسهمت فيه عوامل وعناصر متعددة ومتشابكة وربما متصارعة بحيث تجعل سيطرةَ الإنسان عليه ضعيفة، وإمساكَه بزمامه شبهَ معدوم ، كبعض الأمراض وبعض حالات الموت. ومع انخفاض نسبة التأثير البشري تزداد نسبة التدخل والقضاء الإلهي كما هو الحال في المرض والصحة (وبنسبتين مختلفتين) والأرزاق والآجال، والمعايش ومعادن الناس ومواقعهم. وكذلك مصائر الأمم ومصير الإنسان العام .

 

الأعمال المجردة خلقها الله سبحانه بقضاء وقرار منه ولم يكن لشيء ولا لأحد أدنى نسبة مشاركة أو تأثير. فهو- جلت قدرته - الذي خلق الموت والحياة ، والتعاون والصراع ، والمرض والشفاء ، والأمانة والخيانة ، والشجاعة والخوف ، والكرم والبخل ، والضرب والقتل والمشي والأكل وكل الأعمال المجردة ، خلقها على غير مثال سابق . ولكن الإنسان هو الذي يُصنّع عمله بكيفية معينة من خامة العمل المجرد التي خلقها الله سبحانه . فهو يستطيع من خامة فعل القتل أن يقتل أفعى ضارة أو حيوانا مفترسا مؤذيا فيكون مأجوراً محموداً ، ولكنه إن قتل انساناً بغير حق أو حتى دابة نافعة للتسلية كان موزوراً مذموماً. فهو مسؤول عما يصنع وليس مسؤولا عن وجود الأعمال المجردة التي خلقها الحق سبحانه وهو بالحكمة من خلْقها أعلم . بل ليس له أن يعترض على وجود أي من الأفعال المجردة التي يصب خلقُها كلِّها في هدف عمارة الأرض . هذا هو مفهوم قوله سبحانه :

 *[ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) ] الصافات .

وفي بعض ما يجري على الأرض من أعمال تتناقص نسبة التأثير البشري وتتشابك خيوط الأسباب والمسببات وتتقاطع حتى لا يكاد يُرى أثر لجهد فرد بعينه كما هو الحال كلما اتسعت الدائرة من الفرد إلى الأمة إلى الإنسانية. وربما كانت أعلى نسبة للقضاء الإلهي في أعمال الناس موجودة في تغيير (ما بقوم) من أوضاع ثم (ما بالإنسانية). فقد أوضح سبحانه أن تغيير أوضاع الأمم هو حصة الله سبحانه ودوره ، مسبوقا بتغيير (ما بالأنفس) الذي هو حصة الناس ودورهم في عملية التغيير. فتغيير ما بنفس الإنسان هو دور الإنسان ، يتدخل الله سبحانه في توقيته :

*[ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ …(100) ] يونس .

*[… وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ …(32) ] فاطر .

أما تغيير أوضاعه فهو دور الله سبحانه :

*[ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ {11} ] الرعد . وكأنه سبحانه يقول :

غيِّروا أداءَكم... أُغيِّرْ أوضاعكم !! ويقيناً : لنْ أُغيِّرَ ... حتى تُغيِّروا !!!!!

 

المرض والصحة  :

المرض هدْمٌ والصحة بِناءٌ . ولأن الهدم أيسر من البناء كان دور الإنسان فيه أكبر. إذ يستطيع أيُّ إنسان أن يسبب المرض لنفسه بسهولة . ولكن الشفاء أصعب لتعدد عوامله وتعقدها وتضارب تأثيرات عناصر الصحة . ولهذا يحتاج دوام الصحة ، كما تحتاج إعادتها بالشفاء إلى تيسير الله سبحانه وتدخُّله وقضائه فيه . لهذا نسب إبراهيم عليه السلام المرضَ إلى نفسه لسهولة فعله ، ونسب الشفاءَ إلى الله ربِّه لأن دور الله سبحانه فيه أكبر *[ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) ] الشعراء ، لكون أسبابه والعوامل المؤثرة فيه أكثر تعقيدا . ولهذا يظل دور الإنسان في الشفاء ظنياً تخمينياً وعُرضة للتعديل وربما تناقُض الرأي . يقول الدكتور جوماك كورد وهو خبير في علاقة الحديد بالصحة العامة والجلطات خاصة :

(نشأت وأنا أعتقد أنه لا يمكن أن أحصل على ما يحتاجه جسمي من الحديد مهما فعلت. وعندما مارست الطب كنت أنصح المرضى بأن يُضمنوا وجباتهم الغذائية مواد تحتوي على الحديد . أما الآن فإن الأبحاث الجديدة جعلتني أدور حول نفسي دورة كاملة وأعيد النظر في كل شيء)[10].

ومع ذلك فإن على المسلم أن يأخذ بأسباب الصحة الوقائية ، فإذا مرض أخذ بالأسباب العلاجية ثمّ رد الأمر في كلتا الحالتين إلى ربه الذي خلق ليقضي فيه بما يراه بعلمه وقدرته خيراً له.

 

الرزق والأجل :

قدّر الله سبحانه أقوات الأرض أي خامات الأرزاق فيها بحيث تكفي المدعوين كلهم إلى مأدبة الحياة الدنيا حتى قيام الساعة . ولكنه أمرهم أن يحولوها – أي الخامات- هم بأنفسهم إلى أرزاق يُنتفع بها ، وأن يحسنوا توزيعها . فإذا لم يقوموا بإحدى المهمتين فهم مذنبون ومقصرون في المهمة التي وُكلت إليهم . وبسبب ما سبق به علم الله سبحانه من تصارع الناس أفرادا وجماعات ودولاً على الأرزاق (وهذا التصارع قدر محسوب) كان لا بد أن يتدخل الله سبحانه فيقضي بينهم حسب ما ذكرنا من الأقدار والإعتبارات والمصالح  التي من أهمها مدى أخذهم بالأسباب. ويُلاحظ لذلك أن وفرة الرزق ترتبط جزئياً بالأخذ بالأسباب ، كماً ونوعاً ، كما ترتبط بعوامل أخرى تؤثر في قضاء الله  فيها ، منها الأدوار التي يلعبها الناس في الحياة ، وهي أدوار (معايش) نسبةُ قضاء الله فيها مرتفعة لأنها أكثر تعقيداً حتى من أرزاقهم[11] … ولكن الحكمة من القضاء الإلهي فيها تصب في هدف عمارة الأرض . فرزق الإنسان في الدنيا بوصفه أجيراً عند الله ربِّه هو بعض أجره الذي يدفعه المستخدِم الأعظم له لقاء دوره في عِمارة الأرض .

وينبغي ألا يُنكر أحد أثر الأخذ بالأسباب على قضاء الله في الأرزاق بل في كل أمر يتعلق بالإنسان ، لأن مثل هذا الإنكار يناقض الواقع ، ويناقض الفهم الدقيق لآيات كتاب الله العظيم :

*[ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97) ] النحل .

*[ مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134) ] النساء .

كما يشجع على الكسل وضُعف الهمة وفتور أو انعدام الحافز للإسهام في عمارة الأرض . ويؤدي ذلك بالتالي إلى التسليم بالسيادة على الأرض لغير المسلمين المؤمنين .

ولأننا لا نعرف ما سيكون عليه قضاء الله ربِّنا قبل وقوعه ، ولأن جُلّ ما نعرفه من الإعتبارات المؤثرة هو الأسباب المؤدية إلى النتائج أو المسبَّبات (المدخلات المؤدية إلى المخرجات) بالتفصيل الذي بيّنه الخالق العظيم في كتابه الكريم ويؤيده الواقع ، كان علينا أن نأخذ بالأسباب راجين أن يكون قضاء الله ربِّنا في مصلحتنا (وهذا هو معنى التوكل أي ردّ الأمر إلى الله تعالى في النتائج) . فإذا لم يكن الأمر كما رجونا ، عند ظهور النتائج  كلياً أو جزئياً .. كان علينا أن نؤمن ونسلِّم بعدالة قضاء الله تعالى حسبما قدّره العليم تبعاً للمعطيات المتوفرة آنذاك ساعة القضاء . وبدلاً من أن تذهب نفوسنا حسرات على ما فات ، نتدبر قولَ الله سبحانه :

*[ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(23) ] الحديد .

وقولَه عز وجل :

*[ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(216) ] البقرة .

وإن كان هذا لا يمنعنا من إيجاد وقائع جديدة مشروعة والأخذِ بأسباب أخرى نتقدم بها من جديد مستأنفين الحكم إلى القاضي الأعلى *[ إلهِ الناس ] ليقضي لنا ما فيه الخير مما يعلم ولا نعلم :

*[ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) ] القصص .

 

الآجال :

ينطبق قدْر كبير مما قلناه عن الرزق على الأجل كذلك بل على كل ما يعتقده المسلم المؤمن بحق (قضاء و قدراً) إلهيا . فآجال الناس تحددها اعتبارات متعددة ومتنوعة ومتشابكة أكثر من غيرها من الأمور . ويشير الواقع إلى أن القضاء والبتَّ فيها إنما يحتاج إلى معلومات وقدرة وحكمة لا تتوفر إلا عند الخالق العظيم : وهو أحياناً يأذن بانتهاء أجل فرد أو أفراد فيتحمل المتسببون في إنهائها مسئولية جرائمهم أو أعمالهم. وهو في معظم الحالات يُعدل أساليب انتهاء الآجال وقد يغيرها كما يُعدل ويغير مواقيتها زمانا ومكاناً:

*[ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(11) ] فاطر .

وبعض الأسباب قد تكون بيّنة مكشوفة، وبعضها قد تكون خفية غير معروفة ، ولكن الله سبحانه لا يقضي في الأرزاق والآجال ولا في أي أمر اعتباطا أو عبثاً ولا بالقرعة  بل يفعل ذلك عن علم وقدرة وحكمة لا وجود لها مطلقة كاملة إلا عنده .

 

وليس في كتاب الله العظيمِ ما يشير إلى أن أجل الإنسان يحدده الله سبحانه وتعالى دائما بأمرٍ منه ودون اعتبار للأسباب. بل إن آيات الله سبحانه بيّنة الدلالة على أن موت الإنسان – ككل ما يحدث في الكون - إنما يكون دائماً (بإذنه) تعالى أي بمصادقته عليه[12]. وهذا هو القدر المشترك بين كل ما يحدث في الكون بما في ذلك أفعال الإنسان التي يختارها بمحض إرادته. فلا يحدث في مُلك الله سبحانه أمرٌ رغماً عنه ، ولو شاء لمنع وقوع أي عمل ومن ذلك موت أي إنسان أو كائن حي. وهو فعلا يفعل ذلك أحياناً كثيرة ويعدّل في المواقيت والأساليب والنتائج .

*[ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا {145} ] آلعمران .

*[ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) ] يونس .

*[ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ {32} ] فاطر .

وضِمن دائرةِ ( بإذنه ) الكبرى تقع أمورٌ ( بأمره ) سبحانه :

*[ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ {11} ] الرعد .

*[ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ {12} ] النحل .

*[ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ {65} ] الحج .

*[ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) ] يس .

 

مفهوم كل ذلكم أن كل ما يحدث في الكون بإذنه أو أمره لا يحدث منه شيء رغماً عنه سبحانه ولا بدون عِلمه ، ومِن ذلك ما يحبه ومنه ما لا يحبه ، ولكنه يأذن بحدوثه لحكمة تتعلق بضرورة الخير والشر كليهما لمصلحة الحياة ، كضرورة النجاح والرسوب في استراتيجية أية وزارة للتعليم . فمع أنها وكلَّ العاملين فيها لا يحبون الرسوب ولكنهم يأذنون برسوب طلاب لما في الرسوب كما في النجاح من مصلحة المجتمع ومنه الطلاب

(13)

الخُلاصـــــــــــــــة

1. الخُلاصةُ هي : أنّ قدَرَ الله سبحانه (أو أقداره) هو خصائصُ الأشياء  والسننُ (القوانين) التي تحكم علاقاتها . وهو تقدير الله سبحانه لخطة خلق وسير الكون في ( أمِّ الكتاب )  قبل أن يخلقه الله سبحانه . وبهذا القَدَر وبجنوده الذين لا يعرفهم إلا هو يدبر سبحانه أمور مخلوقاته .

 

2. وأنّ واجب الإنسان أن يحاول معرفة الأقدار وعلى رأسها قدَر أو سُنة (قانون) الأسباب والمسببات لكي يستثمرها ويعالج بعضها ببعض لتصب كلُّ جهوده في هدف إعمار الأرض بالوكالة الجزئية عن الله ، ليصل إلى غاية إرضاء موكله وخالقه ومستخدمِه حتى يعطيه أجره في الدنيا *[ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) ] النجم  .. في الآخرة .

 

3. وأنّ الله سبحانه الذي أعان الإنسان بأقداره في الكون أعانه كذلك بمراقبته الدائمة له ولكل ما يجري في مُلك الله بحيث يُردّ إليه عِلم الساعة أو اللحظةِ أوَّلا بأول، وباحتفاظه بسلطة القاضي الأعلى  بين بني آدم في الدنيا : (وفي الآخرة طبعا) يقضي بينهم حسب أقداره وحكمته ومعرفته اليقينية بما يصلح لكل واحد منهم وما يستحقه على جهوده وقدراته المكتسبة ، وما يصلح لكل مجموعة وما يصلح للإنسانية . وإن أول ما يأخذ الخالق العظيم بالحسبان قبل قضائه في أي أمر مدى أخذ أصحاب العلاقة بالأسباب وخص منها الأسباب الوقائية (التقوى) . أما العوامل الأخرى المؤثرة في قضائه سبحانه فكثيرة ومتشابكة ومعقدة .

 

4. وأنّ رد فعل الإنسان بعد ظهور مُخرَجات (نتائج) الأسباب نوعان :

أ . فإن كانت النتائج كما يحب .. حمد الله سبحانه ، وردّ الفضل إليه على ما أعانه من الأخذ بالأسباب والتوكل عليه – أيْ ردِّ أمْر النتائج إليه - وعلى ما قضى له به من الخير. ولا يصيبه الغرور بل يظل متذكراً أن قضاء الله سبحانه لإنسان قد يكون مكافأة من الله (لاحقة أو سابقة) أو يكون رسالةً له أو لغيره بوجوب تقييم عمله لتقويمه أو يكون استدراجاً إلى عقوبة من حيث لا يعلم .

 

ب . وإنّ كانت النتائج غير ذلك حمد الله أيضاً وسلّم بها باعتبارها قضاء إلهياً عادلاً وحكيماً في ظل معطيات القضاء حينئذ على الأقل. وبذلك تطمئن نفسه ولا تذهب على ما فاتها حسرات. فإن تغيرتْ المعطيات والظروف فله أن يَرجع إلى الأخذ بأسباب معدلّة لعل الله سبحانه يقضي له بما يرجو... أو ببديل له .

 

5. وانّه لا يصح أن يغضب الإنسان لنتيجة إهماله وكسله إذا انعكسا على قضاء الله ربِّه عليه ، فإن الله سبحانه حين يقضي لغير مصلحة إنسان مخطئ أو مهمل أو غير آخذ بالأسباب ، فإنه [ يعفو عن كثير ] وتكون الأضرار في كل الأحوال مخففة يتناسب تخفيفها وتلطيفها مع استحقاق العبد (وربما من له به علاقة) للطف الله ربِّه ورحمته

 

6. وأنّ حُسنَ تدبير الله سبحانه لأمور الكون ودقةَ أقداره وأقضيته يجلّيها هذا التقدم الملاحظ عبر التاريخ في مهمة عمارة الأرض . ولا يضير هذه الحقيقةَ ما يشهده التاريخ من مدًّ وجزْر في الإعمار، فإن الجزر يتبعه عادة مد أعظم منه ، كما قد تسير السيارة قليلا إلى الخلف لتُعد نفسها لإندفاعة كبيرة إلى الأمام !

 

*[ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ]

 

محمد راجح يوسف دويكات

مدرسة الربانيين

نابلس – *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

 

 



[1] *] اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ …(255) [ البقرة .

[2] *] وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(165)[  الأنعام .

[3] *] قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(50) [ طه .

[4] *] أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(18) [ الحج .

[5] مع أنها مخيرة جزئياً إلا أنها تحاسب على اختيارها إذا كان مخالفاً لقضاء الله تعالى يبلغه رسولُه *] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا(36) [ الأحزاب .

[6] *] وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا(2) [ الفرقان . وقد أُمر عليه السلام أن يدعو *] وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا(80) [ الإسراء ، كما أُمر أن يجتهد ويشاور قبل أن يعزم على التطبيق والعمل وأن يتوكل على الله *] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159) [ آلعمران .

[7] طلب الله سبحانه من عباده الاستعاذة *] بِرَبِّ النَّاسِ(1) مَلِكِ النَّاسِ(2) إِلَهِ النَّاسِ(3)[  على الترتيب في آخر سورة من القرءان الكريم تذكيراً لهم وتقريراً أن ما يمكن أن يَلحق بهم من ظلمً مِن أرباب اتخذوهم مشرعين ، أو ملوك (حكام) منفذين يمكن لأي متظلم أن يستأنف عليه لدى * ]إله الناس [ بوصفه محكمة العدل العليا حقيقة.

[8] *] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)  [ الحجر ، أي نحفظ الذكر ونحفظ لأجله من نذروا أنفسهم للتغيير على أساسه وعلى رأسهم الرسول عليه السلام الذي وعده سبحانه أن يعصمه من الناس ولذلك تحدى المشركين قائلا: *] قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِي فَلَا تُنظِرُونِي (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) [ الأعراف .

 

[9] *] هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ(15) [ المُلك .

]* يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(169) [  البقرة .

]* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ(20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ(21) [ الرعد .

[10] مجلة العربي، العدد 417 ، تاريخ ؟ ، صفحة 127 .

 

[11] *[… نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) ] الزخرف .

         [12] بل إن هناك ما يشير أن الله سبحانه يأذن بزيادة الأعمار والأرزاق والإيمان والأولاد في حال الشكر عليها  *] وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ {7} [  إبراهيم  . 

 



 
 
ما ينشر في هذا الموقع ( ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) ( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ) وليس حقا لفرد أو أفراد
2008