الإيمان إنقلابي: *[ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ]..

والتطبيق تدريجي : *[ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ]

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

ورد الأمر بتقوى الله بصيغة *[ اتَّقُواْ اللّهَ ] للجمع 55/ مرة ،  وللفرد بصيغة *[ إتَّقِ الّلهَ ] 3/ مرات .. في إشارة أوّليّة إلى أنّ تقوى الله يُعين عليها الجمعُ الذي يتقي الله . وقد  بيّن اللهُ للناسِ في آيتين درجتيْ تقوى الله . فما هما ولمن يكون الخطاب فيهما ؟

(1)

الإيمان إنقلابي

*[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {102} وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ...{103} ] آل عمران .

ففي الإيمان يُطلب ممن يتبين لهم الحق أن يكون إيمانهم إنقلابياً كإيمان سحرة فرعون :

موقف لسحرة فرعون : ما أحوجنا إلى مثله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=30&cat=4

وأن يتقوا الله حقَّ تقاته ، لأنهم بدون هذه الدرجة التامة من تقوى الله في الإيمان لن يموتوا مسلمين . فكيف يتقون الله تقوى غيرَ منقوصة ليضمنوا موتهم مسلمين ؟ القرءان يبيِّن ذلك :

*[ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ {68} الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ {69} ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ {70} ] الزخرف .

فالذين كانوا في الحياة الدنيا مسلمين هم الذين آمنوا بئايات الله  فلم يُشركوا معها الأحاديث والإفتراءات على الله ورسوله . هم الذين اعتصموا بحبل الله الذي هو كتاب الله مُنزَّها عن خيوط العنكبوت ( على وزن كهنوت وطاغوت ) التي هي أوهن الخيوط .

*****

وبما أن الإيمان أمر قلبي لا يطَّلع عليه إلاّ اللهُ وصاحبُه فلا يكون عذرٌ لصاحبه إن لم يتّقِ الله فيه حقَّ تُقاتِه ليكون خالصا من الشرك ، بأن يلتزم فيه بكتاب الله الذي لا تكون عبادةُ الله خالصةً نقيةً من الشرك إلاّ به :

إبراهيم يسأل والله سبحانه  يجيب

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=161&cat=5

 *[ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ {2} أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ {3} ] الزُّمر .

(2)

التطبيق تدريجي

أمّا في التطبيق والعمل اللذيْن تحكمهما عوامل كثيرة ، بعضها أقوى من الفرد وحتى الجماعة  وبعضها في حدود استطاعتهما .. فالحكمة في التدرج ، إذ أمْر الله يقول :

*[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {14} إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ {15} فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {16} ] التغابُن .

مفهوم الفتنة وأصنافها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=159&cat=3

فالأمر بتقوى الله هنا قدْرَ استطاعة الفرد أو الجمع وردَ في سياق الكلام عن أنَّ الأموال والأولاد فتنة ، أيْ امتحان صعب يتوقف النجاح فيه على قُدرة المُمْتَحَن . والله سبحانه يعلم أن الناس درجات في العمل :

*[ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ {132} ] الأنعام .

*[ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {62} ] المؤمنون .

*[ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً {7} ] الطلاق .

*****

ودليل كونِ امتحانِ الأموالِ والأولادِ صعبٌ/فتنةٌ .. أنَّ الله سبحانه جعل لمن ينجح فيه أجْراً مضاعَفاً ، وقَبِل منه أن يعمل صالحا على الإجمال ، بشرط أن تثقل موازينه . ولم يشترط عمل الصالحات !

*[ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ {37} ] سبأ .

*****

ولمعرفة حد الإستطاعة في تقوى التطبيق يقول سبحانه محذرا من اختلاق المعاذير :

*[ بلْ الإنْسانُ على نفْسِهِ بصيرَةٌ {14} ولوْ ألْقى مَعاذيرَه {15} ] القيامة  .

*[ .. إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ {28} ]   آل عمران .

ولا شكَّ أن درجة الإستطاعة للفرد والأُمة تتباين بين مجتمع يتقي الله ومجتمع هابط لا يكاد يتقي الله في شيء ، يكون فيه مَن يتقي الله حقيقةً – لولا عوْنُ الله للمتقين - كالقابض على الجمر!!!

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---