أمّا الجهادُ الكبيرُ بالقرءان... فلا بَواكيَ له !!!

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

(1)

الجهاد مفهومه بذل المؤمن جُهْدَه (79/التوبة) وطاقَتَه في الله اوَّلا وفي سبيل الله ثانياً . وجاهَدَ وصابَرَ وقاتَلَ وبارزَ وكذلك سابَق على صيغة فاعَلَ تُفيد المبادلة والمسابقةَ بين طرفين ، ليفوز فيها الأكثرُ صبراً وسَبقاً وبذْلاً للجهد . وخلافاً لكل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبُر، فان الجهاد يبدأ كبيراً ثم يصغُر.

لذلك كان الجهاد بالكلمة وبلا قتال في عهد التأسيس المكي كلِّه ، وكان جهاداً كبيراً في الله بمعنى التصدي للمفترين على الله كذباً او المكذبين بالحق – كتابِ الله – لما جاءهم . ولم يرِد في عهد الضعف المادي المكي ذِكْرٌ للجهاد الّا في آيتين : واحدةٍ في الفرقان  وثانيةٍ في العنكبوت :

(2)

آيةُ الفرقان

*[ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً {48} لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً {49} وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً {50} وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً {51} :

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً {52} ] الفرقان .

فقد أَمر الله سبحانه الرسول الكريم وهو في مرحلة التأسيس في مكة ان يجاهد الكافرين بالقرءان جهاداً كبيرا ، بالحكمة والموعظة الحسنة والثبات عليه . ولأن سبب ضلالهم وكفرِهم بالله ورسوله هو خصومتهم للقرءان فقد كان على الرسول ان يستمسك به (43/الزخرف/43) لأنه انما صار رسولاً منذ *[ إقرأ.. {1} ] العلق ، بالقرءان وءايات الله فيه التي كَذَّب بها المشركون اكثرَ من تكذيبهم للرسول نفسه :

*[ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {33} وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ {34} ] الأنعام .

*[ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {15} قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {16} فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ {17} ] يونس .

ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون :  لماذا !

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=21&cat=5

لهذا ثبَّت الله سبحانه رسوله (74/الإسراء) على القـرءان وعلى وجوب تبـليغ كلِّ ما أُنزل اليـه مـن ايات الكتاب (67/المائدة) ، دون تبديل حرْف من كلمة او تقوُّلٍ على الله ( 44/الحاقة ) ، وجَعَل هذا الثبات على القرءان - وهو جهادُ أفكار لتغيير ما بالأنفس - جَعَله جهاداً كبيراً لانه اصعب بكثير مِن القتال كما تَبيَّن في الاوَّلين ويتبيّن الآن في الاخِرين :                

إنّ الشجاعة في القلوب كثيرة  : ورأيت شجعانَ العقول قليلا !!

 لـهذا كـان المجاهـدون بالقـرءان المُنزَّل مـن الله جهاداً كبيرا – بالثبـات عليـه والاعتصام بـه وحْده حبـْلا واحدا للنجاة (101- 103/آل عمران)  – كانوا قلةً نادرة عبر التاريخ تسبح ضد التيار . للآخِرين منهم في رسول الله والقليلِ الذين امنوا معه اسوةٌ حسنة في الثبات على الحق – كتاب الله – وتصديق وعد الله حينما تحزَّبت ضدَّهم الاحزابُ  ( 21- 22/ الاحزاب ) ليُحققَ اللهُ لهم التغييرَ في (22) سَنة بإذن الله في الآخِرين ، كما حققه بفضل منه للأوّلين في (22) سَنةً !!

*[ لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {88} أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {89} ] التـوبة .

لم يُـذكَر جهادُ الرسول [ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ] وهو غيرُ جهاد النبي القتالي  إلاّ في هذه الآية ليظلَّ مفهوم الجهادِ في الله بالقرءان تأسِّياً بالرسول جهاداً كبيراً في كل وقت . وكونُ الجهاد الكبير أداتُه الكلمة من القرءان يبيِّن لكل ذي عقل أن دين الله المُنزَّل يقوم على الحُجة والبرهان لا على الإكراه ، حتى لو امتلك السيف والسنان !

(3)

آيةُ العنكبوت

*[ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ {68} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {69}‏ ] العنكبوت .

إرجع إلى مفهوم أظلمِ الظلم على رابط البحث :

إبراهيم يسأل والله سبحانه  يجيب  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=161&cat=5

وإلى مفاهيم الجهاد والهجرة في الله .. وفي سبيل الله على رابط البحث :

الجهاد والهجرة في الله .. وفي سبيل الله  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=115&cat=5

فَصِّلت تلكما الآيتان اللتان خُتمت بهما سورة العنكبوت مفهومَ الجهاد الكبير في الله . واسْمُ سورة العنكبوت المكيّة يوحي بتآمر المكذبين بئايات الله في كل زمن ، وتصف مع ذلك بُيوت عنكبوتهم بكونها  *[ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ ]  !!

  ففي هاتين الايتين المكّيتين وعْدٌ آخر من الله عز وجل للمجاهدين في الله رب العالمين الذين يتصدّون لأظلم الظالمين وهم المفترون على الله كذبا الذين نسبوا اليه ما لم يُنزّله على رسوله الكريم قرءاناً ، او كذَّبوا بئايات هذا القرءان لمّا جاءهم من يدعوهم اليه بحجة أنه حمال أوْجه ومنه المنسوخ … فوَعَدهم الله سبحانه أنْ يوسِّع عليهم بجعل سبيله لهم سُبلاً ميّسرة وبشَّرهم أنهم محسنون وانه معهم .

*[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {77} وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ {78}‏ ] الحج .

أما الإعتصام بالله *[ ومَنْ يعْتَصِمْ بِاللّه {101} ] آلعمران .. فقد بيّنه قول الله في الآية 103/آل عمران [ واعْتَصِموا بِحَبْلِ اللّه ] أيْ بالقرءان الذي أَمر الله بالإستمساك به في الآية 43/الزخرف ، والثباتِ عليه .

(4)

 بالاضافة الى خواتيم سورة العنكبوت التي ذُكر فيها الجهاد في الله رب العالمين ، وبُيِّن مفهومه آنفا ، فقد ذُكر الجهاد في الله في خواتيم سورة الحج التي تُذكِّر بالافتراءات الكثيرة على الله عز وجل في الحج نفسه التي استُبدلت بئايات الله المبيِّنة لتفصيلات الحج في سورتي الحج والبقرة :

هنا أمَرَ الله سبحانه الذين امنوا بعد ان يركعوا ويخضعوا لله ربهم ، ويسجدوا شاكرين له ان يُجاهدوا في الله حق جهاده بكشف ممارسات الناس الباطلة في الحج خاصةً التي نسبوها الى رسول الله افتراءً عليه فكانت افتراءً على الله نفسه الذي ما فرض على الناس في الحج ولا في الدين كلِّه ما يشُقّ   عليـهم ، بينما يشق الحـج على الناس منذ قرون . وذِكْرُ مِلَّة ابراهيم هنا اشـارة الى ملّـة ابراهيم في الآيتين  (129- 130) من سورة البقرة التي توجب على كل الناس – إلا من سَفِه نفْسَه – اتباع مِلّة ابراهيم : ⁽¹⁾ بتلاوةِ ءايات الله وتعلُّمِ ما فيها مِن ⁽²⁾ كتابٍ ⁽³⁾ وحكمةٍ ، نظريةٍ وتطبيقٍ ، لتتحقَّق لهم بذلك ⁽⁴⁾ التزكيةُ/التربية التي هي تغيير الفكر والسلوك تغييرا ايجابياً .

إرجع إلى مفهوم السفاهة القرآني على رابط المقال :

السفاهة عجلة في كل شيء وجهل بالعواقب        

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=219&cat=3

 وتوصيةُ الله سبحانه باتباع مِلّة ابراهيم تُذكِّرنا بمفهوم الحج الميسَّرِ البسيط الذي اوصى الله سبحانه به ابراهيمَ في سورة الحج  (25 – 29) وفصّله في الايات  (158 – 170)  و (195 – 203) من سورة البقرة . وتُلخِّص هذه الاياتُ الحجَّ بأنه :

^(أ) شهودُ الحجاج منافعَ لهم يتبادلونها في جو من الأمن يوفره للناس ربُّ البيت (2/المائدة) الذي جعله الله عز وجلَّ مثابة للناس وأمْناً ..

^(ب) قبل انْ يطّوَّفوا بالبيت العتيق ، على ان لا تزيد عِدة مُكث الحُجاج عن ايام كانت معلوماتٍ (28 / الحج) ( محددةً ، مرةً في العام قبل نزول القرءان ) ثم صارت معدودات في أشهر للحج معلومات (203 / البقرة) بعد نزوله وإلى يوم الدين .

وقد حُدِّدت الأيام المعدودات في كتاب الله بالفترة بين حلْق الرأس مرتين : مرَّةً قَبل بَدء الحج ومرةً بَعد انتهاء مناسكه ، كما أشارت الى هذا الآيتان (27 / الفتح)  و  (196 / البقرة)  .

 وكل ما سوى ذلكم من تفصيلات شرعها الله سبحانه في كتابه او نَسَكها الناسُ عن تراضٍ منهم (67 /الحج) في وقتٍ ما ، ولا تخالف ما انزل الله قرءانا او تشقُّ على الناس... فهي مِن متممات الحج التي يُعفَى منها من يُقدِّم للبيت العتيق وزُوارِه هَدْياً من الانعام او بدلاً ماليا بقيمته  *[ مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْيِ {196} ] البقرة . 

الحج الذي ينفع الناس من كتاب الله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=53&cat=5

خلاصةُ القول

إنَّ على دعاة التغيير والإصلاح ان يبدأوا دعوتهم بالجهاد الكبير بالقرءان وأن يثبتوا عليه كما فعل الرسول الكريم وان لا يركنوا الى من يحاول صرفهم عنه :

*[ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً{73} وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً{74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرا ً] الاسراء .

فعليهم ان يثبتوا على القرءان لتغيير ما بأنفس الناس حتى يُغيّر الله ما بهم . هذا هو الجهاد الكبير في الله الذي اذا ثبت عليه الدعاة الى الحق ضمنوا لأنفسهم أنْ يكونوا في جنب الله طالما اتَّبعوا احسنَ ما أُنزل اليهم من ربهم (56 / الزمر) .

ولن يضرَّهم عندئذ أن يكونوا من القليل الطيب *[ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {13} ] سبأ ، في مقابل اكثرِ الناس الذين سفّه الله سبحانه آراءَهم في اكثرَ مِن ستين آية من كتابه الكريم ووصَفهم بانهم لا يعلمون ، ولايؤمنون ، ولايشكرون ، ويجهلون ، واكثرهم للحق كارهون .

وفي القليل الطيب الذي لا يستوي معه الكثير الخبيث ( 100/ المائدة ) صدق شاعرٌ حكيم :

لا يصدَّنك عن مُناصرة الـْ  :  حقِّ صياحُ الغوغاءِ والجاهلينا

إنما يبقى الحـقُّ حقـــــــــاً وإنْ : أغمضَ عنه المكابرون العيونا !

*****

هذا هو الجهاد الكبير الذي نحن بحاجة اليه لإحداث التغيير ، ويمكن ان نُبدع فيه لأنَّ أداته بين ايدينا ولكنها مهجورة . ليست سلاحاً نشتريه من الطرف الآخَر ، وخبزاً نستجديه منهم  ثم ندَّعي اننا نقاتلهم ، والنتيجة مُخزيةٌ طَوالَ تسعة عقود !!!!!!

الجهاد الكبير بالقرءان لا يكاد يذكره احد مع انه لا أمل بدونه ...

فقد أماته الذين جعلوا

*[ في قلوبِهِم الحَمِيّةَ ، حَمِيَّةَ الجاهِلِيَّةِ ] .. ولا بواكي له !!!

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس-  *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---