4/28/2024
 
 

بحث في الموقع

 
 

 مواضيع مختــارة

 

      

 

     

2/22/2012 5:39:00 PM

عدد القراءات: 12763
عدد التعليقات: 15




11/16/2011 4:08:00 PM

عدد القراءات: 12328
عدد التعليقات: 9


8/27/2010 12:22:00 PM

عدد القراءات: 43733
عدد التعليقات: 1212


8/22/2010 11:38:00 AM

عدد القراءات: 13878
عدد التعليقات: 3





7/26/2010 7:06:00 PM

عدد القراءات: 15013
عدد التعليقات: 4





4/27/2010 1:11:00 AM

عدد القراءات: 14692
عدد التعليقات: 22



     

 

  

  

 
 
 

 

 

أبحــــاث

الصلاحية المادية لعمارة الارض و الصلاحية الانسانية للحياة

8/15/2010 7:14:00 PM

عدد المشاهدات:6199  عدد التعليقات: 8
8/15/2010 7:14:00 PM

محمد راجح يوسف دويكات

 

 

الصلاحيةُ المادية لعِمارةِ الارضِ .. والصلاحيةُ الإنسانيةُ للحياةِ

          العلومُ المادية  .. والمعارفُ الانسانية

       القوةُ   ..  والامانةُ

 

 الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

(1)

 حين خلق الله سبحانه ابا البشر آدم (عليه سلام الله) كان قد خطط وقضى أنه سيكون خليفةً لرب العالمين موكَّلاً في مهمة محددة هي عِمارة الأرض . إذ لم يشأ سبحانه أن يعمرها مباشرة بنفسه أي بأمره *[ كُنْ فَيَكون ] وهو على ذلك قدير ، وإنما – لحكمة هو بها أعلم - قضى أن يُكلف بهذه المهمة مخلوقا له ، يكون أجيرا مُكرَّماً عنده ، ليُوفّيه أجْره إذا أحسن . وقد كرّمه ربه سبحانه وجعله برتبةِ/درجة وكيلٍ خاصٍّ له ، وأعطاه بعضَ حق التصرف في التنفيذ/الحكمة التطبيقية . فهو وكيل جزئي وليس مفوَّضا عاما بلا حدود . وكان من خُطة الله سبحانه أن يزوِّده بأربعِ قُوى لمساعدته في إنجاز مهمته :

 

أ. قوةِ العقل أي الربْط بين المعلومات التي تمكّنه مِن الإضافة والابتكار ، واكتشافِ معلومات وأمور جديدة . فالعقل هو أساس مَلَكة الإبداع والابتكار التي افتقدتها الملائكة . وبسببها نجح ادم في امتحان الكفاءة ورسبوا (31-32) البقرة . هذه القوة هي أساس مؤهِّل الكفاءة التي بسببها فضّل الله سبحانه الإنسان على الملائكة لمهـمة عمارة الأرض مع ولائهم المطلق لله عز وجل وعِلْمِـه أن الإنسان سوف *[ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ]

فحص الكفاءة الذي نجح فيه آدم

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=158&cat=3

ب. خميرةِ معلومات مادية عن الأشياء التي كان يحتاجها لبدء الإعمار، بحيث يتمكن بالعقل – تحليلا وموازنة وربطا - من الإضافة عليها *[ وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا {31} ]  البقرة .

 

ج. أقدارٍ أيْ سُننٍ وقوانينَ تضبط الأبعاد الأربعة لكل شيء : الزمانَ والمكانَ والكمَّ والكيفَ .. كما تضبط علاقات عناصرِ المادة ببعضها *[ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(49) ] القمر ، أيْ خلقناه بخصائصَ وقوانينَ مقدّرةٍ تحكُمه . وقد جعل الله سبحانه أمر اكتشافها للإنسان ، وسخَّر له ما في السماوات وما في الأرض بشرط الاستفادة من هذه القوى الثلاث المذكورة ، حتى يمتلك بذلك مؤهِّل الصلاحية المادية لعمارة الأرض الذي أدى استغلالُه بالفعل إلى تقدُّمِ المدنية الإنسانية وتطوُّرِ ونموِّ العلوم المادية التي سوف تبلغ مداها في علوم الفضاء لتكتشف ما في الآفاقِ من أسرارِ ودقائقِ خلْق الكون الدالة على عظمة الخالق ، وحقيقةِ وصِدقِ آياته في الكون المنظور وفي القرآن الكريم/الكتاب المسطور :

*[ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شـَهِيدٌ(53) ] فصلت .

*****

نزلت هذه الآية الكريمة في آخِر سورة (فُصِّلت) التي فصّل الله سبحانه في بدايتها آيات خلق الكون ، وبث في السورة ما تصلح به النفوس بحيث تكون للمؤمنين – ككل آيات الكتاب - هُدىً ورحمة وشفاءً . وفوق ذلك تُقرر هذه السورة أن تفصيلاتِ الكتاب موجهةٌ لقوم يعلمون وكأنها فُصِّلت (على مقاسهم) :

*[ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(4) ] فصلت .

*[.. قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى …(44) ] فصلت .

 

د. أقدارٍ أيْ سُننٍ وأحكامٍ تضبط العلاقات الإنسانية بين الناس أثناء حركة الحياة لإعمار الأرض وتُعلّمهم كيف يتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان بعد أن ترك الله سبحانه له اكتشاف كيفية تعامله مع المادة .

 

ولأن الإنسان بكل تعقيداته هو مجال هذه السُنن والأقدار والأحكام ، فقد أبقى الله سبحانه أمرها بيده يهدي بها مخلوقَه وأجيره الإنسان إلى الصواب فضلاً منه هدايةً ، ويقيه من الوقوع في الخطأ رحمةً منه وقايةً ، ويبيّن له كيفية تدارُك الأخطاء إذا وقعت شفاءً وعلاجا .

*[ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(58) ] يونس .

*****

فكوْنُ القرآن العظيم موعظةً يعني أنه هُدى ورحمة .. وكونُه فضْلَ الله على الناس يعني أنه هُدى إلى الصواب والحق .. وكونُه رحمةً يعني أنه يقي من الخطأ والوقوع في الباطل وقاية . حتى إذا وقع ما لا بد منه من الخطأ ، قدَّم له الخالق العظيم عبْر كتابه الكريم كيفية معالجته للشفاء منه رحمةً ورأفةً !

 

وقد أبقى اللهُ ربُّ العالَمين سبحانه أمْر نظام العلاقات الإنسانية المعقّدة والمتشابكة في يده ، ومن اختصاصه لعلمه سبحانه بعَجْزِ الإنسان ، وضعفِه أمام اهوائه ، وقُصور عقله – مهما كان ذكيا - عن فعل ذلك :

*[ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14) ] الملك ، *[ .. وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) ] النساء .

 

(2)

لم يكن آدم نفسه بحاجة إلى الكثير مِن نظام العلاقات الإنسانية ، لأن حاجة فرد واحد أو اثنين إليها محدودة . فلو تصوَّرنا وجود سيارة أو حتى بضعِ سيارات فقط تسير على الأرض لما كان سائقوها بحاجة إلى معظم قوانين السير . لهذا السبب ، نزل هُدى اللهِ سبحانه على الإنسان على شكل (طبَعات) ، كلّ واحدة منها (مَزيدة ومنقَّحة) عما قبلها لتناسب عصرَها والمخاطَبين بها . حتى إذا بلغت الإنسانية مرحلة معينة من النضج أنزل الله سبحانه الطبعةَ النّصّية الآخِرة التي كانت *( الكتاب كله )All in one   لمنهاج الهُدى الرباني/ديناً سماه (الإسلام) منذ إبراهيم عليه وعلى المرسلين السلام . وكان آخرَ رُسله وسفرائه ، الذي كُلِّف بتبليغ تلك الطبعة الآخِرة والشاملة والدائمة من كتاب الله العظيمِ رسولُ الله محمدٌ (عليه وعلى المرسلين السلام) ، الذي كان نبيا كذلك كُلِّف بتطبيقه تطبيقا نبويا بشريا عصريا – مناسباً لعصره – فكان ذلك التطبيق ناجحا مؤثرا مثمرا!!

*****

نظام العلاقات الإنسانية هذا هو الذي يُزوِّد الإنسان بمؤهل الصلاحية الإنسانية للحياة . وحين تتعقد مشكلات الإنسان ويعجز عن حلها بحلول ترقيعية من اجتهاده وتتراكم تخبطاته – كما بدأت تشير الدلائل – سيرى حلولَها  فقط في آيات القرآن الكريم الذي هو دليل  (Manual) الخالق الصانع سبحانه إلى مخلوقه الإنسان :

.  نحو مشروع حضاري عالمي للألفية الثالثة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=75&cat=2

 وسيتزامن هذا بإذن الله مع رؤية صِدق آيات الله تعالى في النفس البشرية وفي آفاق الفضاء وعلومه من مصدريْها : الكتاب المسطور والكون المنظور . وعندئذ سيتبين للناس أن القرآن الكريم هو الحق المطلق الوحيد :

(1) دستوراً فُرقاناً اساسياً عاماً هو الهُدى ..

(2) وقوانينَ واحكاماً تفصيليةً منبثقةً عنه ومُنسجمةً معه هي دين الحق !

*[ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ   {9} ] الصف .

(3)

القوة .. والأمانة

 الصلاحيةُ الماديةُ .. والصلاحيةُ الإنسانيةُ

(مؤهل الصلاحية المادية لعمارة الارض) يُسبغ على الإنسان صفة (القوة/الكفاءة) التي يُعتبر الإتقانُ والإحسان ثمرَتَها .. كما يُسبغ (مؤهلُ الصلاحية الإنسانية للحياة) عليه صفة (الأمانة) التي ثمرتُها إعطاءُ كلِّ ذي حق حقه . في إشارة إلى هذين المؤهِّلين : القوةِ والأمانةِ زكّى الله سبحانه نبيَّه موسى ( قبل ان يُرسَل) على لسان امرأة فاضلة :

*[ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) ] القصص .

بتدبُّر كلام رب العالمين سبحانه من كتابه الكريم نرى أنه ربط مؤهلَي القوة والأمانة بالإنسان الفرد .. بينما ربط الصلاح والصلاحية للحياة والإعمار بالأَفراد وبالجماعات شعوبا وأمما.. وربط وِراثةَ الأرض (مناطقَ وكرة أرضية) بالصلاحية لإعمارها . ووراثةُ الأرض هي مُلكيتها أو – في المصطلح السياسي المعاصر - السيادة عليها ، لأن العبيد والخدم لا يملكون ولا يرثون ما ينتفعون به . يقول الله سبحانه على لسان موسى عليه السلام مما أنزله عليه في الذكْر ، مخاطبا المسلمين من بني إسرائيل آنذاك ، دون أن يذكر لهم شرط الصلاحية للإعمار لأنهم لم يكونوا قد امتلكوها بعد - وقد علم أن ذلك سيكون - مؤكدا في البداية أهميةَ الصبر والتقوى بعد الاستعانة بالله سبحانه :

*[ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْـعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقـِينَ   (128) ] الأعراف .

أما حينما أورثهم الله الأرضَ وامتلكوا الصلاحية لعمارتها إنسانيا وماديا فقد بيّن لهم المقصودين بقوله *[ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ] في زبور داود عليه السلام – وهو فصْلٌ حِكمي تطبيقي مُلحق بالتوراة :

*[ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ(105) ] الأنبياء .

وكأنه بذلك يحذرهم ، مبيِّنا لهم الحقيقة كاملةً بوجوب المحافظة على مؤهِّل الصلاحية للحياة والإعمار بعد أن امتلكوه ، إذا أرادوا الاستمرار في وراثة الأرض والسيادةِ فيها .. وأنهم إذا فقدوا ذلك المؤهل – كما حصل فعلا بعد فترة - استحقوا أن تُنزع وراثةُ الأرض والسيادةُ فيها منهم وتُعطى لغيرهم حسب سنة الله تعالى في مداولة الأيـام بين الناس :

*[ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ {140} ] آلعمران .

*[ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا {7} ] هود  و {2} المُلك .

*****

 الصلاح الذي ربطه الله سبحانه بوراثة الأرض يُفسره الواقع ماضيا وحاضرا بعد ان بيّنه كتابُ تكليفه للإنسان باستعمار الارض (61/هود) يفسره بأنه الصلاحية لعمارة الأرض ماديا وإنسانيا ، بدليل أن الله سبحانه أورث ويورث الأرض بجعل السيادة فيها لمسلمين وغير مسلمين إذا أخذوا بالأسباب (15/هود) .

 

في هذا العصر جعل الله سبحانه السيادة على الأرض كلِّها للأوروبيين والأمريكان (البروتستانت خاصة) لِما يملكونه من مؤهل الكفاءة العلمية والصلاحية المادية للإعمار بدرجة عالية ، وإن كان معدَّلُهم في مؤهل الصلاحية الإنسانية يتدنى مع الزمن وخاصةً بسبب ظُلمهم للمرأة وهبوط نظرتهم اليها ! ولكن لأنه لا يوجد على الأرض اليوم من يملك معدلا أعلى لا في مجموع المؤهلين ولا في أي منهما على إنفراد ، فإنهم يبدون متفوقين ومستحقين لوراثة الأرض والسيادةِ فيها .

 

أما التراثيون (المسلمون شكلا) فهم راسبون في علامة الكفاءة المادية وراسبون في علامة الأمانة ( التي هي اساس الصلاحية الانسانية ) . وبَدهي لهذا ألا يكونوا مؤهَّلين لا مادياً ولا إنسانياً للسيادة والقدرة على صُنع القرار حتى في بلادهم . لذلك نراهم خدما بل عبيدا لسادة الأرض كما هو باطن الواقع وظاهــره حتى الآن !

(4)

بُشرى لمسلمين مؤمنين بإسلام السماء

لا بإسلام الزّبَد المزوَّر الذي احْتَمَلَه *[ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا ]

 قد يصاب القارئ أو السامع بالإحباط والقنوط ظانا أن مسلمين مؤمنين حقاً لن تقوم لهم قائمة إلا إذا امتلكوا مؤهل الصلاحية المادية للإعمار متفوقين فيه على الغرب . ولكن الرد على هذا الظن يأتي من كتاب الله العظيم الذي :

*[ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ] فصلت .

نعم ! تنزيلٌ مِن حكيمٍ صاغ آياته لتُطبَّق ، وحميدٍ يَحمد ويكافئ مَن يُحاول فهْم كتابه فيكون له غفوراً شكوراً حتى لو أخطأ في فهمه (23/الشورى) ، فيشجعه ذلك على ان يُمسّكَ الناسَ به بعد أن يستمسك به هو نفسه ، فيكافئه ربُّه بأجر المصلحين الذي لم يُذكر في الكتاب كله إلا في هذه الآية :

*[ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) ] الأعراف .

*****

فحينما خاطب رسولُ الله موسى قومَه بما سبق ، كان ميزانُ الأسباب المادية في مصلحة خصوم المسلمين الذين كان المسلمون من بني إسرائيل يرونهم فراعنةً مجرمين أو *[ قوماً جبّارين ] . إلا أن العاقبة كانت بعد ذلك للمسلمين بتدبير خالق الأسباب الذي عوَّض المسلمين عما ينقصهم بعد فترة إعدادهم طيلة أربعين سنةً في الصحراء مِن جهة ، وأفنى الفاسقين منهم مِن جهة أخرى ، وأتى المشركين – كسُنَّته دائماً - من حيث لم يحتسبوا .

فلا يصح أن تغيب هذه الحقيقة عن بال مسلم فرداً كان أو مسلمين جماعةً ، لأنها أول حقيقةٍ ومفهوم ضمَّنه اللهُ سبحانه أولَ ما أنزله على رسوله الكريم *[ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ] .

 

المفهوم الأهم لهذا النص هو أن جبريل على مكانته من رب العزة لن يُقرئ محمدا بقدرته ، بل إنه سيفعل ذلك باسْمِ أي بالوكالة عن الرب الذي خَلَق وبقدرته ، طالما أن رسول الله لم يكن قادرا على القراءة بقوة الأسباب - حيث أنه لم يتعلم القراءة - ولم يأخذ بأسبابها المعتادة .

كما ان محمداً سيكون رسولاً مِن الله يتلو على الناس آيات الله باسْمِ الله اي بالوكالة عن الله ربه وكأنَّ الله سبحانه يتلوها بنفسه ، فهو *[ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً {2} ] البينة  .

*****

 وذِكْر (الَّذِي خَلَقَ) تذكير بأن الرب المقصود القادر على تعويض نقص الأسباب هو الرب الخالق وليس أيَّ ربٍّ بمعنى السيد ، كما كان يُستعمل عند العرب . أما من يريد القراءة سواه فلا بد أن يتعلمها بامتلاك أهم أسبابِها وأدواتِها  القلمِ :

*[ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} ] العلق .

 فحين كان عليه السلام يقرأ القرءان كان يقرؤه وربه معه لضمان سلامة القراءة (52/الحج ) .

 

 لهذا قَبِل الله سبحانه مِن أصحاب رسول الله مجرَّد الإيمان الخالص بكتاب الله (2/الزمر) أساسا لصلاحيتهم الإنسانية لعمارة الأرض ليستحقوا به الوعد الحق بالاستخلاف في الأرض والسيادة فيها .

أما الصلاحية للإعمار المادي فقد علم الله سبحانه أنها ستتبع كما تَحقَّق بالفعل . وقد ذكر الله سبحانه هذا الوعد الحق في سورة النور تحديدا :

*[ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ (1) آمَنُوا مِنكُمْ (2) وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {55} ]  النور .

 

وفي هذا عزاء للمسلمين المؤمنين الذين قد يجدون كفَّة ميزان الأسباب المادية راجحة لمصلحة خصومهم فيَقنَطون . فعزاؤهم إذا استعانوا بالله سبحانه مخلصين له الدين ، وبكتابه مستمسكين لا يشركون به كلاما لمخلوق ، صابرين ومؤدّين فريضة الأخذ بما استطاعوا من أسباب الصلاحية المادية كفاءةً ، بعد وأثناء أخذهم بأسباب الصلاحية الإنسانية أمانةً فعزاؤهم أن الباقي هو على رب الأسباب الخالقِ عز وجل :

*[ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(464)(27) ] آلعمران .

 

(5)

الصلاحيةُ الماديةُ للإعمار

 لا تُغني

عن تدنِّي مستوى الصلاحية الإنسانية

العزاء الثاني للمسلمين المؤمنين الذين قد ينبهرون بما عند خصومهم الغربيين من مستوى متقدم من الصلاحية للإعمار المادي هو أن كتاب الله المنقولَ المسطورَ ، وكتابَ الحياة والكون المعقولَ المنظورَ في الماضي والحاضر، يُشيران إلى أن الصلاحية المادية للإعمار لا تغني عن غياب أو تدني مستوى الصلاحية الإنسانية التي يحدِّدها نظام العلاقات الإنسانية للأمة :

 

فمع أن الغاية مِن خلْق الإنسان هي أن يَخلُف اللهَ سبحانه – ويَخلُفَ الناسُ بعضُهم بعضا - في مُهمة عِمارة الأرض عمارةً مادية .. مع ذلك ، فإنه لا بد أن يكون هناك حدٌّ أدنى من الإتساق بين الإعمار المادي للأرض ، والإعمار الإنساني المبني على نظام علاقات إنسانية تُحقَّق به الصلاحية الإنسانية للحياة والإعمار أمْناً وعدلاً ، بدلا من الإفساد والظلم والتخريب .

 

فإذا تدنت الصلاحية الإنسانية لِتجتاز وتتعدى الخط الأحمر إلى الطغيان وإكثار الفساد ، لم يعُدْ الإعمارُ المادي ذا قيمة للناس ولا لربهم عز وجل حتى لو أمكن استمراره جدلا . عندئذ يتدخل الحي القيوم، ربُّ العمل ، لتصحيح الوضع بكفِّ يد الطغاة المفسدين واستبدال غيرهم بهم ، كما تفعل حكومة مركزية فدرالية إذا ساءت الأحوال في إحدى ولاياتها :

*[ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَاد (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَاد (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَاد (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) ] الفجر .

*****

 فلم يَشفع لهم إعمارُهم للأرض بشكل لم يُعرف مِن قبل ، حينما تجاوزوا الحدّ من الظلم الذي قد يُمهَل صاحبه ، إلى الطغيان الذي لا يُمهِل الله سبحانه فاعلَه ، ومِن الفساد إلى إكثار الفساد كمّا وكيفا ، كما يلاحَظ في البلدان الديموقراطية الرأسمالية بشكل متزايد ، بعد انهيار الأنظمة الديمقراطية الاشتراكية …

على أننا ينبغي أن نقف على قوله سبحانه متدبرين قولَه (بِظُلْم)  و (مُصْلِحُون) :

*[ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) ] هود .

فكلمة (بظلم) من مثاني الكتاب العظيم . مفهومها :

أوَّلاً أنَّ رب العالمين سبحانه قضت حكمتُه وسُنَّتُه في الخلق ألا يُهلكهم إذا كان ما يقترفون هو مجردَ ظلمٍ لم يجاوزوه إلى الطغيان .. إذا كانوا يُصلحون بقدْر من العدل ما يمكن أن يُفسدوه بالظلم . ومفهومها :

ثانيا أن الله سبحانه لن يكون ظالما بإهلاكهم ، طالما كانوا يُجربون ويخطئون . يظلمون ، ولكنهم يُصلحون ما يمكن أن يُخطئوا فيه ويظلموا !!!

*[.. وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) ] الرعد .

أي لشديدُ العقاب إذا طغوا … متجاوزين الحدّ في الظلم ، بدلا من الإصلاح .

* [ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ…(61) ] النحل .

ولكنه قطعاً يؤاخذهم بطـغيانهم ( كثرةِ إفسادهم ) .

*****

والمسلمون المؤمنون حقّاً لا يتمنوْن أن يزداد خصومُهم ظلما وطغيانا من أجل أن يحِل عليهم غضب الله كما قد يفعل غيرهم من المُفسِدين ، بل إنهم لَيتمنون لهم الهداية من أجل أن يكونوا معهم في فريق الجنّة ، في الدنيا والآخرة كما حدث مرات :

*[ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) ] الممتحنة .

 

أما مَن يُصرّ على الطغيان وإكثار الفساد ، فإن الأرض التي نحسبها جامدة والتي يُفترض فيها أن تُسَرَّ بمن يعمرونها ماديا فتُسبحَ اسمَ ربها العظيم .. إلاّ أنها لن تأسف على زوال قوم صالحين للإعمار المادي ، إذا فقدوا مؤهل الصلاحية الإنسانية للحياة والإعمارِ برسوبهم في علامة الأمانة ، وتجاوُزِهم الحدَّ في الطغيان والفساد . استمعوا إلى الله سبحانه مقررِ السُّننُ وخالِقها ، ينقل إلينا إحساس الكون وما فيه :

*[ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِين َ(28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29) ] الدخان .

 

فقد يُفني الله أقواما حقيقة أو يُهلكهم بنزْعِ السيادة في الأرض منهم واستبدالِ غيرِهم بهم ليتخذوهم خدماً وعبيداً ، مع كل منجزاتهم المادية وصلاحيتهم المادية للإعمار . فإن وجود هذا المؤهل ولو بعلامة عالية لا يكفي (مع غياب أو تدني مستوى المؤهل التوأم) لاستمرار أمة في السيادة في الأرض … وهو ما يشير واقع الغربيين إلى أنهم يُعانون منه بتسارع لا يملكـون إبطـاءه الا بالرجـوع الى كتاب الله/ دليل الخلق ( Manual) (9/الإسراء) .

 

إذ ما تكون علامتهم بعد قليل على مؤهل الصلاحية الإنسانية للإعمار مع تفشي الجريمةِ واللصوصية والمسكرات والمخدرات والبغاء والمجاهرة فيه ، والاغتصاب والشذوذ وفنون الفساد بالجملة وتيهِهِم بالتضليل وبوسائل الدمار الشامل و بالقنابل النيوترونية التي تُفني البشر وتُبقي على الحجر!!

هذا إضافة إلى الظلم الاقتصادي بنظامه الربوي المقيت الذي يطحن ملايين الناس عندهم في بلادهم وخارج بلادهم ممن يُعتبرون مسئولين عنهم :

ليست أزمة عابرة فقد تصدع الإناء

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=107&cat=6

 (6)

قَدَرُ/قانونُ التغييرِ العام

بعد هذه البشائر للمسلمين المؤمنين ( على قلَّتهم ) الممسّكين بكتاب الله العظيمِ المؤمنين بإمكانية التغيير ، يأتي السؤال : كيف يكون تغيير الأوضاع وما هو دور الأفراد ؟ الجواب بايجاز وبساطة هو في نص قانون وقَدَر التغيير العام ، كما قرره الله سبحانه وهو المغيِّر الذي لا يتغير ، ولكنه *[ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ] . استمعوا إليه سبحانه :

*[ .. إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ …(11) ] الرعد .

ما بقوم :  أي أوضاعَهم الاقتصاديةَ والسياسيةَ والعسكريةَ والأمنيّةَ وكونَهم خدما وعبيدا أو احراراً وسادة . وقد نسب الله سبحانه تغيير ( ما بقوم ) من أوضاع .. نَسَبه الى نفسه وقرر أنه هو المسؤول مباشرة عن ذلك بقولِه *[ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ] وقولِه في سورة التغيير نفسها :

*[.. وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {41} ] الرعد .

بدأ خلْق البشر بالرجل وبه يبدأ الإصلاح      

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=237&cat=3

 

وقد ربط الله سبحانه تغيير ما بقومٍ/رجالٍ من أوضاع .. ربَطه بنفسه لِتَعقُّدِ هذا التغييرِ وتشابُكِ خيوطه وعدمِ وقوعه ضمن قدرة فرد أو أفراد أو حتى جيل او اجيال من الناس لأنه بالنسبة إلى كل هؤلاء أمْر خارجي تمتد خيوطه وتتشابك أبعدَ مِن قدراتهم وأعمارِهم . لهذا كان الإطِّلاعُ على ما أسرَّ كل إنسان وما جهر به سواءٌ مستخفيا بالليل أو ساربا بالنهار، وتعقُّبُ المصلحين هداةِ الحق وعلى رأسهم الرسل الكرام بجندٍ لله تحفظهمكان كل ذلك وأكثرُ منه ضِمْن سلطان الله العظيمِ ومربوطا بآية التغيير نفسها ، لتطمئن قلوب المتفكرين إلى أن التعجيل بموت الناس أو إطالة أعمارهم من أجل إحداث التغيير لا يتأثر بأماني المتعجِّلين والمتذمرين ، فإنَّ قبْلَ الغيث ومعه برْقاً وسحاباً ورعداً وصواعقَ … (12-13) الرعد :

*[ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ {7}  اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ : إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَال ٍ(11) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَـرْقَ خَـوْفًا وَطَـمَعًا وَيُنْشِئُ السـَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) ] الرعد .

 

ما بأنفسهم : ما بداخلهم من عقيدة وأفكار ومفاهيم وقناعات هي أساس سلوكهم وتصرفاتهم . ولأن هذه الأمورَ داخليةٌ بالنسبة للفرد وتقع ضمن سُلطانه على نفسه وضمن قدرته ، فقد جعل الخالق العظيم مسئوليةَ تغييرها عليه ككل شأن داخلي هو أهون وأيسر عند معالجته والتعامل معه والتأثير فيه من الشؤون الخارجية .

لهذا جعلها الله سبحانه حصة الناس من التغيير التي إذا تحققت حقق الله سبحانه نصيبه من تغيير الأوضاع . وهذا واضح من قوله سبحانه *[ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ] فقد اكتفى سبحانه بإسناد مسؤولية التغيير الداخلي لما في الانفس إلى الأفراد كشرط ، ولم يُكلِّفهم عناءَ إرهاقِ أنفسهم فيما لا يُطيقون مِن كيفية تغيير الأوضاع. وإذا عجب ثوري متعجل من هذا الكلام ولم يستطع إدراك مفهوم آية التغيير، فليرجع إلى تعليمات وأوامر العليم الخبير إلى رسوله الكريم في العهد المكيّ :

*[ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ(40) ] الرعد

*****

في هذه الآية الكريمة من سورة الرعد نفسها التي تضمنت آية التغيير ، يقول الله سبحانه مذكِّراً رسولَه أنَّ عليه أن يُبلِّغ الناس ما أَنزل الله اليه ءاياتٍ قرءانيةً اوّلاً، ثم يُعلّمهم كيف يُغيِّرون ما بأنفسهم – بحسن التطبيق منه أي بالحكمة، والموعظة الحسنة وهي الكلمة الطيبة من كتاب الله . فإن كان جدالٌ فبالكلمة التي هي أحسن من الموعظة الحسنة وهي الكلمة من القرآن الكريم المناسبةُ للواقع . أما حساب النتائج فليس عليه ولا عليهم بل هو على العليم القدير .

 

والمسلمون – أفراداً وجماعاتٍ - بحاجة إلى فَهْم هذا المفهوم وتذكُّرِه على الدوام ، حتى لا يَضِلّوا ولا يُجَرّوا إلى فخِّ الاستعجال الذي حذر الخالق العظيم منه حتى رسولَه الكريم المؤيَّد بروح منه . فاستمعوا وتدبروا واعتبروا :

*[ .. لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {49} ] يونس .

*[ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) ] الروم .

 

فحتى لو كانت المُدخلاتُ أي الأسبابُ مدخلاتِ صدْقٍ – ولا يبدو ذلك كذلك بالنسبة للمسلمين التراثيين منذ قرون وحتى اليوم - فإن الذين يستخفّون الدعاة المسلمين ويدفعونهم إلى الخِفَّة والعجلة ومحاولةِ قطف ثمرة لم تنضج بعد - ولا يعلم وقت نُضجها إلا الذي عنده وحْده علْمُ الساعة أي علمٌ بما يحدث في الكون كله حتى آخر لحظة ليكون تدبيرُه سبحانه حسْب آخِرِ المستجدات والمُعطيات - فالذين يستخفّون الدعاةَ المسلمين لسبب أو لآخر لا يوقنون ، إذ أنّ مواقفهم ونصائحهم مبنيةٌ على الظن الذي لا يُغني من الحق شيئا :

*[ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ… (35) ] الأحقاف .

*[ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا(84) ] مريم .

بل استمعوا إلى هذا العتاب القاسي للنبي الامين – مع منزلته عند ربه - على استعجاله النتائجَ :

*[ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ (35) ] الأنعام .

 

(7)

كلُّ شرائعِ الله سبحانه في وقْتِها إسلام

 لكي تكتمل الصورة في الأذهان *[ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ] لا بد أن نعلم أن كل شرائع الله سبحانه في وقتها إسلام . ولكن شرْعَ الله سبحانه بوصفه روح النفوس وغذاءَها يُشبه غذاء الأبدان مِن حيث أنَّ لكليْهما تاريخَ انتهاء صلاحية (Expiry Date) :

*[ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً {48} ] المائدة .

مفهوم الشَّريعة و مفهوم الشِرْعة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=333&cat=4

فلكلٍ منكم جعلنا شرعة نظريةً ومنهاجاً تطبيقياً هما منكم أي من واقعكم  . وقد جعل الله عز وجل تاريخ انتهاء الشِّرعة فيما مضى متزامنا مع نزول طبعة جديدة من شرائع الله تعالى ، ليُهيمن المنهاجُ الجديد على المنهاج القديم كما يحدث في المؤسسات التعليمية حتى لو اتفق الجديد مع القديم في أمور . استمع إلى قول الحق سبحانه :

*[ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) ] آلعمران .

 

فحتى النبيون - وكل البشر من باب أولى- يجب عليهم أن يُؤمنوا ويعملوا بأحدث رسالة جاء بها رسولٌ اياتٍ نصِّيةً منزلةً من السماء . وأحدثُ رسالات الله سبحانه هي القرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه على رسوله الأمين مصدِّقا لما قبله جملةً ، وناسخا لكثير من تفصيلاته بخير منها ، ومحتويا على كل ما ينفع الناس في كل واقع بحيث مَن آمن به فقد آمن *[ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ {119} ] آلعمران ، All-in-one :

الوصايا العشر عند أهل الكتابين

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=33&cat=5

 بل ان أيَّ نبي اذا جعله الله سبحانه رسولا ( والرسول أرقى درجةً من النبي ) مأمورٌ انْ يتَّبع الرسول بما يُنَزّل عليه آياتٍ بيّنات . لذلك امر الله سبحانه رسوله محمداً والذين امنوا ان يتبعوا ما نُزِّل على الرسول قرآنا بشأن القِبلة وأن يتركوا ما جاء به النبي قبل ذلك بشأن القِبلة الاولى ، وجَعلَ ذلك امتحانا كبيرا للمؤمنين في كل أمر ، نجح فيه الاوَّلون ورسب مَن بعدَهم ولايزالون :

مفهوم الوسطية القرءاني  يتحقق باتباع الرسول/القرآن

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=17&cat=3

كان الله سبحانه قد أنذر آدم وذريته منذ أن قضى بإخراجه وزوجِه من الجنة … أنذرهم إذا تعدَّوا حدود الله تعالى ، ولم يلتزموا بخُطته وتعليماته ، كما تحذر الشركةُ الصانعة مَن يشتري جهازها من أمور إذا فعلها أُلغيت ضمانة الشركة له ، لأنه سيتعرض للعطب وعُسر الاستعمال :

*[ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هـُدَايَ فَلَا يَـضِلُّ وَلَـا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) ] طه .

وقد سَمى الله سبحانه تلك التعليمات بئاياتها النَّصية التي ضمَّنها نظام العلاقات الإنسانية فأنزلها على رسله ليبلغوها .. سمّاها (الإسلام) ، لأن ما يميزه عن كل الأنظمة الأخرى أنّ مَن يأخذ به (يُسْلم) أمْرَه في موضوع العلاقات الإنسانية لخالقه رب عمله . كان ذلك واضحا منذ نوح وأبينا إبراهيم الذي [ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ] . استمعوا :

 

*[ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدْ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ(130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ(133) تِِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ  (134) ] البقرة .

 (8)

ويؤكد الله سبحانه أن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ، إذ لم تُنزل التوراة والإنجيل إلا من بعده ، بـل كان* [ حَنِيفاً مُّسْلِماً {67} ] آلعمران ، وأنه هو الذي سمى المؤمنين بالله مسلمين :

*[ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ .. {78} ] الحج .

مع ان نوحاً مِن قبْله أُمر ان يكون من المسلمين ( 72/يونس ) .

وكان لوط عليه السلام من المسلمين :

*[ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (36) ] الذاريات .

وكان معلوما أن بني إسرائيل أيام موسى كانوا مسلمين . لذلك اختارهم الله سبحانه *[ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ] طالما ظلوا كذلك :

*[ وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) ] يونس .

عرف ذلك حتى فرعون فأعلن والبحر يبتلعه :

*[ .. لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) ] يونس .

فلم يقلْ : وأنا من بني إسرائيل لعلمه استحالة ذلك حتى لو أراد ، وما كان لينفعه .

وقد كانت الدولة التي أقامها أنبياءُ بني إسرائيل (دولة إسلامية) . عرف ذلك أنبياؤهم وبعضُ ملوكهم الذين دعوا الناس إلى الإسلام . فقد دعا النبيُ سليمانُ عليه السلام ملكةَ سبأ إلى الإسلام :

*[ قَالَتْ يَاأَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) [ النمل .

الدين السماوي واحد لا أديانا 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=22&cat=3                     

 

وما أحوجنا أن نتدبر قصة سليمان مع ملِكة سبأ كما وردت في القرآن الكريم :

فقد رغِبت أن تمتحنه بالمادة أوَّلا لتعلم إن كان مرتزقا أو طامعا يمكن شراؤه وإسكاته . فلما رأت أنه قد غضب وأعاد الهدية علمت أنه صاحبُ مبدأ وأمانة فقررت الذهاب إليه لترى إن كان أولئك المسلمون متخلِّفين ، أم ذوي كفاءة وحضارة . ويبدو أنها ظنتهم متخلفين . ولإزالة ذلك الوهم :

*[ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) ] النمل .

فقد أراد سليمان أن يُظهر لها علوَّ كعب المسلمين وصلاحيتَهم المادية لعمارة الأرض إضافةً إلى كونهم مسلمين امتلكوا الصلاحية الإنسانية ، لهذا قال في نفسه :

*[.. وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) ] النمل .

وقد أدركت مفهومَ الإسلام ولذلك لم تُسلمْ لسليمان بل شاركته الإسلام لله رب العالمين .

 

وكان عيسى عليه السلام مسلماً يدعو الناس إلى الإسلام . استمعوا :

*[ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) ] آلعمران .

وقولُهم *[ أَنْصَارُ اللَّهِ ] أصْلٌ في عقيدة المسلم يجعله يرتبط بالله أوَّلا بغضّ النظر عمن يطلب الله سبحانه منه نصرته من البشر . وقد أمر الله المؤمنين أن يتأسَّوا بالحواريين في هذا الموقف الرائع فقال لهم :

*[ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ …(14) ] الصف .

كونوا أنصار الله : مفهومها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=155&cat=3

 

وليس عجيبا أن تُختتم بهذه الآية سورةُ الصف لتُذكّر المتكلمين عن وحدة الصف بالطريق إليها . من هنا أخذ أبو بكر الصدّيق قولَه :

(مَن كان يعبد محمدا فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت) .

بهذا النص وذاك الفهْم تقرَّر نظامُ المؤسسات والعمل المُؤَسسي في الدين الحق بدون شخصنة للدين حتى لو كان الأشخاص انبياء !

نداء إلى رجال الكهنوت من  قبل فوات الأوان

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=124&cat=6

 

من ذلك نرى أنّ دينَ الله العظيمَ وهو كتابه الذي ضمّنه نظامه الحياتيّ الذي أمَر الناسَ أن يلتزموا به في علاقاتهم الإنسانية .. هو الإسلام . وهو دين واحد مذ نزل من عند الله دين ، لكن بطبعات متتالية راعت كلُّ طبعة منه مستوى المخاطَبين وظروفَهم :

 

حتى إذا بلغت الإنسانية مستوى معينا من النضج نزلت الطبعة الآخِرة من دين الله العظيم قرآنا كريما على رسولِ الله محمد خاتمِ النبيين  ليحفظ فيه الله سبحانه كلمات آياته نقيةً خالصةً كما أنزلها على رسوله الأمين . وقد صاغها سبحانه صياغةً معجزة ليس كمِثلها صياغةٌ ولا معجزة ، كما أنّ اللهَ مُنزلها سبحانه *[ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {11} ] الشورى ، لتأخذ منها الأجيال إلى يوم الدين ما يصلح لها ويُصلحها ، كلٌّ حسْب حاجته ومستواه ودرجة فهمه وعصره . بهذا كان القرآن الكريم بنياناً ثابتاً معجزاً لا يتغير *] تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ [ يتغير .

(9)

فمن تمسك بالطبعات التي انتهت صلاحيتُها في سنة 632/ ميلادية بإكمال نزول القرآن الكريم ، وأصرَّ على العمل بالمناهج القديمة التي تضمَّنها كتابُ ( التوراة والإنجيل ) ، لم يُقبل منه ذلك ، حتى لو لم تكن تلك المناهج بما دوّنت فيه من كتب محرفَّة أو مزيدا عليها ، فكيف وهي على ما هي عليه من الترجمات والتحريفات والإضافات بعد أن استحفظها الله سبحانه الربانيين والأحبار وهم بشر بدلا من أن يحفظها بنفسه كما وعد بحفظ القرآن الكريم .. فحَفِظه فعلا كما أثبتنا في هذه الأبحاث .

علماً ان الله سبحانه قد ضمَّن ما علم انه خيرٌ للعالمين من التوراة والانجيل وغيرهما مما أَنزل على رسله الكرام وبثّه في القرآن الكريم الذي وصفه الله سبحانه *[ بِالْكِتَـابِ كُلِّهِ {119} ] آلعمران . وفي هذا يقول رسول الله متحديا مَن لا يعرف ذلك :

*[ .. قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ، هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضـُونَ       {24} ] الانبياء :

ما ينفع الناس من وحي النبوات موثق في القرآن     

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=46&cat=5

 

وأسوأ من المتمسكين بمناهجَ قديمةٍ انتهت صلاحيتها هم اولئك الذين يُصرون على اتِّباع اسفارٍ وكتبٍ جمعها البشر ونسخوها فكانت متناقضة كثيرة الإختلاف في وقتها فكيف بعد قرون بينما كتابُ الله العظيمُ مهجور تتحقق بهَجره شكوى رسول الله مقدَّما ، ليُقرأ على الأموات ويُتخذ من آياته تمائم وحُجُبا :

*[ وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) ] الفرقان .

وقولُه (قومي) وليس (الناس) أو (أُمتي) مثلا : اشارةٌ  إلى مسؤولية العرب من المسلمين خاصة ، لأنه بلسان عربي مبين نزل ولا يزال ، وينبغي ان يكونوا الأقدرَ على تدبره وفهمه للإيمان به وتطبيقه !

 

وعلى مَن لم يؤمن بعدم جدوى الشرائع القديمة قبل القرآن الكريم بمرجعياتها التقليدية أن يتصور طلابا يُقدّمون امتحاناتهم حسْب مناهج قديمة ، بينما السلطة التعليمية التي تمنح الشهادات المعترف بها قد ألغت تلك المناهج واستبدلت بها منهاجا جديدا ضمّنتْه كل ما في المناهج القديمة من خير وجعلته أساسَ التعليم والدراسة والامتحانات ، وبموجبه يكون النجاح والرسوب :

*[ وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) ] الجاثية .

فستحاسب كلُّ أمة بموجب كتاب واحد لها يتقرر حسْب فهمِه والعملِ به النجاحُ والرسوبُ :

*[ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً

فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {85} ] آلعمران .

 

*[ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ {181} وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {182}‏ ]

 

مدرسة الربّانيّـين

خطاب إسلامي رباني قرءاني عصري

يجمع بين أصالةِ النص القرآني الثابت .. والتجديدِ في فهمه وتطبيقه

 

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس – *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين



 
 
ما ينشر في هذا الموقع ( ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) ( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ) وليس حقا لفرد أو أفراد
2008