5/2/2024
 
 

بحث في الموقع

 
 

 مواضيع مختــارة

 

      

 

     

2/22/2012 5:39:00 PM

عدد القراءات: 12770
عدد التعليقات: 15




11/16/2011 4:08:00 PM

عدد القراءات: 12334
عدد التعليقات: 9


8/27/2010 12:22:00 PM

عدد القراءات: 43742
عدد التعليقات: 1212


8/22/2010 11:38:00 AM

عدد القراءات: 13884
عدد التعليقات: 3





7/26/2010 7:06:00 PM

عدد القراءات: 15021
عدد التعليقات: 4





4/27/2010 1:11:00 AM

عدد القراءات: 14698
عدد التعليقات: 22



     

 

  

  

 
 
 

 

 

أبحــــاث

إقامة الصلاة كما بيَّنها اللهُ سبحانه في كتابه العظيم

8/2/2010 12:54:00 PM

عدد المشاهدات:12475  عدد التعليقات: 17
8/2/2010 12:54:00 PM

محمد راجح يوسف دويكات

 

 

  إقامة الصلاة كما بيَّنها اللهُ سبحانه في كتابِه العظيم 

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين

*[... فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ

فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110} ‏] الكهف

اوَّلاً

مفهومُ إقامتها ، ومواقيتُها

وعلاقتُها بالعملِ ومشكلاتِه من كتاب الله

(1)

مفهومُ إقامة الصلاة

يُؤخذ مفهوم إقامة الصلاة من قوله سبحانه :

*[ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ(1) (45) الّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ (2) مُلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ (3)  إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) ] البقرة .

فالصلاة هي لقاء مع رب العالمين بكل ما تعني كلمة لقاء ، فإذا أفلح المصلي في إقامتها (أيْ ادائها حسب ما امر الله لتكون كالبنيان القائم ديمومةً وسكنا ( والخشوع فيها (كلِّها)[1] كانت ملاقـاةً (بصيغة المفاعلة مبادلةً ومشاركة) . وهي بهذا تـشبه [ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ] لقاءات الناس مع المسئولين .

فكما لا يحقق اللقاء مع مسئول من البشر الهدف منه إذا لم يكن المبادرُ إلى اللقاء جادا تدل هيئته وكلامه واشاراته الرمزية على احترام مَن يلاقيه ( وإلا فإن المسئول يُنهي اللقاء وقد لا يحضره أصلا ) .. كذلك لا تتحقق ملاقاة رب العالمين (لقاءً متبادلاً) في الصلاة إلا بشروط أهمها الخشوع . ولا يتحقق الخشوع مالم يدرك المصلي هذا المفهوم للصلاة  ومفهومَ الخشوع . لذلك يتهيب العقلاء إيذاء مقيمي الصلاة الذين يدركون مفهومها لأنهم يخشون شكواهم لربهم عندما يلاقونه في الصلاة . والى هذا أشار نوح عليه السلام :

* [ .. وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْـهَلُونَ {29} ] هود . فكيف يطردهم عبدٌ لله سبحانه اذا كان ربه وربهم يلاقيهم متى شاءوا ويتقبل منهم دعاءَهم وشكواهم!

(2)

مظاهرُ ومفهومُ الخشوع

أ. * [ وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) ] فُصلت  .

 خاشعة = هامدة 5/الحج .

فمن مظاهر الخشوع قلـةُ الحركة بـل السكون الـتام بخفض الجناح *[ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ {24} ] الإسراء ، أو بضمه إلى الجسد رهبة لله تعـالى *[ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ {32} ]  القصص .

ب. *[ وَخَشَعَتِ الْأصوَاتُ للرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) ] طه .

فمن مظاهر الخشوع انخفاض الصوت حتى يكون همساً . لهذا جاء أمر الله :

*[ .. وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) ] الإسراء .

*[ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إنَّ رَحْمَت اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ(56) ] الأعراف ، فرفع الصوت جهراً بالدعاء اعتداءٌ .. فكيف بالسماعات !؟

المجاهرة والمخافتة وما بينهما في الصلاة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=180&cat=3

ج. *[ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلـَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَـشْتَرُونَ بِأيَاتِ اللَّهِ ثَـمَنًا قَلِيلًا …(199) ]ءال عمران .

 أي خاضعين لآيات الله ، لا يستبدلون بها أي كلام طلبا لمنفعة :

*[ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ {4} ] الشعراء .

ورأس الخشوع لله سبحانه بل مفهومه هو الإيمان بما أنزل الله فقط لأنه مع اتِّباع ما أنزل الله يتمثل الخضوع لله بلا تردد ، وهذا هو الخشوع . ويقتضي هذا عدم استبدال أيِّ كلام بآيات الله المنزلة ، يمكن أن يجر منفعة تافهة ، لأن الذي يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير مشكوك في سلامة تفكيره .

*****

وفي من يشترون بآيات الله ثمنا قليلا يقول الله سبحانه :

*[ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتـَرُونَ (187) ] ءال عـمران .

فقد نبـذوا كتاب الله واتَّبـعوا غيره من افتراءات البشر وأحاديثهم مما يسّر لـهم الشيطانُ تزويره بدلا منـه . اشتروا به : أخذوا بدلا منه :

*[ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي ، مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {153} ] الأنعام .

ثم بيّن الصراط المستقيم وأنذر الذين يكتمون بيانه ويستبدلون به لهْوَ الحديث :

*[ وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {155} ] الأنعام .

*[ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بعِيدٍ (176) ] البقرة .

*[ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) ] لقمان .

بغير علم : مِن مثاني الكتاب . فإن لهو الحديث الذي يُضل به عن سبيل الله ليس عِلماً . كما أن بعض مَن يفعلون ذلك يُضِلون عن سبيل الله وهم لا يعلمون ، بل  ويحسبون أنهم يحسنون صُنعا ، ولا عذر لهم . لأنهم بلهْو الحديث يصرفون الناس عن ءايات الله تعالى ، وكفى به إثماً مبيناً .

*****

من هنا كانت الصلاة ثقيلة على نفس المصلي إذا لم يتوقع ملاقاةَ ربه له واهتمامَه به . أما إذا عرف مفهوم الصلاة وخشع فيها فلم تَكثر حركاته بل قام قانتا لله سبحانه باحترامٍ وإصغاءٍ يدلان على اهتمامه باللقاء وتوقعه التكريمَ والاستجابةَ من ربه الذي يلاقيه في كل صلاته… فإذا عرف ذلك كانت الصلاة محببة إلى نفسه يدخلها منشرح الصدر ويخرج منها مطمئن النفس راضياً بحيث يظل على صلة بربه متأثراً بذلك اللقاء حتى موعدِ الصلاة التالية ، محققاً بذلك قول الله سبحانه :

*[ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَوةَ إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْـبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْـنَعُونَ (45) ] العنكبوت .

(3)

مفاهيمُ لقاءِ ربِّ العالمين والرجوعِ إليه

إذا كان لقاء رب العالمين في الحياة الدنيا (فإذا صاحبه الخشوع كان ملاقاةً) إنما يكون في الصلاة تحديداً ، فإن الرجوع إلى رب العالمين يكون بعد الموت وقبل الرجوع إلى الله سبحانه يوم القيامة بالبعث :

*[ يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَـنَّتِي (30) ] الفجر .

*[ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) ] المؤمنون .

 

فهؤلاء المؤمنون – كما وصفهم ربهم في سورة (المؤمنون) - يسارعون في عمل الخيرات مبادرين ، لأنهم يخشون في كل وقت أن يُعاجلَهم الموتُ فيرجعوا إلى ربهم قبل أن يعملوا الخير ، لهذا يسارعون إلى العمل الصالح دون تأجيل خشية الموت قبله . ولهذا يوجز المؤمن المفلح يوم القيامة سببَ فلاحه بأنه كان دائما يتوقع/يظن أنه قد يموت في أيّة لحظة فيرجع إلى ربه ثم إلى الله يوم القيامة ليحاسب .. فاستقام عمله واستحق العيشة الراضية حين لم يؤجل عمل اليوم من الخير الى الغد خشية انْ لا يعيش الى الغد :

*[ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) ] الحاقة .

من هنا جاء قول بعض الأقدمين : اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ! والعبارة الأولى صحيحة أما الثانية فالأصح أن تكون : واعمل في عمارة الأرض ونفع الناس كأنك تعيش أبداً ، لأنك بهذا تعمل لدنياك وآخرتك :  

*[ .. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ {17} ] الرعد .

*****

ولأن مُلاقاة رب العالمين في الدنيا انما تكون في الصلاة إذا صاحبها الخشوع ، فإن الدعاء يفتتح بقول الداعي [ ربِّ ، ربَّنا ] كما تكرر ذلك في كتاب الله تعالى أكثر مِن مئة مرة . ولم يَرد دعاء مفتتح بالله في الدنيا إلا مرتين : مرةً حينما طلب عيسى عليه السلام (وهو رسول لله) مائدة من السماء - وهو أمر جلل – فقال : [ اللهمَّ ربَّنا ] ، ومرةً على لسان كفار مكة [ اللهمَّ ] ، لأنهم لم يعترفوا أن الله سبحانه هو ربهم مع اعترافهم أنه خلقهم (87/الزخرف) .

فمراحل اللقاء والرجوع هي :

(1) لقاء الرب في الصلاة ،

(2) والرجوع إليه إثْر الموت ،

(3) ثم الرجوع إلى الله بالبعث ،

(4) ثم العرض على ربهم ليلقاهم :

فمنهم من يُحاسَبون عنده ، ومنهم مَن يُحوّلون الى الله نفسه ليوفيهم اجـرهم بغير حسـاب ، أو يلقاهم الله لمحاسبتهم بوزْن أعمالهم ، اذ لا يقدر على ذلك سواه .. لا يوكل أحدا إلاّ في حساب المحكومِ سلفاً الذي يدعو مع الله الها اخر لا برهان له به [ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ {117} ] المؤمنون ، إذ لا داعيَ لأنْ يلقاه الله وقد حُكم مُقَدَّماً بالمادة 48/النساء :

*[ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً      {48} ] النساء .

(4)

الخشوع في الصلاة

يتحقق خشوع المصلي في الصلاة بأمرين :

أ. إذا أدرك المصلي مفهومَ الصلاة بأنها فرصة لقاء العبد بربه ليكون بين يديه مُنيبا إليه (كما فهِم ذلك بعض الأقدمين) يخاطبه بفاتحة الكتاب يختارها خطابا منه لربه ( لذلك لا يَبدؤها بالبسملة ) خطابا جامعا مُحكما : فيها حمْدٌ لله سبحانه وتعظيم وإقرار بأن الله سبحانه هو رب العالمين ، الرحمنُ الرحيم ، وأن العبد المصلي لا يعبد سواه ولا يستعين بغيره ، وأن أهم طلب يتقدم به إليه سبحانه بعد الاستعانة به هو أن يهديه الصراط المستقيم .

 وككل لقاء ناجح لا بـد فيه مـن طرفين يتحاوران ، فـإنَّ ردَّ الله سبحانه على عبـده [ إذا صلى ] يكون مما أشار إليه سبحانه عقِب فاتحة الكتاب مباشرة في مطلع سورة البقرة :

*[ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ] .

فمَن طلب عون الله سبحانه وهدايته إلى الصراط المستقيم فلْيلتمس هذا في ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ليكون مِن المتقين . لذلك يختار المصلي ما تيسر له من ءايات الكتاب يتلوها على نفسه باسم الله تعالى (أي نيابة عنه) ليـكون ردَّ الله سبحانه عليـه  فيفتتحه بالاستعاذة والبسملة ) :

*[ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {98} ] النحل .

لهذا يُتْبِعُ المصلي خطابه لربه سبحانه وردَّ ربه عليه بالركوع انحناءً ( في إشارة يعرفها البشر ترمز إلى التعظيم والخضوع ) ، وبالسجود ( في إشارة ترمز إلى الاعتراف بفضل ربه عليه) . لذلك كان لا بـد أن يتلو المصلي ءاياتٍ من [ ذَلِكَ الْكِتَاب ] لتكون ردَّ ربه عليه في كل مرة يقرأ الفاتحة يخاطب بها الله رب العالمين .

*****

ولأن المصلي لا يستطيع أن يَضمن خشوعه الذي هو شرطُ ملاقاة ربه له ، فإنه يظن ويأمل أن يتم اللقاء فيكون ملاقاة ، ولكنه لا يستطيع الجزم بذلك يقينا . لهذا يقول سبحانه :

*[ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) ] البقرة .

وليس هذا الظن – كما توهم بعضهم - هو الإيمان باليوم الآخر ظناً ، فإن الإيمان لا يُقبل فيه الظن الذي لا ينفع الكافرين بشهادة الله سبحانه عليهم في كتابه الذي ينطق عليهم بالحق :

*[ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) ] الجاثية .

فالظن عند وجود الحق لا يغني من الحق (بدلا منه) شيئا ، سواء في الإيمان النظري أو في الإتباع  العملي :

*[ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْأ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) ] يونس .

ب . أما الأمر الثاني الذي يزيد خشوعَ العبد المصلي فهو ظنه - إذ لا يمكن الجزم بذلك يقينا في أي وقت - أنه قد يموت في الصلاة أو عقِبها *[ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ] ، وأنها قد تكون آخِر فرصة له ليلاقي ربه قبل الرجوع اليه منيبا إليه عابدا فائزا برضاه . أدرك بعض الأقدمين هذا المفهوم فقالوا : صلوا صلاةَ مودِّع !

(5)

العبوديةُ لله وحْده

إذا قام المؤمن إلى الصلاة منيبا إلى الله ربه ( كما ينيب العبد الآبق إلى سيده) ، آملا في ملاقاته ، يخشى أن يموت ويرجع اليه قبل أن يرضى عنه ، كان عبدا لله ربِّه لا اجتهاد له ، فهو *[ َلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً {110}‏ ] الكهف ، طالما كان في الصلاة[2].

وهو شرف لم يعطِه الله سبحانه إلاّ (1) للرسل حين يُنزِّل عليهم ءاياته[3] ويأمرهم بتبليغها بأمانة مطلقة وخضوع تام لله رب العالمين ، كما أعطى الله سبحانه هذا الفضل (2) للنبيين الأوّابين[4] إلى الله ربهم كلما أذنبوا ، ولكل (3) مؤمن وقتَ إنابته[5] إلى الله ربه عز وجل . ومن ذلك الإنابة في صلاة فيها خشوع يكون المصلي بسببهما   *[ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ] .

وفيما عدا ذلك لا يكون الإنسان عبداً لله ولا لربه ولا يُطلب منه ذلك إذ أنه مخلوق مخيَّر في كثير من عمله :

حقيقة القضاء والقدر من كتاب الله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=96&cat=5

وإنما يُطلب منه أن يكون عابداً مجتهداً يُنيب إذا عصى ، فيكون عبداً لله ربِّه وقت الإنابة مستغفراً إذا أخطأ ، وحامدا إذا أصاب  . أما العبد فلا يجتهد رأيه إذ أنه عبد مأمور :

*[ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّـوَّابُ الرَّحِـيم ُ(104) ] التوبة .

 (6)

الإشارةُ والحركةُ رمزاً لمفاهيمَ في الصلاة

إذا أدركنا هذا المفهوم للصلاة ، وأن الخشوع (الذي تذهب به كثرةُ الحركة والإشارات) هو شرط كونِها ملاقاةً لرب العالمين .. علمنا لماذا لم تذكر في كتاب الله تعالى (ركعة ولا ركعات) ولا (سجدة ولا سجدات) لا بالإفراد ولا بالجمع . وإنما أمر الله سبحانه بالركوع والسجود وامتدح الراكعين الساجدين والركَّعَّ السجود َ. ذلك أن الركوع والسجود هما إشارتان حركيتان رمزيتان ترمزان إلى مفاهيم لدعم واختصار المفاهيم التي تؤديها الكلمات – كما يفعل الناس مع بعضهم بعضاً - ولكن الكلمات هي الأسلوب الأهم بكثير لنقل المعاني والمفاهيم في الحوار وليس الإشارات والرموز التي هي تعبيرات ثانوية . نفهم هذا من قول الله سبحانه :

*[ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ .. (45) ] العنكبوت .

أيْ أن تلاوة القرءان فيها ( ومن الكتاب ) للتعبير عن المعاني أهم وأكبر من الإشارات والرموز بما فيها الركوع والسجود . وبذلك يتبين خطأ الذين يظنون أن درجة إقامة الصلاة تقررها كثرة الركوع ( والركعات ) وكثرة السجود ( والسجدات) وعددها . كما يتبين لماذا لم يشر الله سبحانه إلى عدد معين من ركعات أو سجدات وهو القائل سبحانه :

*[ وَلَقَدْ جِئْنَاهـُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هـُدًى وَرَحْمَةً لِـقَوْمٍ يُـؤْمِنُونَ (52) ] الأعراف ، وأن الكـتاب [.. وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(37) ] يونس .

فلم يترك اللهُ لأحد لا للنبي ولا لغيره أن يُفصل كتابه[6] ، فقد أنزله مفصلاً :

مفهوم تفصيل الكتاب وبيان آياته

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=125&cat=5

هذا ما يُقرّ ويشهدُ به الرسول نفسه في آية يشير رقمها إلى عدد سور القرءان الكريم وأن القرءان مُفصّل من الله – لا من النبي ولا من غيره . وأن النبي نفسه يحتكم إلى الله سبحانه أي إلى كتابه في كل تفصيل ، وينيب اليه في كل شيء :

*[ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ..!!! (114) ] الأنعام .

لذلك كانت وصيته إلى المؤمنين ، كما وثقها الله سبحانه ، أنْ يُنيبوا الى من كان الرسول النبي نفسه ينيب اليه

*[ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ، ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) ] الشورى .

(7)

مُدة ملاقاة العبد لربه إذا صلّى مفتوحةٌ

لقد ترك الله سبحانه للعبد المصلي نفسِه أنْ يحدد مدَّة ملاقاته لربه في الصلاة ، خلافا لما يفعله البشر مع بعضهم بعضاً من تحديد المواعيد وتحديد فترات المقابلات . فطالما كان العبد راغباً في ملاقاة ربه بخشوع لا يشغله ذلك عن واجب ءاخر فسيجد ربه سبحانه معه أينما كان ، ومتى أراد[7].

وإنّ تخصيص رب العالمين لأوقات ( 3- 5 ) كَتب/فرض فيها على المؤمن أن يلقاه فيها لا يعني أن العبد المنيب إلى الله تعالى لا يستطيع أن يلاقي ربه في غير هذه الأوقات لقاءً يطول أو يقصر حسب طاقة العبد نفسه على الخشوع فيه .. وإنْ كنا نفهم من الإشارات العامة في كتاب الله تعالى أنّ خير خطاب وتكليم وحوار ما كان (طُوىً) كما كلّم الله سبحانه موسى تكليما (12/طه، 16/النازعات) أيْ مثنى[8](46/سبأ) أو شفعا (3/الفجر) . وإن قَصرَ الخطابِ واختصارَه إلى النصف ليكون فرداً أو وَتراً إنما يكون عند الخوف من فتنة الذين كفروا (101/النساء) . وربما فهِمَ بعضُ الأقدمين هذا فقالوا إن الصلاة فرضت (ركعتين) ... ثم زيدت (!!) في الحضر وبقيت في السفر . وسفر القصر المقصود في القرآن هو الذي فيه خوف فقط *[ إن خِفتُمْ أنْ يَفتِنَكم الذين كفروا .. {101} ] النساء .

*****

لقاءُ رب العالمين يكون فردا .. ويكون وفدا

ملاقاة رب العالمين في الصلاة ، كاللقاءات بين البشر ، مع الفارق ، تكون جماعيةً يرأس الجماعةَ أو الوفدَ رئيسٌ ينطق باسمهم :

*[ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) ] مريم ..

ويعرضُ مطالبهم العامة  ولا يخص نفسه . وقد تكون اللقاءات فردية (وأكثرها كذلك) ينطق كل واحد باسم نفـسه ويعرض طلباته الـفردية والعامـة :

*[ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً {95} ] مريم .

 وكذلك ملاقاة رب العالمين في الصلاة : فتكون الصلاة جماعية (كالصلاة الوسطى يوم الجمعة) بوفدٍ ينطق فيها الإمام باسم المصلين ويدعو لهم . من هنا تأتي اهمية اختيار رئيس الوفد او الإمام كما هو حال البشر مع بعضهم بعضا  :

مفهوم الإمام والأئمة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=157&cat=3

 

 الجديد من القرءان والواقع عن صلاة الجمعة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=9&cat=3

وتكون فرديةً يصلي كل واحد ما شاء فيطيل أو يَقصر ويختار من الدعاء ما يشاء . وربما كان الخير في الجمع بين الطريقتين كليهما كما يفعل المسلمون بغض النظر عن التسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان كقولهم (فرض وسُنة) . 

                                              (8)                 

القنوت والركوع والسجود في كتاب الله تعالى

1. القنوت : هو الخضوع للهِ مع الخشوع ( قلة الحركة) :

باستقراء ءايات الله تعالى في القنوت نستخلص أن القنوت هو الخضوع لله مع الخشوع لكلمات الله تعالى وكتُبه (ءاياته) . فقد زكّى الله سبحانه مريم ابنة عمران بقوله :

*[ …وَصَدَّقَتْ بِكَلِمتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقنِتِينَ (12) ] التحريم .

أي الخاضعين لله سبحانه الخاشعين بسبب التصديق بكلمات ربهم وكتبه (ءاياته المنزلة على رسله) ، فتكون طاعتهم لله تعالى تامة بهدوء ، خضوعاً وخشوعاً .

*[ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَقُهُمْ لَهَا خضِعِينَ (4) ] الشعراء ..

فلا يجادلون بعدها ، كما ينبغي لكل مَن يدّعي الإيمان أن يفعل ويقول :

*[  إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ {15} ] السجدة .

*[ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ {285} ] البقرة .

قوله سبحانه :

*[ حفِظُوا عَلَى الصَّلَوَتِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَنِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ  رُكْبَانًا ..] البقرة ..

يعني أن يقوم المؤمنون في الصلاة خاضعين :

*[ خشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بأيتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا {199} ] آل عمران ..

ملتزمين بأيات الله لا يستبدلون بها أي كلام . فالقائم يمكن أن يكون خاشعاً ، أما إذا اضطُر إلى الحركة فإن خشوعه يقل كما هو ملاحظ . وقد عفا الله سبحانه عن الحركة التي تَذهب بالقنوت في حالة الخوف الذي يقتضي أنْ يصلي المؤمنون رجالاً أو رُكباناً .

*****

ويتحقق القنوت خضوعاً وخشوعاً وقلةَ حركةٍ ورهبةً من الله في لقاء العبد لربه في الصلاة حسب قول الله سبحانه :

*[ وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) ] النحل ..

لهذا فإن المؤمن يأخذ بقول رب العالمين لموسى عليه السلام حين لاقاه :

*[ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ {32} ] القصص ، *[ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ {22} ] طه   ومفهوم هذا أن يضم جناحه (ساعده) الأيسر إلى صدره رهبَة من الله وأنْ يضم يده اليمنى إلى جناحه الأيسر أيْ فوقه .

فكلمة ( يد ) تبيّنُها كلمة ( يمين ) في ما تحمل ( 17/طه) ، وما تخـط ( 48/العنكبوت ) ، وما تفعل ( 93/الصافات) ، وما تملك وتنفق ( 50/الأحزاب)  . وهي اليد اليمنى التي يمكن أن تحمل كتاب الله لتتلوه في الصلاة (71/الإسراء) اتّباعاً لأمر الله تعالى :

*[ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتبِ وَأَقِمِ الصَّلوة .. َ{45} ] العنكبوت .

*****

وقد وصف الله سبحانه المؤمنات الصالحات بأنهن قانتات في الآية التي أوصتْ بقوامة الرجال عليهن : فهن خاضعات لأيات الله وءايةِ قَوامة الرجال عليهن . ولأن القنوت خضوع وخشوع فهن لا يُكثرن من الحركة ، إذ الشقاء وكثرة الحركة والمشي في مناكبها هما من نصيب الرجال أصلاً ( 117/طه ) وإنما تقوم النساء ببعض ذلك لحاجة لهن او للمجتمع لا تتم إلا بهن . 

لهذا أمَر اللهُ نساء النبي ونساء عِلية القوم من المسلمين ومَن أحبت أن تتأسى بهن قائلا :

*[ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجهِلِيَّةِ الْأُولَى {33} ] الأحزاب .

إنقاذا للأسرة نواة المجتمع : النساء في كتاب الله     

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=111&cat=5

*****

والتبرج (من البرج) هو الظهور على الناس لغير حاجة تسكُّعاً ، سواء بزينة أو بغيرها . أما القواعد من النساء فأباح ربهن لهن التبرج أي الظهور بغير ثيابهن الخارجية كما اذا ذهبن الى عمل خارج البيت ، لكنه اشترط عليهن عدم التبرج بزينة ( 60/النور) .

*[ فَالصّلِحتُ قنِتَتٌ حفِظتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ {34} ] النساء .

فالصالحات من النساء قانتات لله وءاياته وخاصة آية قوامة الرجال عليهن . لذلك فهن يُطعن رجالهن - كما يطيع كل المرؤوسين في العالم رؤساءَهم طوعا أو كرهاً - ويحفظن ما غاب عنهم ملتزماتٍ بآيات الذكر الذي حفظه الله وليس بافتـراءات البشر على الله ورسوله :

 *[ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ !!! قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ {127} ] النساء .

النساء في كتاب الله . ثانيا : النكاح وأحكام عامة 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=194&cat=5

وقد وعد الله القانتات لله ورسوله ( لكتاب الله) من نساء النبي بأجر مضاعف وحذّرهن بالمقابل من عقاب مضاعف كما هو الحال مع عباد الرحمن ( 69-70) الفرقان :

*[ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ (لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) وَتَعْمَلْ صلِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا(31) ]  الأحزاب .

 هذا القنوت لله ورسوله يُفسره قول الله سبحانه في وصف المؤمنين حقا :

 *[ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا .. (2) ] الأنفال .

فحتى نساءُ النبي أُمرن أن يقنتن (لله ورسوله) أي لأيات الله سبحانه التي أنزلها الله وتلاها رسوله حتى في علاقتهن الزوجية مع النبي . وفي آيات الكتاب أضاف الله سبحانه (النساء والأزواج والبنات) إلى النبي وليس إلى الرسول ولم يأمرهن أن يقنتن للنبي .

وحتى في الطاعة أمرهن كما أمر المؤمنين في كل ءايات الكتاب [ وأطعْنَ اللهَ ورسولَه ] أي فيما أنزل الله عليه قرءانا وبلّغه للناس . لذلك أمرهن أن يذكرن ما يُتلى في بيوتهن (أياً كان من يتلو) من ءايات الله وخص منها (فالعطف للتخصيص) آيات الحكمةِ التطبيقية التي تحتاج إليها النساء أكثر من آيات التشريع النظري :

*[ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) ] الأحزاب .

فلم يأمرهن أن يذكرن الحكمةَ بل آياتِ الحكمةِ كقوله سبحانه *[ حفِظُوا عَلَى الصَّلَوَتِ وَالصَّلَوةِ الْوُسْطَى ] .. فخص الصلاة الوسطى في عطف تخصيصٍ  للخاص على العام .

 

(9)

الركوع رمزُ للإقرار بالذنب والإنابة إلى الله رب العالَمين

لم يُؤمر المسلمون بالركوع - رمزاً لطاعة الله تعالى والخضوع له - لم يُؤمروا به في العهد المكي الذي لم تنزل فيه ءاية واحدة تأمر لا بالركوع ولا حتى بطاعة الله ورسوله ، لأن المؤمنين لم تكن لهم سيادة سياسية في شئونهم تُمكّنهم من الركوع لله تعالى وطاعة الله ورسوله ، وتُعينهم عليها كما لم يكن للرسول نفسِه مثلُ هذه السيادة حتى يأمر المؤمنين فيطيعوا مع ان الله امرهم كما امر النبيَّ معهم باتباع ما انزل الله ، أيْ بتتبع آيات الله دراسة وفهماً استعدادا للوقت الذي سيكون عليهم فيه أن يطبقوا ما درسوه طاعةً لله ورسوله . مِن هنا لم يكن في الصلاة في العهد المكي ركوع بل قيام وقراءة قرءان وسجود. ولم يُذكر الركوع في أيّةِ آية مكية إلا ركوعَ داود عليه السلام :

*[ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {24} ] ص .

  وفي العهد المدني نزلت آيات الركوع (12/آية) وأُمر المؤمنون بالركوع والسجود على الترتيب

*[… وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26) ] الحج .

*[ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ…(77) ] الحج .

*[ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَريهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْونًا…(29) ] الفتح .

فصار الركوع لا ينفك عن السجود في الصلاة . لذلك قال :

*[ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ]  ( رُكَّعًا سُجَّدًا )  وليس ركعا و سجدا .

*****

ويُفهم مفهوم الركوع رمزاً للإنابة إلى الله تعالى بعد الإقرار بالذنب من قوله سبحانه يَحكي عن داود عليه السلام

*[… وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) ] ص ،

كان ذلك بعد ذنب اقترفه اقتضى الركوعَ والإستغفار . ولم يقل : وخر ساجداً ، لأن السجود إقرار بنعمة وفضل فيقتضي الحمْدَ . فقد أسرع بالإنحناء ( خرّ) ، وربما جثا على ركبتيه خضوعاً لله عز جل وإنابةً إليه ، كما تُفهم هيئةٌ للركوع من قوله سبحانه :

*[ يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ(43) ] آل عمران .

فقد جعل الركوع بعد السجود كما يفعل المصلون بعد كل (ركعتين) ، جُثُوّا على الرُّكَب .

*****

ولعلّ موقع الركوع الأصوبَ في الصلاة رمزاً لتعظيم الله سبحانه والخضوعِ والإنابة إليه هو بعد قراءة الفاتحة التي هي خطاب العبد المصلي المنيب إلى الله ربِّه إقراراً كلامياً - قبل الإقرار الرمزي- بأنه سبحانه هو المستحق للحمد ، وأنه الرحمن الرحيم الذي يعفو عن كثير وأنه المستحق للعبادة ، الذي يستعان ويُطلب عونه وهدايته ، وأن العبد المصلي إذ يختار كلمات الله تعالى من الكتاب – فاتحةَ الكتاب - لتكون خطابَه إلى الله ربه ، فإنما يقر بقصور أي كلام سوى كلام الله عز وجلّ عن تحقيق الهدف مِن لقائه ربَّه الذي يرجو أن يرتقي إلى ملاقاة متبادلة . كما أنه يعلن - بالكلمة المتبوعة بالرمز- خضوعهَ لله عز وجل عبْرَ التصديق بكلماته وءاياته وأنه لا يفعل ما يفعله المكذبون بأيات الله تعالى الذين يرفضون الركوع والخضوع لله حسب كلماته في كتابه الكريم :

*[ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) ] المرسلات .

فالمكذبون بالقرءان يرفضون الخضوع له ويخضعون لِما سواه مِن الأحاديث والإفتراءات زاعمين أن بعضه منسوخ نسَختْه وأبطلتْه أحاديثهم أو أنه طلاسم وحمّال وجوه يصعب فهمه والاستدلال به . لهذا أنكر اللهُ عليهم (في استفهام تعجبي استنكاري) أن يُؤمنوا بأيّ حديث بعد القرآن !!

*****

من ءايات الله سبحانه التي يجب أن يخضع لها المؤمنون وينفِّذوها وهم راكعون لله دون كِبر ولا خيلاء … منها تلك التي تأمر بإيتاء الزكاة :

*[ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) ] المائدة .

والصلاة لا تؤدى كلها والمصلي راكع بالرمز وإن كان راكعا بالمفهوم . لهذا كان الركوع هنا - والله سبحانه أعـلم- صفةً للمؤمنين الذين يؤتون الزكاة حـين يُـؤتونها وهم مـنحنون لا مستكبرين ولا منّانين ، فوق أنهم خاضعون لله ، ويُؤتونها حسب كتابه ( 262-264 البقرة ) .

فإذا أُخذت الصلاة والزكاة بالمفهوم العام لكل منهما : نفْعِ الإنسان لنفسه ، ونفعِه لغيره كان مفهوم الركوع هنا مجرد خضوع الانسان لتعليمات ربِّه في كل عمل يعمله سواءٌ نفَع به نفسه او نفع به الناس . إرجع إلى المفهوم العام للصلاة والزكاة من كتاب الله :

الزكاة والصدقات من كتاب الله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=62&cat=5

(10)

السجوُد رمزٌ للإقرار بالفضل

للسجود هيئتان :

أ.                                                                                                            هيئةُ سجودٍ في الصلاة  : وموقعُه مِن بعد الركوع (الذي هو رمز للخضوع لله عز وجل) . ويكون السجود هنا بوضع الجبهة على الأرض إقراراً بفضل الله سبحانه وعبادةً له .

*[ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ..(77) ] الحج .

*[ … سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ …(29) ] الفتح .

وإذا كان السجود إقراراً بالفضل ، فإن أكبر فضل لله سبحانه على العالَمين هو القرءان الكريم الذي لم يَأمر اللهُ سبحانه الناس بالفرح إلا به :

*[ يأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) ] يونس .

الفرح بنصر الله لمن ومتى يكون

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=137&cat=5

بل إن رقم الأية ( 57 ) يشير إلى عدد تكرار كلمة ( قرءان) كتاباً لله في القرءان سوى ( قرءان غير هذا )  التي يصبح العدد بها ( 58 ) . فيكون القرءان خيراً مما يجمعون من كتبٍ غيرِ هذا القرءان . انظر الآيات 52 - 58 من الاعراف وربْطها الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة بالنبات الطيب والنبات الخبيث . فسبحان الله العظيم !

مثل الشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=138&cat=2

*****

وفي نبوءة مشفرة في سورة الإسراء من القرءان الكريم ينبيء الله سبحانه عن أناس أوتوا العلم من قبل الإطلاع على وعود القرءان . فلما أراهم ربُّهم ءاياته وما وعَد به في الأفاق وفي أنفسهم تبين لهم أن القرءان هو الحق فأمنوا به إيمان يقين ، كما سيكون قريبا بإذنه تعالى :

*[ وَقُرْءَانًا فَرَقْنهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ ءَامِنُوا بِهِ : أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحنَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا     (109) ] الإسراء .

 وإذ يذكر الله سبحانه تفصيلات هذا الوعد في مطلع وخواتيم سورة الاسراء :

قراءة عصرية لمطلع الإسراء وخواتيمها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=7&cat=6

 فإنه سبحانه يُنكر على أناس ءاخرين في سورة الانشقاق أنهم سيظلون في ضلالهم بحيث لا يسجدون إذا قُرِىء عليهم القرءان إقراراً بفضل الله وحدَه :

*[ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاليْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءَانُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) ] الإنشقاق .

ولعل هؤلاء وأولئك هم الذين يشير الله سبحانه إليهم في ءايات من سورة لقمان تتطابق في مفهومها وحتى في أرقامها مع ءايات الانشقاق وتُنبيء عن واقع يُسخِّر الله سبحانه للناس فيه ما في السموات وما في الأرض - وليس ما في الأرض فقط ( 65/الحج ) - ومع ذلك سيظل بعض الناس مُصرّين على ما يُصر عليه اليوم كل أو جلّ وعاظ المسلمين من الضِلال :

*[ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجدِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتبٍ مُنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطنُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِير؟؟!! ِ(21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عقِبَةُ الْأُمُورِ (22) ] لقمان .

*****

فإذا كان السجود لله سبحانه على فضله الكبير بالقرءان يحقّ بعد سماع ءايات الله تُقرأ فإن موقع السجود في الصلاة يكون عقب سماع ءايات الله  مِن غير الفاتحة التي هي خطابُ ودعاء المصلّي إلى ربه  يقرؤها المصلي على نفسه أو يقرؤها الإمام نيابة عن الله  ردّا منه سبحانه على خطاب عبده المصلي ، فيسجد المصلي إقراراً منه بفضل الله تعالى على ملاقاته له ورده عليه و مغفرته له وعلى نِعَمه التي رأسها هذا القرءان العظيم الذي لولاه فضلاً من الله ورحمةً ما زكى من أحد من الناس أبداً (21/النور ) .

*[ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ {15} ] السجدة ...

*[ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً {58} ] مريم .

*****

هذه الهيئة من السجود على الأرض لا تكون إلا لله عز وجل :

*[ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خشِعَةً أَبْصرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سلِمُونَ (43) ] القلم .

إذ المألوف أن الساجد بهذه الهيئة يرفع ثوبه أو سرباله فيكشف عن ساقه وهو سالم تسهيلاً للسجود . ولا يفعل ذلك المريض الذي يسجد انحناءً (وهو معذور) . أما الذين لم يألفوا السجود في الدنيا فلن يستطيعوه في الآخرة حتى لو كُشف لهم عن ساقهم - استهزاءً بهم - إذ لن يمكنهم الله سبحانه منه ولن ينفعهم .

 

ب. أما الهيئة الأخرى للسجود فتكون في الصلاة وفي غيرها :

 ويكون السجود انحناءً فحسب . وهو سجود أهل الكتاب حين كانوا يتلون ءايات الله تعالى :

*[ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَاتِ اللَّهِ ءَانَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(113) ] آل عمران .

فقد كانوا يتلون ءايات الله وهم قائمون مكررين الانحناء أثناء التلاوة ( كما يفعلون حتى اليوم أثناء تلاوة كتابهم) ولو كانوا يتلون ءايات الله وجباههم على الأرض لقال (وهم ساجدون) .

 وبهذه الهيئة من السجود أمر الله سبحانه بني إسرائيل :

*[ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا {154} ] النساء .

ويقيناً ما دخلوا وجباهُهم على الأرض ، إنما أُمروا بالدخول منحَنين مقرين بأن الفضل لله تعالى غير مغرورين بالنصر. وهذا ما فعله النبي الامين في خبر تاريخي وهو يدخل مكة ساجداً لله (منحنياً) على ناقته :

دراسة مقارنة تبين/تكشف تبديل البشر لكلام الله  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=170&cat=5

بهذه الهيئة سجد أخوة يوسف وأبواه له إقراراً بفضله عليهم :

*[… إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سجِدِينَ(4) ] يوسف .

*[ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا {100} ]  يوسف .

فقد انحنَوا وهم على مِنصة العرش كما سجد انحناءً إخوةُ يوسف . إذ سجدوا بسرعة منحنين له إقراراً بفضله عليهم قائلين *[ تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا {91} ] يوسف .

 وبهذه الهيئة أُمر الملائكة أن يسجدوا لأدم إقراراً بفضله عليهم بعد أن نجح في امتحان عقلِ أي ربط الأسماء بمسمياتها ، ورَسَب الملائكة :

*[ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى {34} ] البقرة :

فحص الكفاءة الذي نجح فيه آدم 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=158&cat=3

وبهذه الهيئة تسجد لله سبحانه أكثرُ مخلوقاته طوْعاً ، إقراراً بفضل الخالق على المخلوقات :

*[ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ(6) ] الرحمن .

أي ينحنيان . كما يسجد لله كل من وما في السموات والأرض بحركة إنحناء فلكية (مدار شبه دائري) :

*[ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفـْعَلُ مَا يَـشَاءُ(18) ] الحج .

*****

خلاصة مفاهيم الركوعِ والسجود

لكلٍّ من الركوع والسجود هيئتان :

أ.  فالركوع رمزاً للخضوع لله سبحانه بعد ذنب أو قبل طلب أو كليهما - كما في الصلاة - يكون بالانحناء الخفيف تمييزاً له عن السجود بإحدى هيئتيه وهو الانحناء أكثرَ من الركوع – مثلما يفعل أصحاب الأعذار اليوم في الصلاة . كما قد يكون الركوع بالجثوِّ على الركبتين بعد السجود . ولعل هذه الهيئة من الركوع بعد السجود تحقق الاقتراب من رب العالمين المشار اليه في قوله سبحانه :

* [ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ {19} ] العلق .

لذلك يدعو المصلي ربه فيه بما شاء عقب سجوده الذي تنتهي به الصلاة (102/النساء) . ولكن المصلي يمدد صلاته منيبا الى ربه بركوع على ركبتيه كركوع داوود حينما تذكرَ *[ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ {24} ] ص .

ب.                                                                                                           أما السجود رمزاً للإقرار بفضل الله عز وجلّ فيكون إذا تُليت على المؤمن ءايات الله تعالى فزادته إيماناً ( 2/الأنفال) ، أو إذا أنعم الله عليه بنعمة دون ذلك فيسجد إقراراً بفضل الله تعالى عليه (سجدةَ شكر) ، ويكون بوضع جبهته على الأرض إذا تيسر ، أو بالسجود انحناءً أكثر من انحناء الركوع . والله سبحانه أعلم .

 (11)

طاعة الرسول الكريم وعلاقتها بالصلاة

رُبطت طاعة الرسول عليه السلام بطاعة الله سبحانه (طاعةً واحدة) في أكثر من عشرين آية من كتاب الله . وأُمر المؤمنون بطاعة الرسول تحديداً في موقعين لتتعلق بها ثلاثة امور هي : (1) القتال (2) وإقامة الصلاة (3) وإيتاء الزكاة .. لِما علم الله سبحانه أن كثيراً من الضلال والضرر سيلحقان بالأمة بسبب رجوعها في هذه الامور خاصة إلى غير الرسول أي إلى غير الكتاب الذي نُزِّل عليه وأُمر ومن معه باتباعه .

من ذلك احتجاجُ كثيرين بالصلاة والزكاة وزعْمهم أنهما لم تفصلا في القرءان وإنما أُخذت تفصيلاتهما مما أسموه افتراء على الله والرسول (السنة النبوية) وفي ظنهم أنها سنة الرسول كذلك . فأمرَ الله سبحانه أن تؤخذ أحكام القتال والحرب والسلم وأن تقام الصلاة وتُؤتى الزكاة وتؤخذ أحكامهما ككل الأحكام تفصيلاً عن الرسول (وليس عن النبي ) أيْ من ءايات الله  في الكتاب الذي نزل عليه ، وبه صار رسولاً ، والذي كان مرجعه الوحيد إيماناً واتباعاً وأُمر أن يُبلغه للناس لا يزيد عليه ولا ينقص منه : 
*[ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتبٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ …(89) ] البقرة .

*[ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ[9] مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتبَ كِتبَ اللَّهِ  وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) ] البقرة .

*****

وقد ضاهأ المسلمون أهلَ الكتاب فنبذوا كتابَ الله (رسول الله) وراء ظهورهم بعد عام (101) هجري حين بدأ الزهري وغيره بكتابة الحديث النبوي خلافاً لأمر النبي بعدم كتابة أي شيء عنه سوى القرءان ، واعتبروه حديث الرسول بدون تمييزٍ بين النبي والرسول وأن الله سبحانه قد أمر بطاعة الرسول تحديداً لتظل طاعةُ الله فيما أنزل عليه من الكتاب وطاعةُ رسوله فيما بلّغ عنه فرضاً على المؤمنين إلى يوم القيامة . ذلك أن المهمة الوحيدة للرسول هي تبليغ ءايات الله تعالى بعبودية مطلقة بعد أن يؤمن بها فقط ثمّ يتبعها معهم  (انظر الأيات 285/البقرة ، 67/المائدة ، 2-3/الأعراف). فاتباع الرسول هو اتباع ءايات الله تعالى تحديدا :

.  الرسول والنبي : أصل البلاء عدم التمييز بين مهمتيهما  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=218&cat=6

*[ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءَايتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَـخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحبُ الصِّرطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135) ] طه .

*[ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ ءَايتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) ] القصص .

*[ رَبَّنَا ءَامَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّهِدِينَ (53) ] آلعمران .

فالأصل هو ما أنزل الله سبحانه أي القرءان تحديداً . فإن اتباع الرسول هو اتباع ءايات الله .

مفهوم الوسطية القرءاني يتحقق باتِّباع الرسول/القرآن الكريم :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=17&cat=3

وفي الذين أطاعوا سادتهم العلماء وكبراءَهم الفقهاء والمسئولين ولم يطيعوا اللهَ فيما أنزل والرسولَ فيما بلَّغ من ءايات الله يقول سبحانه :

*[ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يلَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) ] الأحزاب .

 تدبر الأيات ( 27-31 ] الفرقان ، التي تؤكد مفهوم طاعة الرسول وأنها اتباع القرءان تحديداً

*****

مواقع طاعة ( الرسول ) في كتاب الله

 أوّلها : ءايات القتال في الآيات 69-84/ من سورة النساء التي توسَّطها أمْرٌ بطاعة الرسول وأمْرٌ بتدبر القرءان :

*[ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصـّلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفـِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)… الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّغُوتِ فَقتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطنِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطنِ كَانَ ضَعِيفًا (76)… مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلفًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطنَ إِلَّا قَلِيلًا (83) ] .

.  إفعلوها ولو مرة فاعتصموا بحبل الله  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=41&cat=2

 إن توثيق هذا الأمر من اثنين بطاعة الرسول وهذا الأمر من اثنين في سورة النساء تحديداً إنما ليذَّكَّر أولوا الالباب بأن هذه السورة تضمنت الأمرين الاثنين كذلك بوجوب رد الإفتاء (الذي هو بيان مركب) وخاصة في شئون النساء إلى الله سبحانه أي إلى كتابه الكريم وليس إلى النبي :

الإفتاء في الدين حق لله لا للبشر

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=28&cat=3

  *[ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ !! قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ …(127) ] النساء .

*[ يَسْتَفْتُونَكَ !!!! قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَللَةِ … يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) ] النساء

*****

وأكثر الأمور تعقيدا وخطورةً هي أمور السلم والحرب كما يتبين من واقع المسلمين اليوم . لذلك تحتاج أحكامهما إلى استنباطٍ يجريه الذين يعلمون . لهذا - والله أعلم - قضى الله سبحانه في الأيات المذكورة أن تُردَّ أخبار وأمور *[ الْأَمـْنِ وِ الْخَوْفِ ] إلى الرسول في حـياته مع التوكل على الله ، ويجب على المؤمنين طاعته[10]. أما بعد وفاته فترد أوَّلا إلى الله سبحانه بالتوكل عليه وتُرد ثانياً إلى ( مجلس الخلافة الدستوري الأعلى) وإلى أولي الأمر من الذين امنوا (المستوى السياسي) إن وجدوا . وقد نهى الله سبحانه عامةَ المؤمنين أن يذيعوا أيَّ شيءٍ من أخبار السلم والحرب لقلة معرفتهم بها وبأسرارها فكيف بممارستها !

وقد وثق الله سبحانه هذه الحقيقة الخطيرة في الأيات (29-44) من سورة النمل لمنع العسكريين والغوغائيين من جـرّ الأمة إلى مغامرات مدمرة لو كان أمر [ الْأَمْنِ/السّلْم و الْخَوْفِ/الحرب ] بأيديهم . فكيف حين يضطر الحكام إلى جرّ الأمة إلى حرب مدمرة تحت ضغط الدهماء والعامة والذين لا يعلمون !!

بديل ثقافة العنف لتغيير  الأنظمة وإصلاحها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=2&cat=5

ثاني المواقع التي ورد فيه الأمر بطاعة الرسول تحديداً هو الأيات (54-56) من سورة النور التي وثق الله سبحانه فيها الوعد الحق باستخلاف الذين آمنوا في الأرض ذاكراً شروط الاستخلاف وشروط ديمومته :

*[ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّلِحتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْـدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُـمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُـوا الصَّلوةَ وَءَاتُـوا الزَّكوةَ وَأَطِيـعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَـمُونَ (56) ] النور .

أضواء جديدة على تاريخ فلسطين  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=19&cat=2

فالرسول الكريم عليه ما حُمل وفُرض عليه وهو فقط البلاغ المبين الذي لا ريب فيه ، يتلوه عليهم بلسانهم . فلم يُحمِّل الله سبحانه الرسولَ ولا أيَّ رسول إلا البلاغ المبين وبلسان قومه :

*[… فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلغُ الْمُبِينُ(35) ] النحل .

*[ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ …(4) ] إبراهيم .

وعلى البشر (وأولهم النبي محمد) ما حُملوا وهو الإيمانُ بهذا البلاغ المنزل واتِّباعُه . وكما حُمل أهل الكتاب التـوراةَ (5/الجمعة) فقد حُمل المسلمون القرءان . وكما فعل أهل الكتاب بعد فترة حين [ لم يحملوها ] وحَملوا أسفار أحبارهم ورهبانهم بدلا منها ، فقد حَـمل المسلمون بعد جيلي الصحابة الكرام وتابعيهم ( 2-4/الجمعة ) أسفارَ سادتِهم العلماء والفقهاء بدلا من حمْل القرءان إيماناً واتباعاً ، فكان مَثَلُ الطائفتين كمثل الحمار يحمل أسفاراً لا تنفعه !!

 ومما يجب أن تنقطع له قلوب المسلمين خوفاً من الله عز وجل وصفه للذين فعلوا ذلك بالمكذبين بآيات الله والظالمين :

*[… بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِأيتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ(5) ] الجمعة ..

مع أنهم ظلوا يتلون التوراة والقرءان ويزعمون أنهم يؤمنون بهما .

لقد علم الله سبحانه *[ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(14) ] المُلك .. أن أكثر المسلمين سيجادلون بالباطل ليُدحضوا به الحق وأنهم سيتخذون ءايات الله هزواً يُبطلونها وينسخونها ويُعرضون عنها بحجة أسفار الحديث والفقه ، وأنهم سيتخذون الصلاة والزكاة مَثَلين على أن الله سبحانه لم يُفصِّل كثيراً من الأحكام وأن النبي (أو الرسول فلا فرق عندهم) هو الذي فصّل كيفية الصلاة ونسبةَ الزكاة .

 

وثالث المواقع بطاعة الرسول (تحديداً وليس النبي) في سورة النور وفي نجم ءايات الوعد الحق الذي ربط الله سبحانه تحققه واستمرارَه بعبادة الله وحده دون الإشراك به *[ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ] وبطاعة الرسولِ/اتِّباعِ القرءان ، وخاصة في الصلاة والزكاة وتفصيلاتهما[11]، كما سبق أن أمر (في سورة النساء) بردّ شئون الحرب والسلم خاصة إلى الرسول في حياته وإلى القرءان وخلفاء الرسول بعد وفاته وليس إلى الأحاديث والأخبار المروية عن النبي - سواء قالها أو لم يقلها - لأن النبي نفسه (بغضّ النظر عما أوحى الله سبحانه إليه غير القرءان وحي نبوة ، أو اجتهد في فهمه وتطبيقه في واقع معين كبشر) قد أمره الله تعالى وأمر المؤمنين معه أن يتبعوا ما أُنزل إليهم من ربهم (قرءانا) فورَ نزوله ، وأن يقدموه على أيّ إيحاءٍ نبوي أو اجتهادٍ قبله أو بعده . وأشهر مثل على هذه القاعدة الإيمانية هو مثل القِبلتين الأولى والآخِرة الذي بيناه في مقال مفهوم الوسطية آنف الذكر :

مفهوم الوسطية القرءاني  يتحقق باتِّباع الرسول/القرآن

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=17&cat=3

*[ وَكَذَلِكَ جَعَلْنكُمْ أُمَّةً وَسَطًا[12] لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هـَدَى اللَّهُ…(143) ] البقرة .

في هذه الأية الكريمة تقرير لسُنة ربانية في البشر تجعلهم يستثقلون التغيير ويرونه كبيراً حتى في دائرة الحق نفسه تحسيناً وارتقاءً فكيف إذا كان التغييرُ يقتضي تركَ الباطل واتباعَ الحق كما هو واقع المسلمين اليوم بل منذ قرون بعد أن طال عليهم الأمد فنسوا الذكْر وكانوا قوماً بوراً   ( 18/الفرقان ) !!

*[ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتبَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فسِقُونَ(16) ] الحديد .

وإذا جادل أحد في مفهوم ذِكر الله هنا فلا جدال بأن عطف البيان والتخصيص [ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ] الذي هو القرءان تحديداً يبيِّن مفهوم الذِّكر .. إذ لم يُنزّل الله تنزيلا سواه . ولعلنا نجد البُشرى في الأية التي تليها والتي عقَلها (ربطها) الله سبحانه بها من أجل أن نعقل مفهوم الأية الأولى المعنوي بمفهوم الأية الثانية الحسي . فبالقرءان المنزل من السماء نقيّا مباركاً يُحيي الله سبحانه القلوب القاسية حين تخشع لذكر الله وما نزل من الحق كما يُحيي الله الأرض الخاشعةَ بعد موتها بالماء النقي المبارك المنزل من السماء :

* [ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْأيتِ

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(17) ] الحديد .

 (12)

الرسول بعد وفاة النبي محمد هو القرءان

مسألة القِبلة كانت مثلاً عملياً لتقرير قاعدة إيمانية كبرى كما سبق ، ألزم الله سبحانه بها حتى النبيين بمن فيهم محمد (سلام الله عليهم) وأخذَها عليهم ميثاقاً : أن يحترموا التسلسل الوظيفي الذي جعل اللهُ به الرسول أرقى رتبة من النبي سواء كانا رجلا واحداً أو رجلين ، وأنْ يؤمن النبي بالرسول والكتاب الذي نزل عليه سواء كان الرسول قبله (كموسى وسليمان) أو كان معاصراً له (كيحيى وعيسى) أو كان النبي والرسول رجلاً واحداً ككل الرسل ، ومنهم الرسول محمد عليهم سلام الله . والذين أوتوا الكتاب أو أُورِثوه من بعدهم أوْلى بالالتزام بهذا الميثاق الذي أقرّ به والتزم النبيّون وهم خير منهم ، بعد أن تكون أخبارٌ كثيرة قد وصلتهم بالطرق الظنية منسوبةً إلى الله  والنبيين والأولياء . تدبروا الأيات 78-83 من سورة ءال عمران التي ختم الله بها هذا الميثاق ، مبينا مفهوم الربّـانية وانها اتخاذ كتاب الله المرجعَ الوحيد لتعليم الدين واهمّ مراجع دراستة :

الله يقول : كونوا ربانيين لا سلفيين

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=3&cat=2

*[ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتبِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتبِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتبَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ : كُونُوا رَبّنِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلئِكَةَ وَالنَّبِيِّنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟(80)

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثقَ النَّبِيِّنَ لَمَا ءَاتَيْتُكُمْ مِنْ كِتبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ! قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّهِدِينَ(81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفسِقُونَ(82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ(83) ] آلعمران .

*****

مفاهيم هذه الأيات   

1.                                                                                                           كان فريق من أهل الكتاب يكتبون أقوالاً بأيديهم ويُميلون ألسنتهم بها ليحسبها الناسُ من كتاب الله وهي ليست كذلك ، بل ويكتبون أقوالا ينسبونها تارة إلى الرسول وتارة إلى الله (أحاديث قدسية) زاعمين أن الرسول قالها ، فهي بزعْمهم  ( وحيٌ يوحى ) كما يزعم كثير من المسلمين التراثيين منذ قرون ، بينما هي كذب على الله عز وجل ، الرسول الأمين بريء منه ، لأن من يكذب ويفتري على رسول الله فقد افترى على الله سبحانه .

لذلك لم يرد ذكرٌ للكذب أو الإفتراء على الرسول في القرءان لأن الله سبحانه اعتبر من يَنسب إلى الرسول أيّةَ كلمة سوى القرءان مفتريا على الله نفسه . وفي (13) ءاية من (15) وصف الله سبحانه بغاية الظلم (مَنْ أظْلمُ مِمَّنْ…) مَن يفترون على الله أو يُكذِّبون بأياته أو يُعرضون عنها .

أما ما قاله النبي محمد فلم يأمر الله سبحانه بالإيمان به بل ولا باتباعه[13]، حتى وهو حي ، ناهيك عما خالطه مع الزمن من دسّ وتغيير لأنه ليس من الذكر (القرءان) المنزل الذي تعهد الله سبحانه بحفظه وحِفظ أهله ليكون ذكراً للعالَمين .

لذلك أَمر النبي بعدم كتابة ما قاله كنبي غير القرءان وأمر مَن كَتَب شيئا عنه غير القرءان أن يمحوه . وقد ظل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان على ذلك حتى وفاة عمر بن عبد العزيز (عام 101/هجري سَنة (720/م) . وكان قد قطع الدندنات التي بدأت قبل خلافته لِكتابة الحديث فاستهل خطبة الخلافة منذ يومه الأول بقوله[14]:

(أيها الناس، إنه لا كتاب بعد القرءان ، ولا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام . ألا وإني لست بقاض ولكني منفذ ، ولست بمبتدع ولكني متبع …) فقد كان من الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بإحسان . وكان أبو بكر رضي الله عنه قد حرق صحائف الحديث التي بلغه أن بعض الناس كتبوها خلافاً لأمر الله ورسوله في القرءان[15] بل وخلافاً لأمر النبي الذي أمر بإتلاف كلِّ ما كُتب عنه سوى القرءان . وكذلك فعل عمر ابن الخطاب .

 

2.                                                                                                           كان مما افتراه كثير من المسلمين على الله (وعلى رسوله بداهة) زعمهم أن الرسول قد أوصى بكتاب الله وسُنَّة رسوله أي أن الرسول جعل نفسه مشرعاً أو رباً مع الله . ومع أنّ إضافة السُنّة إلى كتاب الله تعالى لم تصح إطلاقا لا في القرءان الذي ذُكرتْ فيه كلمة (الكتاب ) 230/ مَرّةً لم تُعطَف عليه كلمة ( سُنّة) ولا مرةً واحدةً !! كما لم يُذكر الإعتصام المزعوم بالسُّنة  في أشهر كتب الحديث  ( البخاري ومسلم ) لأن الحديث المشهور الذي صح عندهم عن مسلم لم يذكر إلاّ كتاب الله ، ولم يَذكر سُنةً للرسول ولا للنبي … ومع ذلك فلا يزال أكثر المسلمين التراثيين يرى السُنة (كما فهموها) مِثل القرءان بل أكثر قداسة حين ذهب بعضهم إلى أن الحديث من السُنة ينسخ القرءان بل إنَّ السُنّة قاضيةٌ على القرءان!! معرضين عن سُنن الله تعالى التي لم ينسبها سبحانه في كل ءايات الكتاب إلا إلى نفسه:

 *[ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) ] الأحزاب .

مفهوم سنة الله وسننه فلا سنة لأحد إلا لله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=81&cat=2

لذلك فقد برَّأ الله سبحانه كل رسله وأنبيائه من تهمة الإفتراء على الله لأنهم لو أمروا الناس أن يتبعوا أقوالهم من غير الكتاب وآياته ومن ذلك السُنة المزعومة لكان معنى ذلك أنهم دعوا الناس إلى عبادتهم (80/ءالعمران) علماً أن الله سبحانه وثّق وصية كل الرسل والنبين إلى المؤمنين أن يكونوا ربانيين أي أن يُعلموا الكتاب فقط للناس ويتخذوه مرجعاً وحيداً للدين . أما عند الدراسة فيدرسون الكتاب وكل ما يعين على فهمه ، لذلك قال الله سبحانه [ تدْرُسون ] وليس (تدرسونه) فقط . وقد أكد الله سبحانه أنه ما كان لرسول ولا نبي أن يأمر الناس باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً يُشرّعون ... لأنهم لو فعلوا ذلك لكانوا قد أمروا الناس بالكفر بعد إسلامهم ، ولم يقل ذلك رسول ولا نبي ولا صِدّيق !!

 

3.  تقرر الأيتان 82-83/ من ءال عمران كما ذُكر أن من يتولى عن ميثاق النبيين ءانفِ الذكْر فهم فاسقون يبغون غير دين الله تماماً كالذين [ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ] بتطبيق سواه [ 15/الفتح ] وقد اعتبر الله سبحانه عدم الامتثال لأيات الله تعالى ممن عرفها، اعتبره استهزاءً بها (231/البقرة) . أما استبدال كلمة أو حرف بكلام الله فهو جُرم أكبر (181/البقرة) (59/البقرة)  (162/الأعراف) . فكيف بمن ينسخون ويُلغون ءايات بأكملها ويبدلون بها أحاديثَ زعموها ويعملون بها !!!!

*[ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) ] لقمان :

دراسة مقارنة تبين/تكشف تبديل البشر لكلام الله 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=170&cat=5

بهذا يتبين أن مفهوم ( الرسول ) في القرءان الكريم هو الرسول بشخصه في حياته حين كان يتلو على الناس ءايات الله سبحانه ويزكيهم بها . ولم يُسمح له إطلاقا أن يتلو سواها فهو [ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً(2) ] البينة ، أي أنه رسول ينوب عن الله حالة كونه يتلو صحفاً مطهرة باسم الله . أما بعد وفاته فمفهوم الرسول هو القرءان الذي نزله الله عليه تنزيلا ولم ينزل عليه كلمة واحدة سواه . البيان في الرابط :

ما لم يعرف عن الرسول والقرءان

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=98&cat=2

لقد نزل الأمر للرسول الكريم في ختام الأيات (102-110) من سورة الكهف التي تصف الأخسرين أعمالا بأنهم الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ً. وان هؤلاء هم الذين كفروا (..) بأيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم... نزل إليه الأمر أن يقول :

*[ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا(110) ] الكهف .

*****

فلقاء رب العالمين في الدنيا إنما يكون في صلاة يتحقق فيها الخشوع . ولأن أهم ما فيها قراءة القرءان فقد سمى الله سبحانه أهم الصلوات  *[ قرءانَ الفجر ] . ولكي يرتقي هذا اللقاء إلى ملاقاة متبادلة لا بد أن يكون للعبد المصلي رصيد من عمل صالح وألاّ يشرك أحداً من خلق الله تعالى مع الله بشيء من طُرُق وكيفيةِ عبادته . فليس المحظورُ عدمَ الشرك بالله فقط بل عدمَ اشراك أحدٍ بعبادته سبحانه بأخذ أيّ تفصيل من تفصيلات عبادة الله تعالى من غير الله أيْ مِن غير كلماته في كتابه العظيم  .

كما أن عدم اشراكِ أحد مع الله في كيفية عبادته سبحانه يجعل العابد يرجو (ولا يخاف) لقاء ربه في اليوم الآخِر، فان الرجاء لا يكون الا ممن يتوقع الخير، اما الخوف فيكون عند توقُّع مكروه . لهذا فإن مَن لم يُشرك بعبادة ربه احداً يتمثل قول مَن قال :

وإني لأرجو اللهَ حتى كأنني : أرى بجميل الظن ما الله صانع !

فإذا أُخذت الصلاة بمفهومها وأوقاتها وكيفيتها وأدوات اللقاء والتعبير فيها كلمةً ورمزاً … إذا أُخذت من كتاب الله تعالى لم تكن كبيرة ولا ثقيلة على النفس بل راحةً لها ، فنهت مُقيمها عن الفحشاء والمنكر . وإلا كانت مجرد حركات وطقوس لا يعرف أكثرُ الناس مفهومها ولا يتحقق الهدف منها كما يدل على ذلك واقع المسلمين التراثيين منذ قرون ، لينطبق عليهم قول ربهم فيمن قبلهم !!

*[ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً {59} إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً {60} ] مريم .

 

إقامة الصلاة كما بيّنها اللهُ سبحانه  في كتابه العظيم

 

ثانيــــــــــــــــــــــــــــــــــاً

(13)

مواقيتها وعلاقاتها بالعمل ومشكلاته من كتاب الله

*[ .. إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً  ]

مقدِّمة :

وردَ أمْر الله سبحانه فرديا بنص *[ أقِمْ الصَّلوة ] في القرءان الكريم خمس مرات : ثلاثا منها للرسول الكريم ، ومرة لموسى ومحمد - عليهما سلام الله - وأخرى على لسان لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه . ومن المرات الثلاث مرتان يشير الله سبحانه فيهما إلى مواقيت الصلاة . وقد أكد الله سبحانه ذِكرَه لمواقيت الصلاة في الكتاب بقوله :

*[ إِنَّ الصَّلوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتبًا مَوْقُوتًا(103) ] النساء .

أيْ إن فرضها وتوقيتها وُثِّقا كلاهما في الكتاب الدائم وليس من قبيل الحكمة الشفهية . والخطاب هنا في هذه الأية الكريمة هو للمؤمنين من العالمين في مختلف بلاد الدنيا التي فيها ما فيها من ظروف التوقيت وشروق الشمس وغروبها على فترات متباينة، إضافة إلى ظروف الحياة والعمل وفتراته ، بما في كل ذلك من المناخ واكتظاظ وسائط النقل ، وازدحام المؤسسات العامة وانخفاض إنتاجيتها …

*****

كيفيةُ الصلاة ووقتُها في العهد المكي

 في أولى سور القرءان الكريم نزولا نزل أمرٌ للرسول الكريم بالسجود وفيه إشارة إلى الصلاة :

*[ أَرَءيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) ] العلق ..

*[ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) ] العلق .

وتأكد ذكر السجود في ثاني سورة : القلم 

*[ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) ]

وفي السورة الثالثة (المزَّمل) نزل الأمر صريحا بالصلاة وكيفيتها الأولى :

*[ يأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمْ اليْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْءانَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) ] المزمِّل .

فكانت الصلاة في العهد المكي كله بالليل[16] ، ولم يكن بالنهار صلاة منتظمة . وكانت صلاة الليل قياما وتلاوة ءايات من الكتاب وسجودا . ولم يكن فيها ركوع1. بل لم تنزل ءاية واحدة مكية تأمر الرسول الكريم والمسلمين بالركوع . وإنما ذُكر الركوعُ وشُرع بعد الهجرة وفي الأيات المدنية حين صار للمسلمين مجتمع سيادي يتمكنون في ظله من الخضوع لأمر الله والركوع .

*****

ثم أُمر الرسول الكريم أن يتلو على الناس ءاخِر ما أُوحي إليه من ءايات الكتاب وأن يعلِّم النبيُّ المؤمنين ما فيها من تشريع نظري وحكمة تطبيقية وأن يقيم الصلاة . والترتيب هنا مقصود من أجل أن يُبلّغ ءاخر ما أوحي إليه من ءايات الكتاب لأصحابه في صلاة الجمعة خاصّةً ، ومن أجل ربط الصلاة بأيات الكتاب المناسبة للواقع . لأن ءايات الله سبحانه كانت تُنزَّل مُرتبة حسب الوقائع والمناسبات العملية لتعالج واقعا وتُعقلَ به فتُفهم :

*[ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتبِ وَأَقِمْ الصَّلوةَ إِنَّ الصَّلوةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) ] العنكبوت .

 الجديد من القرءان والواقع عن صلاة الجمعة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=9&cat=3

وقد أكد هذا المفهومَ ما سبق أن أشار الله سبحانه إليه في سورة ( طه) وهو يحكي عن موسى مذكِّرا رسوله – عليهما سلام الله :

*[ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلوةَ لِذِكْرِي (14) ] طه .

من أجل أن تذكرني بتلاوة ءاياتي ، أقم الصلاة فإن الذِّكر أو ذكرَ الله هو ءايات الله سبحانه مِن الكتاب . فإقامة الصلاة بالكلام والإشارة الرمزية هي وسيلة لتحقيق ذِكر الله تلاوةً وتكبيرا وتسبيحا وإشاراتٍ رمزيةً ، لهذا كان قوله سبحانه [ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ] ، أي أنَّ تكليم الله سبحانه فيها والاستماع إلى كلامه أهم من الإشارات الرمزية كالركوع والسجود اللذيْن شُرعا لدعم الكلمة كما يفعل الناس مع بعضهم بعضا .

*[ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)

وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)

هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمتِ إِلَى النُّورِ

وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) ] الأحزاب .

(14)

كيفيةُ الصلاةِ وأوقاتُها بعد الهجرة

كانت الصلاة على النحو المذكور في مكة مرحلةً أولى . وفي المدينة بعد الهجرة  نشأ واقع جديد بمسؤوليات مختلفة أضيفت هنا لِتُخفَّف هناك ، إذ أن كل عمل يقوم به المسلم مُسهما به في عمارة الأرض متَّبعا هدى الله سبحانه ، أي خطته في الإعمار هو عبادة . وقد وثق الله سبحانه هذا التخفيف في آخر سورة المزمل المكية التي يتصدرها أول أمر للرسول الكريم بقيام الليل ، وثّقه في ءاية مدنية :

*[ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اليْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اليْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقرءان عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَءاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَءاخَرُونَ يُقتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلوةَ وءاتُوا الزَّكَوةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ   رَحِيمٌ(20) ] المزمل .

ويُلاحظ أن الأمر في معظم الأيات هو بإقامة الصلاة وكأنها بنيان يجب أن يكون قائما ليدوم أثره وأجره .

*****

ثم شُرعت صلاة النهار صلاتين منفردتين أو مجموعتين وظلت صلاة الليل من غير تحديد وقت سوى أنها جُعلت *[ زُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ ]  أي أوقاتا متقاربة منه وبحيث تكون قريبة من النهار ( كما بينتْ الأية 78 من سورة الإسراء لاحقا) ليناسب ذلك الضربَ في الأرض نهارا والسكن في الليل والنوم به أي بجزء كاف منه . فقال سبحانه :

*[ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (113) وَأَقِمْ الصَّلوةَ (1) طَرَفِي النَّهَار (2) وَزُلَفًا مِنْ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذّكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) ] هود .

 

ثم نزل قول الله سبحانه يحدد صلاة الزُّلف من الليل ( وهي صلاة مكتوبةٌ أصلا حسب الأية (114) من سورة هود[17]) بأنها صلاة  دلوك الشمس ممتَدّةً  مِن غروب الشمس إلى غسق الليل ( صلاة العشاء ) .. كما حدّد صلاةَ الفجر/الغدوِّ إلى العمل ، التي لأهمية القرءان فيها سماها الله *[ قرءانَ الفجر ] ، لأنّ القرءان أبرز ما فيها بل ما في كلّ صلاة . وقد أصبحت الصلوات بذلك ثلاثا إلى خمسٍ . أما أوقات الليل الأخرى فقد أوصى الله سبحانه نبيه عليه السلام أن يتهجد ببعض القرآن ( به ) نافلة له . فقال سبحانه في نجمين متتابعين من الأيات :

*[ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنكَ ضِعْفَ الْحَيوةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنْ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلفَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)

أَقِمْ الصَّلوةَ (1) لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اليْلِ (2) وَقرءان الْفَجْرِ إِنَّ قرءان الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنْ اليْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطنًا نَصِيرًا (80) ] الإسراء .

 

أ. نُهي النبي والمؤمنون في النجمين من ءايات مواقيت الصلاة (114/هود ، 78/الإسراء) .. نُهوا عن الركون إلى الذين ظلموا (باللجوء إليهم والاعتماد عليهم وطلبِ أو قبول مساعدتهم) ، ورُبط هذا الأمر بإقامة الصلاة وبيان مواقيتها تثبيتا لهم على الإيمان وتمتينا لصلتهم بالله سبحانه بدلا من الركون إلى الذين ظلموا الذين لن تنفع نُصرتهم إذا غابت نُصرة الله تبارك اسمه ، ولا تنفع صلاةٌ مع الركون إليهم . بل إنهم سيصبحون جنوداً مهمتهم الدفاع عمن عبدوهم بدلاً من الانتفاع بنصرتهم فينطبق عليهم قول العامة (جبناك يا عبد المعين تعين...! ) :   

*[ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) ] يس .

 

ب. كلمة (النهار) في الأية 114/ هود مِن المثاني ، فهي أوَّلا ما يقابل الليل ، وثانيا هي يوم أو فترة أو وقت العمـل :

*[ وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) ] النبأ ، أي لكسب الرزق بالعمل .

*[ إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) ] المزمل ..

أيْ حركةً يطول وقتها لتنفيذ ما أنشئ وخطط له وبُيِّت بالليل :

*[ إِنَّ نَاشِئَةَ اليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) ] المزمل .

أي أن بداية أي عمل ، وهي خطته ، هي الأصعب فيه ولذلك يجب التخطيط له وتبييته بالليل الهادئ .. فإن ما يُنشأ فيه قولاً وكلاما كخطةٍ للعمل يكون أقوم وأصح مما يُعدُّ منه في النهار الذي جعله الله سبحانه للتنفيذ والحركة لا للتخطيط .

لذلك قالت العرب في الأمر المحكم التنفيذ (أمْر دُبِّر بليل) . فإذا كان التخطيط لله سبحانه رُدَّ الأمر إليه في صلاة استخارة تطمئن بها النفوس . هذا هو مفهوم قوله عز وجل واصفا عباد الرحمن :

*[ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) ] الفرقان .

فهم يجدون راحةً وانشراح صدْر في سجودهم وقيامهم لربهم اذا اهمَّهم امرٌ ( انظر بيَّت وبياتاً في المعجم المفهرس) . كيف لا وقول الله سبحانه يقرع الأسماع :

*[ إِنَّ هَذَا الْقرءان يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ

وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّلِحتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) ] الإسراء .

*****

*[ وَمِنْ ءايتِهِ مَنَامُكُمْ بِاليْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ …(23) ] الروم .

فالمنام جُعل أصلا بالليل أي بجزء منه ويمكن أن يكون بجزء من النهار. وكذلك الابتغاء من فضل الله بالعمل وغيره يكون أصلا بالنهار . أما أن يكون بالليل فالإشارة إلى ذلك ضعيفة وكأنها ادُّخرت لبعض الحالات التي قد تقتضي العمل بالليل . وقوله سبحانه :

*[ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ ] ... يعني بالليل والنهار .

*****

*[ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ …(73) ] القصص .

أي لتسكنوا في الليل كله فلا عمل ( فيه ) كله ، ويمكن أن يكون عمل به ، بينما المنام بالليل أي في جزء منه . ولتبتغوا من فضله بالعمل وغيره في النهار كله على التوالي . أما إمكانية المنام بالنهار ، فبالإضافة إلى الإشارة التي في آية الروم (23) فقد وردت ضمن العورات الثلاث للناس التي لا تزاور فيها إلا باستئذان مسبق ، وهي وقت القيلولة ظهرا ، ومن قبل صلاة الفجر ومن بعد صلاة العشاء ، حتى للأولاد اطفالاً وبالغين . ومفهوم هذا أيضا أنه لا تبذَّل في غير هذه الأوقات حتى في البيت :

*[ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لِيَسْتَئذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمنُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلثَ مَرّتٍ : مِنْ قَبْلِ صَلوةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلوةِ الْعِشَاءِ ثَلثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ …(58) ] النور .

وتعطي الاية (59) من سورة النور مفهوماً تربوياً بوجوب استئذان الاولاد اذا ارادوا الخروج من البيت في هذه الاوقات التي تقلّ فيها الحركة ، ويمكن أن يُساءَ فيها التصرف !!!

*[ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اليْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) ] الفرقان .

فالليل بما فيه من نوم الجسد وسُباتِ أو رقودِ أو راحةِ أعضائه يقي الجسد وأعضاءَه من الضعف وظهورِ عوراته التي هي نقاط ضعفه .. أما النهار فللعمل . والنشور هو الظهور أو الخروج للعمل والسبح الطويل بعد الوفاة بالليل .

*****

أما من واقع الحياة فإن النهار قد يُطلق على يوم العمل تحديدا فيقاس به العمل . يقال : عمل فلان خمسة أيام عمل (كل يوم 8/ ساعات عملٍ مثلا) .  فقد يكون يوم العمل في نهارٍ حقيقةً أو حُكْما كما يشير واقع بعض البلدان في شمال الكرة الأرضية وجنوبها حيث يطول النهار ويستمر ظهور الشمس حتى يصل إلى ستة أشهر وكذلك الليل . هنا يُعتبر النهار الحُكمي هو فترةَ العمل ، وكذلك الليلُ الحكمي فترةَ السكون والنوم .

*****

ولما كان طرفُ الشيء هو نهايته فإن [ طرفي النهار ] هما أولُّ العشيّ أو الرَّواح (وهو ما قبل الظهر) وءاخرُه (وهو ما بعد العصر) أي الآصال في نظام يوم العمل ذي الفترتين الذي أوصى به الخالق سبحانه في الجزيرة العربية . فإذا كان نظام يوم العمل فترة واحدة فيكون للنهار أو يوم العمل طرفٌ واحد أو عشيّ أو رَواح واحد تُجمع فيه صلاتا طرفي النهار في صلاة واحدة آخِرَ العمل .

أما وقت الذهاب إلى العمل فهو :

( الغدّو  أو  الغداة )

ويكون ( بُكرةً ) أيْ  قبل طلوع الشمس  :

*[ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا(130) ] طه .

*[ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) ] الأحزاب .          

*[ … فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) ] مريم .

*[ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدوةِ وَالْعَشِيِّ (28) ] الكهف .

*[… وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) ] الطور .

*[ وَلِسُلَيْمنَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ…(12) ] سبأ .

*****

والعشي هو الوقت الذي يَعشى فيه البصر لأحد سببين غيرِ المرض : سببٍ ذاتي ينتج عن الإرهاق من العمل وربما الحَر أيضا سواء عند الرواح ظهرا أو الرواح آخر النهار . فمع وجود ضوء النهار فإن الأعشى من التعب أو الحر أو كليهما لا يكاد يرى النور – كما يقولون - وإلى مثل هذا يشير الله سبحانه :

*[ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) ] البقرة .

 أيْ أعمى الله أبصارهم فلم يستفيدوا مِن النور من حولهم :

*[ وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا … (179) ] الأعراف .

أما السبب الثاني للعشَيّ فهو الظلام الذي يروح فيه الرُعيان . وقد سُمي وقتُه – كما يبدو-     ( عِشاءً ) تمييزا له عن العَشي في النهار :

*[ وَجَاءُو أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) ] يوسف .. 

*[… وَمِنْ بَعْدِ صَلوةِ الْعِشَاءِ(58) ] النور .

*****

*[ وزُلفا من الّيل ] (114/هود) ، يقال : أزَلفَ الشيءَ : قرّبه :

*[ وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) ] ق ، أي قُرِّبت .

*[ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً(27) ] المُلك ، أي قريبا .

وزُلَفا : صيغة جمع على وزن : نُسخا ونُطفا وجُمَعا وخُطبا : جمع نُسخة ونطفة وجمعة وخُطبة . فالزُّلف من الليل هي أوقات من الليل قريبة من النهار (أوله وآخره) ومن بعضها . وهذا بيان  بتخصيص ثالث لصلاة الليل بحيث صارت الصلاة بعد المغرب أوّل الليل كما هي بالأسحار عند الفجر آخر الليل .

فصارت الصلاة في هذين الوقتين بدلا من صلاة الليل المفتوحة في سورة المزّمل . *[ من الّيل ] أيْ بدلا من صلاة الليل ، المذكورةِ سابقا *[ قم الّيل ] . كما أنها جزءٌ من الليل ، أو بعضُ الليل .

 

فتكون هذه الآية قد حدَّدت أكثر مما ورد في ءاخر المزّمل وأيدها ما ورد في سورة الذاريات عن صلاة المتقين :

* [ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّتٍ وَعُيُونٍ (15)ءاخِذِينَ مَا ءاتيهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنْ الّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ[18](17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْولِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ ءايتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23) ] الذاريات .

نظام التعاون والتكافل ( الضمان الجتماعي )

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=216&cat=5

*[ ءاخِذِينَ مَا ءاتيهُمْ رَبُّهُمْ ] توسطت الجزاءَ في [ جَنّتٍ وَعُيُونٍ ] وسببَ الإحسان . فقد كانوا متقين محسنين لأنهم سبق أن أخذوا ما ءاتاهم ربهم من الكتاب وءاياته    [ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ] ، وأخذوا ما ءاتاهم الرسول عن ربه من ءايات الكتاب والحكمة :

*[ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ  ] ، فكانوا *[ءاخِذِينَ مَا ءاتيهُمْ رَبُّهُمْ ]

إذَن : *[ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ ] = [ مَا ءاتيهُمْ رَبُّهُمْ ] .

*[ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ {87} ] الحِجر .

*[ .. وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً {99} مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً {100} ] طه

السبع المثاني التي آتاها اللهُ الرسول

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=227&cat=3   

إنه لحق : القرءان الكريم بما فيه من ءايات الأرض وءايات الأنفس وءايات السماء  كلها مذكورة في القرءان بما في ذلكم أرزاق الناس وما وُعدوا به إلى يوم القيامة . والقرءان العظيم ينطق بالحق ، بل حقِّ اليقين :

*[ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِأيتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسرِعُونَ فِي الْخَيْرتِ وَهُمْ لَهَا سبِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَبٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) ] المؤمنون .

وقد وردت كلمة ( ينطق ) في القرءان الكريم ثلاث مرات فقط كلها تعود إلى كتاب الله القرءانِ :

*[ هَذَا كِتبُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) ] الجاثية .

*[ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) ] النجم .

( كتابنا ) أي القرءان كتاب الله تعالى . أما ( كتابك/ كتابه/ كتابهم/ كتابيه) فهي كتب أعمال البشر. (هو) أي القرءان فهو ( وَحْيٌ يُوحَى ) وليس الوحيُ شخصَ الرسول الكريم . وقد وردت كلمة ( وحْي ) مرة أخرى فقط لتشير إلى القرءان الكريم :

*[ قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ(45) ] الأنبياء ، أي بالقرءان فقط بدليل :

*[.. وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقرءان لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ…(19) ] الأنعام .

*[ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ] لأنهم سيحاسبون بموجبه فقط فهو وحده حق اليقين :

*[ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتبَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتبِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(176) ] البقرة

إذ *[… كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتبِهَا(28) ] الجاثية ..

لتحاسَب بموجبه بعد أن يُنادى عليها ( تُدعى ) به . فيقال : يا أمة التوراة … يا أمة القرءان : تعالوْا الى كتابكم فكتاب كل أمة هو القانون الذي ستُحاسب بموجبه . لهذا سُمي كتابا ليظل موثقا كتابةً .

*****

من أجل هذا وعد الله سبحانه أن يحفظ القرءان بنفسه حتى لا يعتريه أيُّ تبديل أو تحريف يمكن أن يَحتج بهما على الله سبحانه العصاةُ الفاسقون عن أمر الله أو حتى المخالفون لأمره ولو عن غير قصد فيقولون ( ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال) . لهذا لم تكن في القرءان الكريم – أي في نصوص ءاياته - أيّةُ ءايةٍ أو كلمة أو حرفٍ صِحتُه محتملة .. بل كل ما فيه حق اليقين .

فلا عذر لقائل *[… إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غفِلِينَ (172) ] ولا لقائل :

*[…إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فـَعَلَ الْمُـبْطِلُون ! (173) ] الأعراف .

*****

ج. *[ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الّيْلِ وَقرءان الْفَجْر {78} ] الإسراء : بعد أن حدد الله سبحانه صلاتي طرفي النهار إذا كان له طرفان في نظام يوم العمل ذي الفترتين ، بحيث تُؤدى صلاة في كل طرف ، (وقد أوصى الله سبحانه بهذا النظام بشكل عام وخاصة في المناطق الحارة كالجزيرة العربية) أو تُؤدى الصلاتان مجموعتين صلاة واحدة في يوم العمل ذي الفترة الواحدة…

بعد ذلك حسم الله سبحانه صلاة الليل وزادها تحديدا وتنظيما ليصبح الأمر كله بيِّنا ومناسبا لكافة الظروف والمناطق والعصور .

دلوك الشمس : الفترة بين غروب الشمس حتى غسق الليل أيْ اشتدادِ ظُلمته . فقد رُبط دلوك الشمس بالغسق الذي لا خلاف فيه وأنه وقت العِشاء . أما الدليل الثاني فهو حرف الجر ( إلى ) الذي أعطى الآية مثنى من المفاهيم . وكتاب الله سبحانه مثاني . لهذا وغيرِه كان أحسنَ الحديث . يشبه هذه الأيةَ قولُه سبحانه :  

*[ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ {196} ] البقرة ..

*[ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْولَهُمْ إِلَى أَمْولِكُمْ ] النساء .

فآية أكل أموال اليتامى تنهى عن خلطها أو جمعها مع أموال الوصي بحيث يصبح كلا الماليْن مالاً واحدا فيضيع مال اليتيم .  وبدهي أن النهي يشمل كذلك أكل مال اليتيم أوَّلاً قبل مال الوصي مِن باب أولى .

*****

وآية الحج لها مفهومان كذلك : أولهما خيارُ أداء العمرة مستقلةً ، والتمتع (الانتفاع مع الرضى) بإطالة فترة الصلاة عند المسجد الحرام إلى وقت الحج . أما الخيار الثاني فهو الانتفاع بجمع عبادة العمرة وعبادة الحج في سفر واحد . ومقابلَ التسهيل في الفصل بينهما وإطالة المُكث يُقدم المتمتع بتسهيل الفصل هدياً يُسهم به في إطعام الناس . ومقابلَ التسهيل بأداء المنسكيْن في سفر واحد … يقدم القارِن هديا . عِلماً ان الحج هو طواف بالبيت العتيق في اشهر للحج معلومات ، اما العمرة فهي صلاة عند المسجد الحرام في ايّ وقت :

الحج الذي ينفع الناس من كتاب الله  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=53&cat=5

ومثل هذا وذاك يأتي الأمر بإقامة الصلاة *[ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الّيْلِ ] أيْ من أول الليل (اللام للتوقيت) بعد غروب الشمس الى الغسق . وهي صلاةٌ ممتدة حتى غسقِ الليل ِ- ولا يصح تأخيرها - موعدِ صلاةِ العشاء التي وردت تسميتها كذلك في سورة النور *[ وَمِنْ بَعْدِ صَلوةِ الْعِشَاءِ ] التي مِن بعدها (وليس بعدها تماما بالضرورة) تبدأ الحياة الخاصة للناس فلا يدخل على الأزواج أحد إلا باستئذان حتى الأطفال ( 58-59 النور ) ، كما يُحظر على الاولاد اطفالاً ومراهقين ان يغادروا البيت الا بإذن !!!

*****

ففي هذا الجزء من الآية الكريمة تقريرٌ وتوقيتٌ لصلاة أو صلاتين يمتد وقتهما من غروب الشمس حتى غسق الليل/العشاء : مستقلتيْن حين يمكن تمييز المغرب عن العشاء كما هو الحال في بلادنا وحيثما يتيسر أداؤهما صلاتين مستقلتين بدون موانع أو صعوبات ، كما في ليل الشتاء الطويل الذي لا برْدَ فيه ولا مطر .

أما إذا شق على الناس ذلك بسبب الخوف أو البرد أو طبيعة العمل أو طبيعة البلاد جغرافيا كما هو الحال في المناطق الشمالية والجنوبية من الكرة الأرضية حيث يطول النهار أو الليل ويقصران ويصعب تمييز المغرب عن غسق الليل (العشاء) ، أو يشق على الناس الانتظار في ليل قصير أو بسبب طبيعة أعمالهم … فإن صلاة *[ دلوك الشمس ] في مثل هذه الحالات تُجمع إلى صلاة *[ غسق الّيل ] في صلاة واحدة كما تُجمع العمرة إلى الحج في ما عُرف تقليدياً بالقِران ويؤديان معاً في سفر واحد كما فعل النبي الامين في حجة الوداع .

وربما كان هذا هو مصدر الخبر التاريخي عن النبي في جَمْعِه للصلاة (في غير خوف ولا سفر وإنما تسهيلا على الناس) . علما أن الرسول النبي لم يكن ليُشرِّع – إذ توقيت الصلاة تشريع- وإنما كان متَّبعا لكتاب الله ربِّه في التشريع . وفي التطبيق كان نبياً متَّبِعا ومجتهدا يخطيء ويصيب ويتأثر بالواقع في حدود النَّص ، خلافاً لكونه رسولاً مُبلِّغاً لِما انزل الله  فلم يخطيء في التبلُّغ ولا في التبليغ ابداً .

*****

*[ وَقرءان الْفَجْرِ إِنَّ قرءان الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا {78} ] الإسراء .

بهذا النص الكريم من كتاب الله تعالى تقررت صلاة الفجر وسميت قرآن الفجر ليكون القرآن أهمَّ ما فيها ، مع أنه أهم ما في كلِّ صلاة [ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ] ، وجُعل وقتُها بين الأسحار التي يستغفر بها المتقون (وهي أواخر الليل) وبين وقت إسفار الصبح الذي أقسم الله تعالى به مشيرا إلى أهميته :

*[ كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَالّيْلِ إِذْ أَدْبَر (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَر ِ(35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) ] المدثر .

إنها : أي العدة ( فترة الزمن التي رُبطت بالعدد 19 في الأوّلين الذين كانوا أعلم بها ، والعدد 659 في الآخِرين) :

عدة أهل الكتابين المشتركة في الآخِرين 659 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=55&cat=6

.. التي ربطها القرآن وربط أسرارها بوقت السحر عند إدبار الليل مرورا بالفجر وحتى إسفار الصبح . فهو وقت مبارك مناسب للتفكر والاستغفار أي محاسبة النفس وتقييم الأعمال لتقويمها ولإصلاح الأخطاء وتحسين الأداء استعدادا للسبْح الطويل في النهار. هذا هو مفهوم الاستغفار وخاصة في الأسحار لمن شاء أن يُحسّن أداءه ومُدخلاته من أجل أن يحسن الله سبحانه أوضاعه ومُخرجاته .. فيتقدم .

*****

وربما خص الله سبحانه من الأسحار ، أسحارَ أواخر الشهر القمري التي تشهد طلوع القمر فيها ، وربما كانت العشرَ الأواخر من كل شهر التي أقسم الله سبحانه بها ثانية في سورة الفجر وربطها بالفجر ، وأكثرُها قدْرا وبركة أسحارُ ليالي أواخر رمضان التي فيها ليلة القدْر العظيم لأنها ليلة نزول القرءان العظيم كتاب الله العظيم . وقد جعلها الله سبحانه خيرا من الف شهر ايْ من (83.3) سنةً لنَفهم من ذلك ان العمل سَنةً بالقرءان الذي عظّم نُزولُه فيها قدرَها ... هو خير من (83.3) سنةِ عملٍ بسواه :

قراءة عصرية لمطلع الإسراء وخواتيمها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=7&cat=6

فالقيام من النوم في هذا الوقت من الأسحار قبيل الفجر ، وقراءة القرءان والاستغفار فيه يجعل المؤمن بالإضافة الى ذلك مستعدا لصلاة الفجر وقُرآنه المشهود الذي يحضره من الأشهاد من يحضره من  الملائكة وغيرهم فيشهدون لقارئه من المصلين .

هذا الوقت (السحر ) هو وقت يقظة النقيضين : الأتقياءِ المستغفرين بالأسحار ، والمجرمين واللصوص المتربصين غفلةَ الناس ، المستغلين استغراق الناس في النوم فيه ليُنفّذوا جرائمهم . فهذا الوقت ملائم لمن شاء أن يتقدم بالطاعة أو يتأخر بالمعصية والضلال .

*****

*[ وَمِنْ الّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ {79} ] الإسراء .

شرع الله سبحانه للرسول النبي الكريم فيما سوى أوقات الصلاة المكتوبة بالليل (بين العشاء والفجر) أن يتهجد أي أن يسهر بالقرءان (الباء للاستعانة) قراءةً وصلاةً بجزء من الليل (ومن الليل وليس في الليل) ، واعتُبر ذلك نافلة له[19]. وقد أرشده الله سبحانه إلى خير الدعاء عقب قراءة القرءان او الصلاة بالليل وهو الطلب من الله سبحانه أن تكون مُدخَلاتُه أي الأسبابُ التي يأخذ بها أسبابَ صدقٍ وخير لتكون مُخرَجاتُها أي نتائجُها مُخرجاتِ أو نتائجَ صدقٍ وخير :

[ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ

وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً

{80} ] الاسراء .

 فالسهر ببعض الليل تدبُّرَ قرءانٍ وصلاةً وتفكُّراً إنما يُحقق الغرض في هدوء الليل وليس في ضوضاء النهار الذي يناسبه ذِكرُ اسم الرب (اللهُ ربّي) وتسبيحه وحمْده إضافةً إلى الصلاة بالنهار قبل العمل وبعد انتهائه :

*[ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً {25}‏ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً {26} ] الإنسان .

ولعل توثيق تهجُّدِ الرسول النبي الكريم بالقرآن - نافلةً له - بوحْي رسالةٍ أي نصٍ مكتوب في الكتاب وليس بوحيِ نبوةٍ شفهيّ يشير إلى استحباب أن يتهجد بالقرءان ليلا مَن أحب من المؤمنين أن يرفع اللهُ سبحانه درجته وبالقدر الذي يعينه على السبح الطويل في النهار:

*[ إِنَّ نَاشِئَةَ الّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) ] المزمل

صلاة القيام آناء الليل ليست التراويح 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=90&cat=4

 (15)

الخُــــــــــــــــلاصة

الخلاصة أن خالق الإنسان – حسب فهمنا البشري المتواضع - أشار في كتابه الموثق إلى نظامين ليوم العمل يمكن أن تُحلَّ بالجمع بينهما كثيرٌ مِن مشكلات العمل والحياة في أيّة منطقة من العالم ، وخاصة إذا رأى سكانها أن يلتزموا بدليل ( Manual ) الخالق الصانع الخبير بما صنع وتعليماته وضماناته وتحذيراته ، والذي ربط بين العملِ وهو العبادة بمعناها العام - والصلاةِ التي جُعلت رأس العبادة بحيث تقام في أوقات الاتصال بالله الخالق الرب سبحانه ، لتلقّي إشاراته قبل العمل ، ثم حمدِه بعد الانتهاء منه ، في عملية بثٍّ واستقبال متبادلَيْن بين ربٍ رحيم ذي فضل عظيم وعبدٍ ذي قلب سليم :

1. النظام الأول هو يوم عمل مكوَّنٌ مِن فترتين ، كما كان عليه الحال في عصر الرسول الكريم وصحابته الأبرار في الجزيرة العربية ذات المناخ الحار وخاصة في فصل الصيف ذي النهار الطويل والليل القصير :

أ. الفترة الأولى : تبدأ بعد صلاة الفجر- حين يتبيَّن الطريقُ - فالغدُوِّ الأول للعمل ، وتمتد إلى ما قبل الظهر حين يروح (يرجع) العامل إلى صلاة الطرف الأول فالغداء فالقيلولة .

فتكون الفترة الأولى قد سبقتها الصلاة وانتهت بالطرف الأول من يوم العمل وهو العَشِيّ الأول . ويكون العامل – في كل مجالات العمل- قد عمل خمس ساعات متتابعة وهي الفترة التي أكتُشف بالتجربة أن للعامل أن يُعطى بعدها فترةَ استراحة بالقانون طالت أم قصرت .

ب. الفترة الثانية : أو العَشِيّ الأخِر) لتُؤدّى صلاة الطرف الآخِر(العصر) بعد انتهاء العمل للفترة الثانية  التي تمتد من العشي الأخِر إلى ما قبل الغروب .

أما الفترة بين المغرب حتى غسق الليل (العشاء) في ليل قصير فيمكن أن تُستثمر في تعارف الناس والتقائهم في بيوت الله ، وفي ذِكْر الله تعالى ، قراءةَ قرءان وتدبراً لأياته حتى موعد صلاة الغسق (العِشاء) ، كما يمكن جمع الصلاتين حين يصبح الليل غير كافٍ للسكن فيه لقِصَره او لأي سبب فردي او جماعي يَقتضي ذلك . ويناسب هذا النظامُ المناطقَ الحارة وفصل الصيف ذا النهار الطويل والليلِ القصير.

*****

2 . النظام الثاني هو يوم عمل ذو فترة واحدة تبدأ قبل طلوع الشمس وحتى العشِيّ الآخِر (العصر) . فيكون ليوم العمل طرف واحد . بِغدوٍّ واحد أي ذهابٍ إلى العمل من بعد صلاة الفجر ، ورواحٍ واحدٍ أي رجوع منه عند العشيّ (العصر) . فتسبقه صلاةُ  [ الصبح إذا أسفر ] وتعقبه صلاةُ طرف النهار جمعا في آخر يوم العمل .

وقد يناسب هذا النظام فصلَ الشتاء ذا النهار القصير والليلِ الطويل وكذلك الأماكنَ الباردة . وفيه يمكن أن تُجمع صلاتا طرفي النهار في صلاة واحدة لِقصَر النهار. اما صلاتا المغرب والعشاء فإن طول الليل يُمكِّنُ مِن انْ تُؤدَّيا فيه صلاتين منفردتين اذا لم يكن هناك ما يقتضى جمعهما ، كما فعل الرسول النبي أحيانا ليستأنس بما رُوي عنه من لا يستطيع أخذ الحقائق من مصدرها الحق – وهو كتاب الله تعالى- الذي أخذ منـه الرسول النبـي نفسُه والتزم به فكـان قُرءانـا :

*[ ... وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً {105} وَقُرْآناً... ] الاسراء .

(ثلاثة مفاعيل لأجله : من أجل أن تكون ...)

*****

ميزاتُ الجمع بين النظامين

إن الجمع بين النظامين في المؤسسة الواحدة أو المؤسسات المختلفة وخاصة في فصل الصيف الذي تشتدّ فيه الحرارة ويطول النهار وتتحرك أنشطة الحياة وعجلتها .. يحقق ميزات متنوعة :

أ. حين يمتد غدوُّ الناس إلى العمل صباحا منذ الفجر حتى قُبيل طلوع الشمس ليتداخل النظامان حسب ما يناسب كل عمل على حدة ، أو يناسب العاملين فيه ، ويمتد كذلك الرواح في نهاية العمل من العصر إلى دلوك الشمس (المغرب)… حين يحدث ذلك تخف مشكلة السير وتقل زحمة ساعة الإندفاع rush hour إذ يتوزع ركوب الحافلات صباحا ومساء على فترة أطول.

 

ب.  وحين تظل أماكن العمل والمؤسسات بمختلِف أنواعها مفتوحة تعِجّ بالحركة والبركة ، ويتواجد فيها العاملون والناس فترةً أطولَ في يوم عمل كامل دون أن تطول فترة العمل على الفرد العامل... فذلك يُسهم في تفعيل الإنتاج ورفع الإنتاجية. إذ يتداخل عمل العاملين حسب النظامين، فلا تُعطّل المعاملات ولا تتكدس ملفاتها في الدوائر الحكومية خاصة. ويتمكن كل عامل أو موظف من قضاء حاجاته في وقت راحته إما في منتصف النهار عند الظهيرة أو بعد العصر ، كلٍ حسب نظام عمله .

 

ج.  تبقى المساجد مفتوحة أطول فترة لتؤدى فيها الصلوات خمسا أو يجمع بعضها إلى بعض لتقام أربعَ أو ثلاثَ مرات حسب ظروف المناطق ومتطلبات العمل وفصول السنة وصعوبات الحياة . فتكون بذلك مشكلة أوقات الصلاة قد حلّت في كل مناطق الدنيا بعد أن رُبطت بيوم العمل ونصوص كتاب الله العظيم .

*****

إن اعتماد نظامي الفترة والفترتين حسب فهمنا البشري لأيات الكتاب وربطهما بإقامة الصلاة أول الفترة وءاخرها ذكرا وشكرا، وتداخل النظامين في البلد الواحد بل ومكان العمل الواحد أحيانا، فيه من الخير ما يمكن أن يعرف بالتفكر ويدرك أكثر بالتطبيق . فإذا أضفنا إلى ذلك تخصيص الليل للسكن والنوم ، والتذكُّر والمحاسبة والتخطيط في آخره ، إضافة إلى قراءة القرءان بتدبر، وخاصة في صلاة هدوء نافلة ، إذا فعلنا ذلك فإن الخير سيتضاعف بمطابقة نظام الإنسان العملي لما أوصى به خالقه ورب عمله العليم بما خلق، الخبير بما يصلح للإنسان ويُصلحُه.

 

ويوم العمل الإسلامي بنظاميه يقوم على التبكير في بدء العمل بحيث لا يتجاوز شروق الشمس ، والتبكير في النوم بحيث لا يتجاوز كثيرا صلاة العشاء [ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ ] . وبذلك يستفيد الناس من نور الشمس الرباني مجّانا بدلا من اللجوء إلى التوقيت الصيفي يغيرون به التوقيت تغييرا مصطَنعا وحادا يخدعون به أنفسهم ، بينما يرتبط التغيير الرباني التدريجي بالشمس والنور حقيقة . وإذا كان الناس قد اكتشفوا بالتجربة الطويلة صحةَ هذا المفهوم وءاثاره الإيجابية فأوجزوه بقولهم :

 

Early to bed and early to rise, makes a man

healthy, wealthy and wise.

 

فإن الخالق العظيم قد أوصى بما اكتشفه الناس اليوم ووثقه في كتابه الكريم قبل أربعة عشر قرنا . فسبحان الله العظيم !

فيا ايها الناس

*[ .. أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {39} مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {40} ] يوسف .      

*[ رَبَّنَا

لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً

إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ {8} ] آلعمران

 

مدرسة الربّانيّـيـن

خطاب إسلامي رباني معاصر

يجمع بين اصالة النص القرآني وثباتِه

والتجديدِ في فهْمِه وتطبيقه

 

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس - [ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] -  فلسطين

 

 

 

 

 



[1] ] قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) [ المؤمنون . أي فيها كلها وليس ( بصَلاتهم )

[2] [ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) ] العلق .

[3] [ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا(1) ] الكهف .

وقد تكرر ربط عبودية الرسول لله بالكتاب والفرقان وءايات الله التي أنزلها الله سبحانه عليه ست مرات وفي المرة السابعة أكد الله سبحانه أنه ] كاف عبدَه [  الذي جاء بالصدق (وهو القرءان) وكلَّ عبد صَدّق بالقرءان (28-37/الزمر) .  أما في المرة الثامنة فقد ربط الله سبحانه عبدَه بالإسراء لأنه لم يكن له في الإسراء رأي ولا إرادة ] أسرى بعبده   [.

[4] ] وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) [ ص ، أي كثير الإياب إلى ربه (بصيغة فعّال) .

] إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) [ ص ، عن أيوب عليه السلام .

[5] ]… إِنَّ فِي ذَلِكَ لَأيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) [ سبأ .

[6] ولكنه سبحانه طلب منه أن يبيّن للناس في عصره وليس للعالمين ما نُزل إليهم وأن يَكشف ما خفي من تفصيلاته كما طلب من الناس أن يتفكروا ليبينوه كذلك :

*[ … وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ     (44) [ النحل .

*[ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) [ آل عمران . وقد أضاف الله سبحانه البيان إلى نفسه (28) مرة ، وللرسول 3/مرات ، وللنبي مرة واحدة ولغيره من الرسل مرتين ، وللناس مرتين .

[7] أدرك هذا شاعر حين عبّر عن هذا المفهوم ببيتين من الشعر:

حسبُ نفسي عزاً بأنيَ عبد   :     يحتفي بي بلا مواعيدَ ربُّ

هو في قدسه الأعز ولكن    :     أنا ألقى متى وأين أحب !!

[8] قوله سبحانه:

]* قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ …(46)[سبأ ،

فيه مفهومان أولهما ] إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ [  فليكن قيامكم (مثنى أو فرادى) أو (مثنى وفرادى) وهذا يعني أن يكرَّر الحوار مرتين أو ثلاثا أو يكون مرة واحدة عند الخوف . وثانيهما أن الحوار بين البشر أفضله ما كان بين اثنين يعود بعده كل واحد إلى نفسه يتفكر فيما له أو عليه ثم يعودان للحوار مرة أخرى فيصبح الحوار مثنى كذلك ، وربما مرة ثـالثة على الأكثر فيصبح الحـوار *] مَثْنَى وَفُرَادَى [ . أما إذا كان المتحاورون جماعة فسيتحول الحوار إلى تهويش ومزايدات ومبارزات لا تؤدي إلى نتيجة :

جدال الذين ظلموا من أهل الكنابين مهاترة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=209&cat=6

[9] لم ترد *] رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [ إلا مرة واحدة في الكتاب لينصرف مفهومها إلى الكتاب الدائم الذي يناسبه أن يكون من عند الله، لأن الكتاب الذي من عند الله أهم من شخص الرسول فالأول كلام الله تعالى غير مخلوق ولذلك لا يصيبه ما يصيب المخلوقين من الضعف والموت وانتهاء الصلاحية ، والثاني مخلوق يضعف ويموت وإنما تدوم رسالته التي هي القرءان . وقد اختص الله سبحانه رسوله محمداً عليه السلام بوصف *] رسول من الله [ التي لم ترد إلا مرة واحدة وفي سورة البينة . ومفهومها أنه رسول ينوب عن الله تعالى ويقوم مقامه حين يتلو ءايات الله فقط *] رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) [ البينة ، أي حالةَ كونه يتلوا ءايات الله مِن صحفها المطهرة . وقد ورد قوله سبحانه *] رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعلَمِين{61} {67} {104}  [الأعراف ، ثلاثَ مرات لتعود إلى رسل الله تعالى نوح وهود وموسى عليهم السلام . والفرق بين مفهومي التعبيرين تبيّنه الأيات ( 163- 169 ) النساء .. فتدبْرها لتعلم الفرق الكبير بين القران وكل ما نزل قبله على الرسل او أوحي الى النبيين بمن فيهم محمد سلام الله تعالى عليهم اجمعين .

[10] مهمة ] الرسول [ هي تبليغ ما أُنزل إليه من ربه ، فإذا طَبق ] مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ [  حُكماً وقضاءً فهو  ] من رسول [ إذ لا بد أن يقوم ببعض عمل ] الرسول [ في تبليغ ءايات الله لنفسه وللناس عند الرجوع إليها تشريعاً ، وبعمل النبي في التطبيق حين يوحَى إليه ايحاءات نبوية تطبيقية أو يجتهد في الفهم والتطبيق فيصيب ويخطيء .. علماً أن الله سبحانه لم يكن يُقرّه على خطأ في التطبيق النبوي العام بل يُصوبه قرءاناً . لذلك جاء وعد الله تعالى أن لا يرسل ] من رسول [ إلا ليطيعه الله سبحانه (يستجيب له) ويُحكّمه المؤمنون ويطيعوه :

*[ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) [النساء

 

ومن لطائف الله وكتابه أن قوله ] من رسول [ جاء بعد الأية (63) التي يشير رقمها إلى أن الرسول عليه السلام لن يكون موجوداً بعد العام الثالث والستين من عمره ، وأن من يأتي بعده سيكون قائماً ببعض عمله في تبليغ القرءان والإلتزام به وفي وجوب طاعته . من هنا لُقب أبو بكر رضي الله تعالى عنه بخليفة رسول الله الذي قام ببعض عمل الرسول . ولم يقم بكل عمل الرسول لأن الجزء الأخر من عمل الرسول كان تبلُّغَ ءايات الله من عند الله . وفي هذا الجزء من مهمة الرسول لم ولن يخلفه أحد إذ لا بد للرسول بمهمته المزدوجة تبلغاً وتبليغاً أن يكون نبيا ً. وقد قضى الله سبحانه وتعالى أن يكون (محمد) خاتم النبيين ، لتظل رسالته خالدة أبد الدهر وليكون مَن التزم بها إيماناً وتبليغاً قائماً ببعض عمل الرسول بحيث يطيعه الله سبحانه (يستجيب له) . فإذا كان من أولي الأمر أطاعه الله (استجاب له) ووجب على المؤمنين طاعته :

*[ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فَإِنْ تَنزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى (اللَّهِ وَالرَّسُولِ) إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْأخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) [النساء .

[11] حتى في الصلاة والزكاة أَمر الله سبحانه نساء النبي ( وهنّ أعلم الناس بما كان يفعله النبي ) أن يُطعن الله ورسوله (وليس نبيه) وفي الأية نفسها التي أمرهن أن يَقرَرن (يُقمن) في بيوتهن وألّا يظهرن على الناس دونما حاجة ولو بغير زينة :

*[ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلوةَ وَءَاتِينَ الزَّكوةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) [الأحزاب . وفي هذا بيان لكون قرار نساء النبي في بيوتهن هو طاعة لله ورسوله تماماً كما أُمر المؤمنون بطاعة الله ورسوله في كل أمر. أما ربط طاعتهن لله ورسوله في الصلاة والزكاة وهن أقرب الناس الى النبي فبيان لكل مؤمن أن الصلاة والزكاة كغيرهما من الأحكام يجب أن يُطاع فيهما الله ورسوله : الله فيما أنزل والرسول فيما بلّغ عنه – طاعة واحدة لا طاعتين

 

[12] الأمة الوسط هي التي لم يحمل عليها ربها إصراً (حملاً يصعب حمله) كما حمل على الذين من قبلهم إصراً وأغلالاً، فلم يُحمّلهم ما لا طاقة لهم به (286/البقرة) فلا يكون واحدهم مفرّطا ولا مفْرِطا ولا يحمل غلا ولا يُكنّ لأحد عداوة لشخصه لاتباعهم ما انزل الله . لهذا فهم يَصلحون للشهادة على الناس .

[13] ولكنه سبحانه امتدح الذين اتبعوا النبي كقائد عسكري في بعض غزواته كغزوة العسرة ووثق هذا قرءانا :

] لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) [ التوبة .

والاتّباع هنا هو المرافقة في عمل . وقد دلت الاية [ 64/الأنفال ] ان الذين اتبعوا النبي لم يكونوا كلُّهم مؤمنين :

[ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {64} ] .

 اما الاية (157/الأعراف) فتُقرر ان الذين اتبعوا الرسول (النبيّ الاميّ) كتب اللهُ لهم رحمته ، كما كتبها للذين يُؤمنون بئايات الله :

 [ وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {54} ] الأنعام .

[14] تاريخ الإسلام السياسي والديني – الدكتور حسن إبراهيم- ج1ص328- مكتبة النهضة المصرية- الطبعة السابعة 1964- القاهرة.

[15] ] أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) [ الطور ، 47/القلم .

[16] [ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ…(9) ] الزمر . 

[17] رقم الأية 114 يشير إلى أن الصلاة تقام بقراءة ءايات متنوعة من كل سور القرءان ال (114 ) بحيث يُختار منها في كل صلاة ما يناسب المقام والواقع فتكون ذكرا فعليا لله يتذكر الناس بها إجابات ربهم عن تساؤلاتهم وحُلوله لمشكلاتهم.

[18] (يهجعون) لم ترد في القرءان إلا مرة واحدة فمفهومها تحدده ءايات أخرى ويبينه الواقع . فبعد تحديد صلاتي المغرب والعشاء وأنهما في أول الليل ، والتوصية بالإستغفار في الأسحار وتحديد صلاة الفجر ءاخر الليل ، والكلام عن السبح الطويل في النهار وعن الضرب في الأرض فيه كما يشير الواقع فإن معنى يهجعون لا بد أن يكون : يسهرون أو يسمرون . فإن المتقين قليلاً ما يسهرون بعد صلاة العشاء ليسهل عليهم الاستيقاظ في الأسحار للاستغفار ولصلاة الفجر وقد جعل الله سبحانه الوقت من بعد صلاة العشاء إحدى العورات الثلاث التي لا تزاور فيها !!

[19] لم توصف عبادة ما بأنها ( نافلة ) أي (مغنما زائداً) إلا مرة واحدة في كتاب الله تعالى . وقوله عز وجل  ( لك ) وليس (عليك) إشارة إلى أن ثوابها أعظم بكثير من الجهد المبذول فيها ، فاستحق بسببها  ( مقاما محمودا ) . كما أن نزول هذا الأمر للرسول الكريم خاصة أكبر دليل على أنه ما كان يستطيع أن يعبد الله سبحانه ولو ] نافلة ) إلا بدليل قرءاني فكيف يحلّ لمؤمن عاقل أن يزعم بعد هذا أنه أتى بتفصيلات الصلاة من عنده وأنها لم تذكر في القرءان !؟



 
 
ما ينشر في هذا الموقع ( ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) ( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ) وليس حقا لفرد أو أفراد
2008