الاصالةُ والتجديدُ : الثابتُ والمتغيرُ

الحمد لله رب العالمين

(1)

* [ .. إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ... }11{ ... قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16}

أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ ⁽¹⁾ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ ⁽²⁾ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ {17} ... أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ {19} ] الرعد/التغيير .

*****

في هذا الموقع لنجوم الآيات من سورة الرعد ( 7-19 ) التي تُبين سُنن الله سبحانه التي لا تتبدل في التغيير ، يقرر الله سبحانه انه وحده الرب الحق  *[.. فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ] 32/يونس .. وانّ القرءان العظيم الذي انزله الى رسوله الكريم هو الحق كذلك :

* [ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ {176}‏ ] البقرة

فالقرءان هو الكتاب الحق الذي انزله الله الرب الحق على عبده ورسوله . بل هو منذ سَنة 632/م *[ الكتاب كُلّه ] All in one الذي أنزله الله طبعةً آخِرةً تتضمن كل ما ينفع البشر مما أنزله على كُلّ رسله :

ما ينفع الناس من وحي النبوات موثق في القرآن 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=46&cat=5

*****

وكما ان الله سبحانه ليس له شركاء خلقوا كخلقه فكذلك ليس هناك كتاب آخر كتبه مخلوقون هو مِثل كتابه . وفي مَثَلين حِسّيين من الواقع يبيّن الله سبحانه الفرق بين الحق والباطل : فكتابه سبحانه المنزل مباركا من السماء يُشبه الماء المنزل من السماء مباركا نقياً ، امّا ما أُضيف اليه مع الزمن من كلام ونصوص وتفسير وأكاذيب منها أحاديث .. فيشبه الزبد الرابي المتزايد الذي يحتمله سيل الاوديه . هذا مثل لأهل الزراعة من واقعهم .

وقد ضرب الله مثلا آخر من واقع اهل الصناعة . وذِكْر النار لفصل المعدن عن الزبد (الشوائب) اشارة الى صعوبة فصل الحق الذي ينفع الناس من خليط ( الحق والباطل ) بعد ان يطول عليه الامد ، كما هو ملاحظ الان .

وكما يحرص الناس على تنقية الماء والمعادن من الزبد والشوائب ، كذلك يجب ان يُنقّى الحق من الباطل ليظل الحق خالصا .

وقد ضرب الله سبحانه لذلك مثلاً ثالثاً يبين فيه ما هو أصلٌ ثابت هو الحق ، وما يجب ان يتغير ويتجدد لينفع الناس :

(2)

* [ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {24}‏ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25} ] ابراهيم .

ليَكمُل المفهوم تدبرْ الايات 26-30 بعدها :

مثل الشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=138&cat=2                

فكما ان للشجرة اصلاً واحداً هو الثابت فيها ، كذلك الكلام له اصل ثابت هو الكلمة الطيبة من كلمات الله القرآنية التي وصفها منزلها بانها تامّة ، مُفصّلة ، ثابتة ولاتبديل فيها . وجاء هذا الوصف بعد آية يشير رقمها ( 114 ) الى عدد سور القرءان الذي شهد الله أنه أنزله مفصَّلا (52/الأعراف) كما شهد الرسول نفسه أن الله سبحانه أنزله مُفصّلاً ، خلافا لافتراءات عبيد الأموات بأنه غير مفصل وأن النبي فصله بالسُّنة المزعومة المكذوبة على الله ورسوله :

*[ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً !!! وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {114} وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {115} ] الانعام .

مفهوم تفصيل الكتاب وبيان آياته

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=125&cat=5

*****

ولم يصفْ الله سبحانه فرع الشجرة ، في مقابل اصلها الثابت ، بانه متجدد متغير ليختبر ذكاء القاريء الذي يمكن ان يستنتجه من النص ، ويستيقن منه من الواقع المحسوس . فمن الواقع الزراعي نعلم ان الفرع المثمر للشجرة هو الفرع الجديد . اما الفرع القديم الذي اثمر في وقت ما وادّى ما عليه في حينه فيصبح بعد ان [ طالَ عَليْه الأمَدُ ] حطبا لا حياة فيه . لذلك تُقلّم الاشجار للتخلص من الفرع القديم الميت الذي افرزه واقع تغير كله او جُلّه فلا يبقى في مجمله من [ مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ] بل انه يشكل بعض الزبد الذي اشارت اليه ايات سورة الرعد .

(3)

 فالقرءان الكـريم وحْـده ( بنـياناً ثابتا بكلماته ، وبياناً متجدداً بفهْمه ) هو شجرة الإسلام الطـيبة في اصلها وفرعها المتجدد ، اذ لا ثـبات فـي غير اصلها . وهـو *[ أحسَن الحَديثِ ] 27/الزمر و *[ أحْسَن القَصَصِ ] 3/يوسف و أصدق القول والحديث . وهو البلاغ  الطيب قليل الكلمات  المقصود في الآيتين  ( 99 +100 ) من سورة المائدة :

الخبيث والطيب : الكثير والقليل

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=156&cat=3

 وفي ايات أُخرى كثيرة قُصرت مهمة الرسل على البلاغ والبلاغ المبين الذي حُصر في ما أُنزل الى الرسول من ربـه ( 67/المائدة )  . أصـله ( وهو النص القرءاني الرباني ) ثابت مقدس بكل حرف فيه ، لم تُنسخ منه كلمة ولاحرف بل هو* [ ذِكْرٌ للـعالَمين ]  و *[ ايات بيّنات في صدور الذين اوتوا العلم ] .. تعالج آياته اذا ربطت ببعضها وبالواقع ففهمت .. تعالج الواقع ومشكلاته مهما كانت .

اما الفرع المنبثق عن الاصل فهو الفهْم و البيان البشري المتجدد المتغير غير المقدس للنص كتابا وحكمة ايْ نظريةً وتطبيقا وهذا البيان النظري والتطبيق العملي المتجدّدان للنص الثابت هو الذي يثمر التغيير في سلوك الناس وادائهم . وهو مانحتاج اليه اليوم بعد ان طال الأمد على الفرع ( الفـهم والبيان ) القديم الذي مات فأمات ولم يعد صالحا للعصر . لهذا لانرى له ثمرا . لذلك تكرر قول الله سبحانه مرتين في مُجمل فهم الاقدمين وتطبيقاتهم العملية بمن فيهم النبيون منذ إبراهيم :

* [ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {134}‏ ] 134/البقرة ، 141/البقرة .

ولا يبقى مما ورثه البشر حقَّ يقين الاّ ما ينفع الناس مما انزله الله سبحانه انزالاً - عن طريق جبريل - على رُسُله ، ووثّقه للبشر وحفظه في القرآنِ العظيمِ الذي هو اليوم *[ الكتاب كُلّه ] 119/آل عمران  . لذلك يقول سبحانه *[ فآمِنوا باللهِ ورُسُله ] ، أيْ كتابه القرءان الذي فيه وحده ذِكْرُ كل رسله يقيناً :    

*[ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {19} [ الحديد .

*****

وعليه فإن الأصالة تمثلها فقط كلمات رب العالمين في كتابه القرءان . وهي اصالة انسانية عالميةٌ لأن الله هو رب العالمين ، وكتابه *[ ذِكرٌ للعالَمين ] .  اما الفهم والتطبيق فيجب ان يكونا متجدديْن على الدوام ليناسبا الواقع المتجدد .

بهذا فقط نضع معادلةً مفهومةً للثابت و المتغير حين ندرك ان كتاب الله القرءان هو وحده بـنيان ثـابت معجز لا يتغير *[ تبياناً لكل شيء ] يتغير . هذه هي الميزة التي لا تتوفر في أي كتاب سوى كتاب الله القرآنِ .

*[  فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ؟!

{49} كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ {50} فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ !!!!!!! {51}

بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً !! {52}

كَلَّا ! بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ {53} ] المدّثر

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---