5/2/2024
 
 

بحث في الموقع

 
 

 مواضيع مختــارة

 

      

 

     

2/22/2012 5:39:00 PM

عدد القراءات: 12771
عدد التعليقات: 15




11/16/2011 4:08:00 PM

عدد القراءات: 12335
عدد التعليقات: 9


8/27/2010 12:22:00 PM

عدد القراءات: 43744
عدد التعليقات: 1212


8/22/2010 11:38:00 AM

عدد القراءات: 13884
عدد التعليقات: 3





7/26/2010 7:06:00 PM

عدد القراءات: 15021
عدد التعليقات: 4





4/27/2010 1:11:00 AM

عدد القراءات: 14698
عدد التعليقات: 22



     

 

  

  

 
 
 

 

 

أبحــــاث

فنُّ الإلقاءِ والخِطابةِ : مَن لا يُحسنُ الكلامَ لا يُحسنُ العمَلَ

2/24/2011 1:30:00 AM

عدد المشاهدات:11547  عدد التعليقات: 1
2/24/2011 1:30:00 AM

محمد راجح يوسف دويكات

 

 

فنُّ الإلقاءِ والخِطابةِ : مَن لا يُحسنُ الكلامَ لا يُحسنُ العمَلَ  

فالكلامُ هو خُطةُ العملِ .

فكيف يُحسِنُ قيادةَ الناسَ مَن لا يُحسنُ مُخاطبَتهم ؟

*[ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ {34} ] القصص .

  

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين

مُقَـدَّمة

 فنُّ الإلقاءِ والخِطابةِ هو الأسلوبُ الفصيح الذي يُؤَدَّى به الكلامُ تعبيراً شفهياً إلى جمهورٍ من المستمعينَ بشكلٍ مُؤثِّرٍ يجعلهم يُصدقون المتكلم . وتتوقف فنِّيةُ الإلقاء على عناصرَ أربعةٍ تُؤثِّر في الخِطابِ أو الكلامِ المُلقَى . ويُحدِدُ علامتَها/درجَتها :

1.     الخطيبُ المتكلمُ مِن حيثُ استعدادُ الناسِ للإصغاءِ إليه وثقتُهم فيه .

2.     الخطابُ مِن حيثُ اسلوبُ نصِّهِ ، ومضمونُه : أي مبناهُ ، ومعناه .

3.     الناسُ المخاطَبونَ .

4.     اسلوبُ الإلقاءِ الذي نحنُ بصَدَدِهِ ، من حيثُ اتِّصافُه بخصائصِ التأثيرِ والإقناعِ .

(1)

الخطيبُ المُتكلِّمُ

تتعلق بشخصِ الخطيبِ المتكلمِ مؤهِّلاتٌ تُسهمُ في رفْعِ علامةِ الخطابِ :

أ. سلامةُ لسانِ الخطيب من عيوبِ النُّطقِ المختلفةِ ، لانَّ صناعةَ التعبيرِ الشفهي والخِطابةِ آلَتُها اللسانُ . فيَصْعُبُ على مَنْ كانتْ التُه معطوبةً أنْ يُتقنَ العملَ بها .

ب. مدى ثقةِ الناسِ فيه ، واستعْدادُهم للإصغاءِ إليه حين يعرفونه (1) صادقَ الكلام (2) وقدوةً تطبيقيةً حسنةً فلا يقول مالا يفعل (2-3/الصف) .

*[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ {119} ] التوبة .

*[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ {2} كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ {3} ] الصف .

وعلى الخطيبِ الجديدِ على الناسِ أنْ يبذُلَ جُهداً اكثرَ لمُراعاةِ مؤهِّلات الخطابِ الجيدِ ، من اجْلِ خلْقِ الثقةِ فيه ابتداءً ، تلك الثقةِ التي تُعتَبرُ بعدئذٍ عاملاً مساعداً لإنجاحِ الخطابِ ، وتقليلِ الجُهد المبذولِ فيه إعداداً وإلقاءً .

*****

ج. تحلّي الخطيبِ بالجرأةِ التي تمكِّنُه من مقابلة الجمهور ومخاطبته وخاصة إذا خاطبهم ارتجالاً . فإنْ فَقَدَ الجُرأة أُرْتِجَ عليهِ ، وانعقَدَ لسانُه . على انَّ اجْرأ الخطباءِ لابُدَّ انْ يتهيَّبَ مخاطبةَ الجمهورِ ابتداءً . ولكنْ في اللحظةِ التي يبدأُ فيها الخطيبُ المؤهَّل الكلامَ ، ينسى رهبةَ الموقفِ فتنسابُ مِن فيهِ الكلماتُ وكأنَّه يغرِفُ مِن بحرٍ ، كما ينسى المحارب ُالخوفَ إذا دخل المعركةَ ، مع فارقٍ في قلةِ الخطباءِ وكثرةِ المُحارِبينَ !!

إن الشجاعةَ في القلوبِ كثيرةٌ : ورأيتُ شجعانَ العُقول قليلا !

ويجدر بمن أعوزتْه سلامة اللسان أن لا يُصر على الخطابة حتى لو كان جريئا . ولعل مَثَل موسى وهارون يُبين الفرق :

*[ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ {33} وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ {34} قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ {35} ] القصص .

وربما بسبب (1) انخفاض مستوى الفصاحة عند موسى وبسبب (2) عجَلةٍ فيه (جعلت قومه يعبدون العِجْلَ) لم ينجح في قيادة بني إسرائيل ، مع أنه نجح في تبليغهم آيات الله تلاوةً :

*[ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ {24} قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ {25} ] المائدة .

لهذا فارقهم بعدما تكرر عصيانُهم له ، وقرر الذهابَ إلى أهلِ مَدين والإقامةَ فيهم يتلو عليهم آيات الله ، مجردَ تلاوةٍ :

*[ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ {45} ] القصص .

*****

د. تَحلّي الخطيب بالحكمة التي تجعل صاحبَها يضع الشيء في محله ويُحسن مراعاةَ الواقع المتجدد دون أن ينزل إلى حضيض الكذب والتضليلِ بالرياء الجماعي (الغوغائية) ، فإنَّ حبل الكذب قصير مهما ظنَّه الجاهلون طويلا . فإذا عُرف المتكلم الخطيب بالكذب والتضليل والغوغائية فقَـد ثقة الناس فيه ورغبتهم في الإستماع إليه وكان عاقبةُ أمره خُسراً .

ومن الحكمة والجُرأة معاً أن يعترف المُخطيء بخطئه ولا يُصرَّ عليه ، فإنَّ الإعترافَ يهدم الإقترافَ ويُؤدي إلى تعاطف الناس مع المخطيء المعترف بخطئه ولا يُسثنى من هذا الحُكام بشرط أنْ لا يطغوْا في البلاد فيُكثروا فيها الفساد  :

والأحداث التي شهدتها بلاد العرب في القرن الأخير شاهد عملي على قِصر حبلِ الكذب والرياء الفردي والجماعي (الغوغائية) ، والإصرارِ على الذنْب  :

*[ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ {17} ... وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ {20} ] ص .

*[ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {135} ] آل عمران .

*[ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {102} ] التوبة

(2)

الخِطابُ نفْسُه

أوّلاً : من حيثُ اسلوبُ نَصِّه

 ينبغي الاهتمامُ بما يلي :

1.                             أن تكونَ كلماتُ النصِّ سليمةً - وبالنسبةِ لأغلبيةِ الخطباءِ والمتكلمينَ - مشكولةً لضمانِ صحةِ اللسان . لأنَّ ضعفَ كلمات النصِّ ، واللَّحْنَ فيها يوحيان بانخفاضِ مُستوى المتكلمِ العامِّ : الفكريِّ واللساني . فيُضعِفُ ذلك الثقةَ فيه والاهتمامَ بما يقولُ . على انه يحسنُ تجنُّبُ التقعُّرِ ، وتكلُّفِ البلاغةِ والسجعِ السَّمِجِ . استمعْ إلى ابنِ المُقفَّعِ ، صاحبِ السهلِ الممتنعِ ، وقد سُئلَ :

ما خيرُ السجعِ ؟  قال    :   ما خفَّ على السمْعِ !

قيل َ له : مثلُ ماذا   ؟     قال  :  مثلُ هذا !

2.                             أنْ لا يكونَ الخطابُ على وتيرةٍ واحدةٍ من الجملِ الإخباريةِ ، فإن ذلك مَدْعاةٌ لملَلِ المستمعينَ . وربما نامَ بعضُهم كما يحصلُ عندما يستمعُ شخصٌ مستلقٍ إلى نشرةِ أخبارٍ فارغةٍ او خطبة جمعة أو تعليقٍ تافهٍ . ويحسنُ انْ يُصاغَ الخطابُ من جُمَلٍ إخباريةٍ وطَلَبيةٍ متنوعةٍ .

3.                             أن تكونَ المقتبساتُ والتضميناتُ متنوعةً بين آياتٍ كريمةٍ ، وآثارٍ تطبيقية تصلح للعصر من السيرةِ النبويةِ (لا السُّنةِ المفتراة) تناسب الواقع ولا ينقضها كتابُ الله ، وابياتٍ شعريةٍ طريفةٍ ، وأمثالٍ وحِكَمٍ واقوالٍ مأثورةٍ ، وقِصصٍ قصيرةٍ مثيرةٍ تنسجم كلها مع كتاب الله العظيم .. على ان لا تُنسبَ إلى أفراد بعينهم حتى لا تكونَ أسماؤهم هي الحُجةَ فيحتجَّ الناس بأسمائهم على الحقُّ ، بدلا من أن يحتجوا بالحق عليهم وعلى غيرهم .. وعلى أن لا تُحشَرَ في سياقِ الخطابِ حشْراً ، بل تكونَ مناسِبةً للفكرةِ او المفهومِ . فإنَّ الاقوالَ المأثورةَ والحِكَمَ والأمثالَ ( شعراً كانت او نثرا ) اذا لم تخالف نصوص كتاب الله تعالى .. هي تعبيراتٌ بليغةٌ انطبقتْ تماما على تجارِبَ وتطبيقاتٍ تكررتْ حتى اصبحتْ مفاهيمَ ومُسَلَّماتٍ في واقع معين . وإنَّ استعادَتَها الى الذاكرةِ في واقع مشابه بالآستشهادِ بها على صحة فكرةٍ يجعلُ الفكرةَ مفهوماً مُقنعا . استمعْ الى شاعر يقول :

واذا امرؤٌ مدحَ امرءاً لِنَوالِهِ   :   وأطالَ فيه فقدْ ارادَ هجاءَهُ !

فإن المستمعَ لا يفهمُ كيف تُعتبرُ المبالغةُ في مدْحِ مَن يُرجى عطاؤُه هجاءً ! فهذه الفكرةُ بالنسبةِ للسامعِ غيرُ مفهومةٍ وغير مقنعةِ . ولكنه حين يستمع الى المَثلِ الواقعيِ المحسوسِ الذي ضربه الشاعرُ دليلاً على صحةِ دعواهُ ، تصبحُ الفكرةُ مفهوماً مُقنعاً مُؤثراً . استمع :

لو لم يُقدَّر فيه بُعْدَ المُستَقى  :  عندَ الوُرودِ لما أطالَ رِشاءَهُ !

فإنَّ البئرَ العميقةَ ، البعيدَ ماؤُها ، هي التي تحتاجُ الى حبلٍ ( رشاءٍ ) طويلٍ ! ثم إن الامثالَ والحِكَمَ والاقوالَ المأثورةَ هي تعبيراتٌ بيانيةٌ مؤثِّرةُ صاغها مختصونَ . فإذا استعيرت ووضعت في مكانها وزمانها يكون لها وقعُ السحرْ على المستمعينَ ، السحرِ الذي عناه أثَر يقول : ( إنَّ من البيانِ لَسِحْرا )  لذلك ظن العرب ان القرءان الكريم سِحرٌ لعِظم تأثيره فيمن يستمعونه ، ولم يعرفوا أنّ السحر باطل سريع الزوال . اما القرءان فحقٌّ يَدفع الباطلَ فإذا هو زاهق كأفعى موسى وعِصيِّ سَحرةِ فرعون وحِبالِهم :

حين جاء موسى وألقى العصا : فقد بطَل السحرُ والساحرُ !

ومثل هذا البيان هو ما قَصَدَه شاعرُ بقوله :

إنَّ في الحكمةِ البليغةِ للرو: حِ غذاءً ، كالطبِ للأجسادِ

استمعْ الى السحْرِ في قوْلِ مَن قال :

العجزُ عجزانِ :

التقصيرُ في طلبِ الأمرِ وقدْ أمْكَنَ ... والجِدُ في طلَبهِ وقدْ فاتَ !!

واستمعْ الى بعض حكمة الأوّلين وهي تسحرُكَ :

إستغْنِ عمَّن شئتَ تكُنْ نظيرَه .. واحتَجْ إلى مَن شئتَ تكُنْ أسيرَه ...

 وأحسِنْ الى مَن شئتَ تكنْ أميرَه !

والى قول من قال :

إثنانِ معذَّبان : غنيُّ حصلتْ له الدنيا فهو بها مَهمومٌ

وفقيرٌ زُويتْ عنه الدنيا فهو عليها مَغمومٌ

ثم من شاعر حكيم :

النفسُ تجزعُ انْ تكونَ  فقيرةً  : والفقرُ خيرٌ من غِنىً يُطغيها

اللهمَّ وسَّعْ علينا في الدنيا وزهِّدنا فيما لا يرضيك منها ..

ولا تُزْوِها عنا وتُرغِّبْنا فيها !

والى القوْلِ الفصلِ من الله سبحانه :

*[ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ {27} [ الشورى .

 

الخطابُ نفْسُه

ثانياً : مِن حيثُ مضمونُه ومعانيه

ينبغي أن يُراعى ما يلي :

1. مناسبةُ المقالِ للمَقامِ : أي مناسبةُ افكارِ ومفاهيمِ وحجْمِ الخطابِ للمناسبة التي يُلقى فيها . وهذه الخصيصة هي أهمُّ صفاتِ الكلمةِ الناجحةِ المؤثرةِ . بل هي دليل الحكمةِ العامةِ التي تقتضي وضعَ الشيءِ في مَحِلِّهِ . ومِثلُ مناسبةِ المقالِ للمقامِ مناسبةُ الموقفِ للموقفِ .

فوضعُ الندى في موضعِ السيفِ بالعُلا : مُضِرٌّ كوضْع السيفِ في موْضعِ الندى

*****

على ان حجم الخطاب يحسُنُ ان يكونَ معقولاً دائماً ، مع تجنبِ الطولِ الزائدِ عن الحاجة ، لانِّ للناسِ طاقةَ تحَمُّلٍ محدودةً ينبغي احترامها ومُلاحظتُها للتكيُّفِ معها .

كما ان بعض المناسباتِ والظروفِ تُملي على الخطيب توقيتا معيَّنا لا يجدُرُ ان يتعداهُ ، كما هو الحالُ في خُطبةِ الجُمعةِ (في الواقع الحالي) التي يستمع اليها عادةً خليطٌ من الناسِ في أعمارهم وأمراضهم وظروفهم فيَملّون وينامون ، مالم يكن فيها جديد يُبقي المستمعين مشدودين الى الاستزادة منه .

 الجديد من القرءان والواقع عن صلاة الجمعة       

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=9&cat=3

لذلك اوصى الله المؤمنين متكلمين ومستمعين قائلا :

*[ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ {17} الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {18} ] الزمر .

وأحسن القول هو قول الله سبحانه الذي يناسب الواقع ويعالجه . واقل حُسنا منه كلام البشر اذا ناسب الواقع .

2. انْ يحتويَ الخطابُ على مفاهيمَ عمليةٍ اكثرَ من الافكارِ والمعلوماتِ النظريةِ لأنّ كلَّ الناس او جُلَّهم يهتمونَ بما يَمَسُّ واقعهم ويعالجُ مُشكلاتِ هذا الواقع .  أما الافكارُ النظريةُ فتثيرُ اهتمامَ الفلاسفةِ والمفكرينَ ، كما تثيرُ المعلوماتُ المجردةُ اهتمام العلماءِ وأُولي الألباب ، وقليلٌ ما هُمْ . وأكثرُ من يحتاجون إلى معرفة هذه الحقيقة حينما يخطبون هم رجال الدولة والسياسيون إذا أرادوا أن يكونوا مؤثِّرين .

ومَثَلُ الافكارِ والمعلوماتِ من جهةٍ ، والمفاهيمِ من جهةٍ اخرى كمَثَلِ النِّفطِ الخام ، ومشتقاتهِ المُصَنَّعةِ . فالنفطُ الخامُ لا يُستفادُ منه الا بعد تصنيعهِ وتحويلِه الى مشتقاتٍ يمكنُ الاستفادةُ منها بسهولةٍ ، وتحويلِها الى طاقةٍ كالبنزينِ والغازِ والكازِ والديزلِ . وكذلك الافكارُ النظريةُ والمعلوماتُ المجردةُ ، لا يستفاد منها عملياً الا اذا هُضِمتْ وصُنِّعتْ أي فُهمت بالتدبُّرِ ، وحُولتْ بالتطبيق الى مفاهيمَ عمليةٍ ومعارفَ تُغَيِّرُ سلوك الناسِ . لأن الافكارَ لا تفهمها غالبا الا قلةٌ من الناسِ . ومِثلُ هذا يُقالُ عن الطعامِ  والغذاءِ بعد هضمِه .

اما حينما تُفهَمُ اوّلا بالتفكر فيها وثانيا بالتطبيقِ ، او ثانيا باستدعاء واقعةِ او تجربةِ تطبيقِها الى الذاكرةِ ، فإن معظم الناسِ يمكنُ ان يفهموها بحيثُ تُغَيِّرُ سلوكَهم .

فالعِلمُ و الفهمُ ( الحُكم) = مفاهيمَ عمليةً تؤدي الى تغييرٍ في السلوكِ وإلى عملٍ

*****

اما العلمُ وَحْدهُ بدون فهمٍ ومفاهيمَ عمليةٍ تطبيقيةٍ تستند الى نصوص يقينيةٍ فَمَثَلُ صاحبه كالحمارِ يَحملُ أسفارأ ، لانه لا يستفيدُ من علمه في تغييرِ سلوكهِ ، كما لا يستفيدُ الحمارُ بداهةً من حملِ اكياسٍ من كُتبِ العلمِ (5/الجمعة) . فاذا سمعنا عن عالمٍ لا يعملُ بعِلْمهِ فهو حاملُ علمٍ فقط ، ولكنه لا يفهمُ ما يحملُ فليس عندَهُ ما يؤثِّر فيه ، ويدفعه الى تغيير سلوكه والى العمل .

لهذا فهِم الأقدمون انّ الرباني هو عالمٌ عاملٌ اختصاراً ، فلم يستفد أحد من هذا التعريف حين لم يُربط بكتاب الله ، لأن الرباني أصلا هو مَن يُعلِّم كتاب الله ملتزما به وحده ، ويدرس كل شيء يعينه على فهمه (79/آل عمران) . لهذا يؤثر فيه علمُه وفهمُه قبل ان يؤثر في مَن يُعلّمهم .

فلا يسمى عالما إلاّ مَن فهمَِ وعَمِلَ ، فاثرتْ فيه مفاهيمُ عِلْمِه بالكتاب/القرآن فطبَّقها عملياً .

مؤهلات العلماء من كتاب الله العظيم                 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=34&cat=3

قال فقيهٌ لأحد الخلفاء :

فافهمْ ذلك يا اميرَ المؤمنينَ

قال الخليفة : وكيفَ لا افهمُ ! قال : تسمعُ ولا تعملُ بما تسمعُ .

فعدم العمل هو غالباً دليل فساد الدليل أو دليلُ عدمِ فهم الدليل الحق ،

كما ان العمل والتطبيق يرفع درجة الفهم .

ويُصدّقُ هذه الحقيقةَ أمرانِ :

الواقعُ اوَّلا كما اسلفتُ ، وقوله سبحانه ثانيا :

* [ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء {28} [ فاطر

 فلا يكون عالما يخشى الله تعالى فيؤثرعلمُه فيه مَن لم يُحِط علما بآيات الله في الكون المنظور وايآته سبحانه في الكتاب المسطور (27 – 32/فاطر) . فقد نَفى اللهُ عز وجلَّ اسمَ العاِلمِ عمَّن لا يستطيعُ بعلمه انْ يَفهمَ رأسَ الحقائقِ : وحدانيةَ الربِّ الذي خَلَقَ وعَظَمتَه ، لأنه إذا فهِمَ بالملاحظةِ والتدبُّرِ والتفكُّرِ صفاتِ الله تعالى التي من اهمّها : الوحدانيةُ ، والعلمُ والقدرةُ المُطلقانِ .. اذا فهم ذلك ارتقى مِن مرتبةِ الخوف من الله الذي باعثُه تجنُّبُ العقوبةِ - وهي مرتبةُ العامةِ - الى مرتبةِ خَشيةِ الله ( الوَرَعِ ) التي باعثها المهابةُ ، أي الحُب والاعجابُ والإجلالُ والحياءُ منه تبارَك وتعالى . وتتكون هذه لديه بعد الإطلاع على آياته في عوالِم الكون الثلاثة : عالَم النبات وعالم الجماد وعالم الاحياء ، كما تشير ايات سورة فاطر (27 - 34) :

مؤهلات العلماء من كتاب الله العظيم                 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=34&cat=3

وشتان بين منْ يعملُ خوفا ومن يعملُ حياءً وإجلالاً .. لان العملَ خوفاً يليقُ بمرتبةِ الايمانِ ، امّا العملُ حياءً وإجلالاً فيليقُ بمرتبةِ الإحسانِ والمُحسنينَ الذين يُطيعونَ اللهَ سبحانه حباً وإجلالاً ويَروْنَه بعين اليقين رقيباً عليهم :

الكاميرا الخفية

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=153&cat=3

ومن ذلك نَرى انَّ ( الفهمَ ) او الحُكْم هو الحَلْقةُ المفقودةُ في معادلةِ العلمِ والعملِ عند كثيرٍ ممن كانوا يتعجبونَ فلا يعرفون تفسيرا لكونِ زيدٍ من الناس عالماً عاملاً ، بينما عمروٌ مَثَلا ذو عِلْمٍ غيرُ عاملٍ .

فالعالِم - وكذلك الخطيبُ - الحكيمُ يخرجُ كلامُه من القلبِ ليستقرَّ في القلبِ فيكونَ مؤثراً مُقنعا . اما المتكلمُ بما لا يفهمُ فإنَّ كلامَه يخرجُ من اللسانِ ، فيكون صفَّ حروفٍ وجرْشَ كلام لا يُجاوِزُ الآذان .

 ففاقدُ الفهمِ لا يُفهِّمُ ، وفاقد الشيءِ لا يعطيهِ !

وفكرةُ توحيدِ الرب الذي خلقَ سبحانه - مَثلا - لا يمكن تحويلُها الى مفهومٍ بمجرَّد تكرارها مئاتِ المراتِ ، بينما تتحولُ الى مفهومٍ بل مفاهيمَ بملاحظةِ الواقعِ وأمثاله المحسوسة وبالتدبُّرِ :

فمن الواقعِ نُدركُ انَّ ايةَ دولةٍ او مؤسسةٍ ، لا تستقيمُ فيها الامور اذا كانت بلا رئيسٍ ، او كان رئيسُها ضعيفا غيرَ كفيِّ ، او كان يديرها اكثرُ من واحدٍ . فإذا أخذنا الكونَ بما فيه من نظامٍ وتناسقٍ وانعدامِ فوضى مثَلاً حسيا ، فهِمنا انه لا بُد من وجودِ خالقٍ ربٍّ مدبِّرٍ عظيمٍ واحدٍ . هذا مفهومُ قوله سبحانه :

* [ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا {22} ] الأنبياء .

* [ مَا اتَّـخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضـُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {91} ] المؤمنون . 

*****

 فإذا أخذنا نظامَ الحكمِ السليمَ في الأرض مثَلاً على نظامِ حكمِ الكونِ ، ادركنا فسادَ انظمةِ الحكمِ الجماعيةِ ، وفهِمنا انَّ نظامَ الحكمِ الصحيحَ لا بُد انْ يكون (1) القرارُ النظري فيه في النهاية لواحد يستشيرَ اصحاب الخبرات والمعنيينَ ثم يأخذ برأي الأقوى دليلا . (2) أما البدائل التطبيقية فتُترك للأمة تختار أكثريتُها منها ما يناسبها .. على أن تلتزم السلطة التنفيذيةُ المُنتَخبةُ كلُّها بما يحكم به (مجلسُ الخلافة الدستوري الأعلى) غيرُ المُنتَخب في أيِّ خلاف بين السلطة والأُمة .. كما بينا في بحث غيرِ مسبوقٍ عنوانه :

بديل ثقافة العنف لتغيير  الأنظمة وإصلاحها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=2&cat=5

وحتى لا يجد الحاكمُ/رأسُ السلطة التنفيذيةِ نفسه معزولا عن الأُمة :

أ. عليه أن يكون ليِّنا من غير ضعف ، قويا من غير عُنفٍ  كما وصف الله سبحانه النبي الأمين حاكماً :

* [ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ  {159} [ آل عمران .

ب. وعليه أن لا يُطيل مُكثه في الحكم أكثر من ثماني إلى عشر سنين لأن الناس يملّونه بعدها حتى لو كان قويا أمينا كما كان عمر بن الخطاب . لهذا توفى الله النبي محمدا بعد عشر سنين في الحُكم ، ومات عُمر مقتولا بعد عشر سنين بعد أن ملّه الناس وكذلك عثمان :

*[ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ {27} قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ {28}‏ ] القصص .

القرآن سبق إلى تحديد مدة السلطة التنفيذية

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=284&cat=6

 

3. ألا يتضمنَ الخطابُ او الكلامُ تجريحاً فردياً لأحدِ الناس بالاسمِ ، او احدى الفئاتِ بالاسمِ . والاصحُّ استبدالُ التعريضِ العامِ بالتجريحِ الفرديِ . اذ كان النبي ذو الحكمةِ والخُلُقِ العظيمِ يستعملُ عباراتٍ مثلَ : ما بالُ اقوامٍ يفعلون كذا وكذا ، تعريضا لا تخصيصا . وقد خلا القران الكريم من ذِكر اسم ايٍّ من المكذبينَ واعداءِ الله ورسولِه إلاّ ابا لهب .

 

 على ان التعريضَ العامَّ يختلفُ عن القياسِ الشُّموليِ الذي يُدخلُ كلَّ المستمعينَ في وصفٍ استحقَّه احدُهم او بعضُهم فيثيرُ ذلك حفيظَتَهم . وهو شبيهٌ عَمَلياً بالعقابِ الجماعيِّ الذي لا تَخفى آثارُه السيئةُ .

فبَدَلاً من القولِ : انَّ اهلَ البلدةِ الفلانيةِ او طلابَ الصفِّ الفلانيِ يُسيئونَ بفعلِ كذا ... يقولُ إن بعضَ اهلِ البلدةِ ، او بعضَ طلابِ ذاك الصفِ يستحقونَ عقوبةً مثلا على كذا وكذا ...

 

4. انْ يتَّصفَ الخطابُ بالتبشيرِ لا التنفيرِ ، وبإشاعةِ التفاؤُلِ وبثِّ روحِ الاملِ بَدلَ التيئيسِ ، على انَّ ذلك لا يعني صرفَ الوُعودِ الفارغةِ والأمانيَّ التي لا اساسَ لها . فإن بوارقَ الاملِ لا يخلو منها زمانٌ ولا مكانُ . لذلك كان القرآن الكريمُ بشيرا ونذيرا .

(3)

الناسُ المُخاطَـبونَ

ينبغي انْ يكونَ الخِطابُ الشفهيُّ مَبنىً ومَعنىً في مستوى السامعينَ ، بحيثُ يفهمونَه ويجدونَ فيه جديداً مثيراً للانتباهِ والاهتمامِ ، وأنْ تكونَ الامثلةُ من واقِعِهم لأن ذلك ادعى للفهمِ : فإن كان المستمعونَ متنوعينَ في مستوياتهم وخلْفياتِهم كان على المتكلمِ انْ يبذُلَ جُهداً اكبرَ ، ويُظهرَ بلاغةً يستطيعُ بها ان يُفهمَهم ويُرضِيَهم . سُئلَ احدُ البُلغاءِ : ما البلاعةُ ؟ فقال : ما فهِمتْهُ العامةُ ورضيتْ به الخاصةُ . وهي اسلوبُ السهلِ الممتنعِ الذي إذا سمِعَه الجاهلُ ظنَّ انه يُحسنُ مِثلَهُ .. فإذا حاول اخفقَ .

اذ ليسَ اصعبَ من صياغةِ كلامٍ كثيرٍ تكونُ عباراته مثاني : يُرضي مُختلِفَ الناسِ في افكارهم ومستوياتهم . فإن هذا هو سرُّ الاعجازِ في القرانِ الكريمِ : اعجازٍ  في الاسلوبِ . فهو خطابُ الخالقِ سبحانه لناسٍ مختلفينَ في مستوياتهم وتفكيرهم في الجيلِ والعصرِ الواحدِ ، ومختلفينَ اكثرَ على مدى العصورِ . وإن مخاطبتَهم كلِّهم بكلامٍ يُرضيهم ويفهمونه في كلِ عصرٍ ، دون ان يأتيَه الباطلُ من بين يديْه ولا من خلفِه ، أي على مدى الازمنةِ الثلاثةِ ماضياً وحاضرا ومستقبلاً .. امرُ يَعجزُ عنه إلاّ عليمٌ مُطلعٌ على الغيبِ ، قديرٌ على اختيار الكلماتِ والحروفِ والعباراتِ والإحصاءاتِ في نظامٍ واسلوبٍ يستفيدُ منه جميعُ الناسِ .

لهذا يُعتبَر القرآنُ الكريمُ مائدةً تجدُ عليها من اصنافِ الطعامِ ما يناسبُ كلَّ اذواقِ الخلْقِ المختلفةِ مع خُلوِّها تماما مما تعافه النفس ، او يشتهيه ذوقُ سقيمُ . اما البشرُ فقدرتهم على هذا محدودةٌ ، لذلك كان بيان الله تعالى الانساني العام اصحَّ بيانٍ واوضحَه ، بحيث اختصَّ به نفسه ولم يتركه للبشرِ حتى ولا للنبيِّ نفسه كما يتضح في اكثر من موقع في القرآن المجيدَ :

* [ .. يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {176} [ النساء

* [ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {242} ] البقرة

مفهوم تفصيل الكتاب ومفهوم بيان آياته

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=125&cat=5

 لهذا السبب لم يصحَّ عن النبيِ الأمين تفسيرٌ للقرانِ سوى بيانٍ تطبيقي لآياتِ الأحكامِ الفقهيةِ العمليةِ لأهل عصره وأحيانا لساعته . امّا ما سوى ذلك فقد تُركَ لكلِ جيلٍ وعصْرٍ ان يكتشفَ من كنوزه وعجائبه ما يفتحُ الله تعالى به عليهِ . وفي مثلِ ذلك كان بعض العارفين يقولُ اذا سُئلَ عما لا يعرف : دعوه لوقتٍ  يأذنُ الله لعقولٍ ان تجِدهُ .

وليسَ أمام من يخطبُ في جمعٍ غيرِ متجانسٍ ، او يعلِّمُ صفاً كذلك ، الا ان يراعيَ في معظمِ خطبتهِ او درسهِ مُستوى متوسطِ المستمعينَ ، وهم الاغلبيةُ عادةً ، على ان يرتفعَ احيانا الى مستوى الخاصةِ كي لا يظلِمَهم ، وينزلَ حيناً الى مستوى البُسطاءِ او ضعفاءِ الفهمِ كي لا يفتِنَهم ! 

(4)

أُسلوبُ الإلقاءِ

كما لِكتابةِ نَصِّ الخطابِ اسلوبٌ ، فإن لإلقائِه ، بحيث يكون مثيراً للاهتمام ومؤثراً ، اسلوباً . ولا يُكسِب الاسلوبَ الخطابيَ تأثيراً شيءٌ ككثرةِ السماعِ وتجربةِ الخَطابةِ . كما لا يُكسب اللسانَ سلامةً ككثرةِ القراءةِ والكتابةِ . ولعلَّ اسلوبَ الكلامِ اضافةً لمضمونهِ هما اوضحُ واسرعُ مقياسٍ للحكمِ على مستوى كفاءَة الافرادِ . ولم اجد تعبيرا عن هذا المفهومِ من كلامِ البشرِ ابلغَ من قولِ مَن قال :

وزِنْ الكلامَ اذا نطقتَ فإنما : عقلُ الفتى في صوتِه المسموعِ

كالمرءِ يختبرُ الإناءَ بصوتهِ  :  فيرى الصحيحَ به من المَصدوعِ !!

ولتحسينِ اسلوبِ الالقاءِ يحسنُ الإنتباهُ الى مايلي :

1. الخُطبةَ المرتجلةَ - حقيقةً او تمثيلاً - اكثرُ تأثيراً في النفوسِ من الخطبةِ المكتوبةِ ، اذا تساويا في جودةِ النصِ : فإنها تَنِمُّ عن قدرةٍ في الخطيب او المتكلمِ تزيدُ من ثقةِ المستمعينَ فيه وفي مستواهُ ، كما انَّ عدم الإنشغالِ بالقراءةِ عن ورقةِ يُمكِّن الخطيبَ المُتمرِّسَ بالطبعِ من الاهتمامِ بالمستمعينَ لجلْب اهتمامهم ، ويتيح له فرصةَ استعمالِ الاشاراتِ المناسبةِ دون عائقٍ ، سواءٌ بيديه او بقَسَماتِ وجههِ .

والخِطابةُ ، والارتجالُ بشكلٍ خاصٍ ، مَلَكةٌ وموْهبةٌ ككلِّ المَلَكاتِ والمواهبِ التي قسمها الخالقُ العادلُ بين الناسِ بحِكمةٍ وعدلٍ ، لتحقيقِ التكاملِ فالتعاونِ بينهم . إلا انها ككلِ المَلَكاتِ والمواهبِ  ايضاً قد تظلُ كنزاً في مزبلةٍ إن لم تُستغلَّ وتُنمى وتُصقلَ بالاكتسابِ والاستعمالِ .

وينبغي التذكُّرُ انَّ معظمَ الخُطبِ المرتجلةِ تكونُ في الحقيقةِ مُعَدَّةً إعداداً كاملا ، او جزئياً على شكلِ رؤوسِ اقلامٍ  . بل ان بعضها قد يكونُ محفوظاً . وعندئذٍ تصبحُ الخُطبةُ تمثيلاً تستمدُ تأثيرها بالقَدْرِ الذي يستطيع فيه الخطيبُ الممثلُ ايهامَ الناسِ انه يرتجلُ الكلامَ لِلتوِّ ، ولا يحفظهُ حفظاً كما يحفظُ التلاميذُ درساً . هذا يقتضي :

 

2. التمهلَ في الكلامِ بدون افراطٍ ، لإن التمهلَ عنصرٌ اساسيٌ في اسلوبِ الأداءِ عامةً وفي فنِّ القاءِ الخطابِ او الكلمةِ ، سواءٌ كانت مرتجلةً او مكتوبةً . اذ انَّ التمهلَ يُمكِّن الخطيبَ - وخاصةً عند الارتجالِ - من جمعِ افكاره ومراعاةِ كلِ عناصرِ الخطابِ المؤثِّرِ ، كما يمكِّنُ المستمعينَ من التقاطِ انفاسهم والاحتفاظِ بالأفكارِ ، فانَّ كثيرَ الكلامِ يُبسي بعضه بعضاً ، وخاصةً اذا كان عَرْضُه سريعاً . فالافكارُ كالطعامِ يحتاجُ كلاهما الى وقتٍ لهضمهِ ، وربما لاجترارِه من اجل تحويله كما اسلفتُ الى مفاهيمَ مؤثرةٍ اوغذاءٍ نافعٍ . ويحسنُ كذلكَ أنْ يتوقفَ الخطيبُ بين الفينةِ والاخرى ، او الفقرةِ والتي تليها ، فإن ذلك ادعى لتجديدِ انتباهِ المستمعينَ .

 

3. اذا كان الخطيبُ يمثلُ في الارتجالِ (كما في النشرات التلفزيونية) : بأنْ كانَ يحفظُ الخطبةَ ، ويحتفظ بها مكتوبةً أمامه ، إما خوفاً من انْ يُرتَجَ عليه عندما يقابلُ الجمهورَ ، او خوفاً من تشبيههم له حين يحفظُ خُطبتهِ بالتلاميذِ ، فإن عليه لتلافي ذلك ان يتوقفَ قليلاً بين الفينةِ والاخرى ، وينظُرَ في الورقةِ ليوهمَ الناسَ انه لا يحفظُ الخُطبةَ حفظاً ، بل يعودُ الى عناصِرِها حتى لا يفوتَه شيءٌ منها .. وهو امرٌ يعزوهُ الناسُ عادةً الى الإعدادِ الجيدِ .

 

وحتى لو عرف بعضُ الناسِ الحقيقةَ فسيغفرونَ للخطيبِ محاولَتَه البريئةَ لخداعهم بسبب ما يدلُّ عليه التمثيلُ الجيدُ المتقنُ من ذكاءٍ وعدمِ استهتارٍ بعقلياتِ السامعينَ . علماً انَّ مِثلَ هذا التمويهَ الذي يفعله اليوم مُذيعوا التلفاز لا يُعتبر خداعاً بل هو اسلوبٌ فنيٌّ لتحسينِ الاداءِ وزيادةِ التأثيرِ لا يتضرر منه احدٌ ، كالملابسِ تواري سوءةَ صاحبها وتسترُ عيوبَه وتحسِّنُ صورته دون ان تُلحقَ ضراراً ، لا به نفسِه ولا بغيره .

 

4. تنويعُ وتيرةِ الصوتِ وعدمِ اتخاذِ نغمةٍ واحدةٍ أمرٌ مهم . اذ لا شيءَ يدعو الى المَلَلِ من بقاءِ صوتِ الخطيبِ على وتيرةٍ واحدةٍ ، كما أنّ الناس لا يصبرون على طعام واحد 61/البقرة . فتنويع وتيرة الصوت مهم ، خاصةً اذا كان اسلوبُ النص جيداً ومتفاوتاً . فيَحسُنُ خفضُ الصوتِ ورفعُه حسَبَ نصِ العبارةِ ومفهومِها : فللجُمَلِ الاخباريةِ نبراتٌ وللجُمَلِ الطلبيةِ نبراتٌ . ينبغي ان تكون كلُّها مميزةً ، وان يركِّزَ الخطيبُ - ضمنَ العبارةِ الواحدةِ - على الكلماتِ الأساسيةِ بالضغطِ عليها لإبرازها ، كما نفعلُ في الكتابةِ حينما نبرزها بكتابتها بحروفٍ اوضحَ او بوضعِ خطٍ او خطوطٍ تحتَ كُلٍّ منها أو بتلوينها . استمع الى قول البحتري لترى كيف ينخفضُ الصوتُ في الصدرِ كلِّه ليرتفعَ في العَجزُ مع الضغطِ على آخره :

نحن قومٌ تُذيبنا الأعيُنُ  النُّجْــ  :  ــُّل على أننا نُذيب الحديدا

 

واذا روعيت هذه الخَصْلةُ من تنويعِ نبرةِ الصوتِ بلا مبالغةِ ، مع المحافظةِ على الاتزانِ ، سلِم الخطيبُ من مثل وصفِ المتنبي لكافورٍ الإخشيديِّ :

واذا اشارَ مُحدثا فكأنه  :  قردٌ يقهقِهُ او عجوزٌ تلطِمُ

 

5. الإشارةُ اسلوبٌ من اساليبِ التعبيرِ الرمزي . فإذا كانت حكيمةً  في محلِها منسجمةً مع الكلمةِ او العبارةِ ، متطابقةً معها ، أدت الى تحقيق هدفيْن : تقويةِ العبارةِ ، وجلْبِ انتباهِ السامعينَ . فإذا بولغ فيها ، فقدتْ من قيمتها (ككل شيء يُبالَغ فيه) بالقْدرِ الذي يجعلُها مُمِلّةً لا إثارةَ فيها .

 واليدُ أهمُّ ادواتِ الإشارةِ التي منها العينانِ وقسَماتُ الوجهِ ، وكذلكَ هِزةُ الرأسِ . ودورُ العينينِ مُزدَوِجٌ : فبهما يوجِّه الخطيبُ نظراته الى جميعِ المستمعينَ في غير رتابةٍ ممجوجةٍ ، وبهما يُعبِّرُ عن بعضِ العواطفِ والانفعالاتِ دعماً لأدواتِ الاشارةِ الرمزيةِ الأُخرى التي تلتقي كلُّها لتنتج خطابا يسحر الناس . لهذا قالوا : إنَّ من البيان لَسِحْرا :

 

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

 

 

        

   

 

 



 
 
ما ينشر في هذا الموقع ( ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) ( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ) وليس حقا لفرد أو أفراد
2008