التظاهرات الجماهيرية

هي من الباطل الذي زيّنه شياطين الإنس والجن

وفي أحسن أحوالها كالخَمر والميسر إثمُهما أكبر من نفعهما

الحمــــــــــــــد لله رب العالَمــــــــــــــــــين

(1)

البرهان على العنوان من آيات القرآن

وردت صيغ التظاهُر في القرءان الكريم ثلاث مرات بمعنى التآمُر (التعاون في باطل بصيغة التشاركِ في إخفاء الحقائق وتظاهُرِ المتظاهُرِين بخلاف ما يُبطنون ) وجاء واقع التظاهرات التي زُينت للناس بالباطل يؤكد هذا المفهوم السلبي :

أ.  *[ وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {47} فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ {48} قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {49} ] القصص .

ولم يستعمل مشركو قريش كلمة (تعاوَنا) لأنهم كانوا يعلمون أن التظاهر في لسانهم هو تآمُرٌ وتعاون في باطل يتظاهر المتعاونون فيه بأنهم يقصدون الخير. لهذا زعموا أنّ ما ورد في كتاب موسى وكتاب القرءان من الدعوة إلى الإيمان بإله ورب واحد هو باطل تظاهرا فيه بغير الحقيقة .. فكفروا بهما !

ب. *[ إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ {4} ] التحريم .

فقد تآمرتْ وتعاونت اثنتان من نساء النبي على إيذائه بمزاعم ظاهرة مع إخفاء السبب الحقيقي الذي تظاهرتا بخلافه . وهذا الموقف كان باطلاً سماه القرءان تظاهُراً اقتضى تهديداً شديد اللهجة بالقُوى التي تنصره بدءاً بالله وجبريل ومرورا بصالح المؤمنين تؤيدهم الملائكة !

ج. *[ ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ .. {85} ] البقرة .

فتعاوُن القومِ آنذاك على فريق منهم وإخراجُهم من ديارهم هو تظاهُرٌ (تعاوُنٌ) عليهم بالإثم والعدوان . فهو يُخفي سبب الإخراج الحقيقي ويتظاهر بأن السبب هو المصلحة العامة !

(2)

العقلية الجماهيرية سطحية وانفعالية

*[ قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ

وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {100} ] المائدة

الخبيث والطيب : الكثير والقليل

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=156&cat=3                 

ينطبق مفهوم التظاهر القرآني على التظاهرات/المظاهرات الجماهيرية . فالمتظاهرون يتظاهرون أنّ لهم مطلبا مقبولا عند الناس يهتفون به ، ولكن نُشطاءَهم يُخفون الهدف الحقيقي الذي من أجله أُعدت التظاهرة أو يندسون فيها ليخربوها . لهذا فإن أكثر المتظاهرين هم من المغفَّلين الذين ينضمون إلى التظاهرات إمّا متفرجين أو ارتزاقاً بثمن بخسٍ ، وبعضهم لا يعرف شيئا حتى عن الهدف المُعلَن لها دع عنك الهدف المستور . للمزيد أنقر على :

الأقلية الصاخبة والأكثرية الصامتة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=196&cat=3      

 ومع ذلك لا تُحقق التظاهرات هدفها غير المعلَن بمجرد القلة من المخططين بل بكثرة المغفلين الذين ينخدعون بالخُطَب فيكون منهم أكثر الحطب *[ جَزاءً وِفاقاً ] .. وما تظاهُرات (9 و 10/يونيو/1967) عنّا ببعيدة حين رُتبت بهدف دعم المهزومين تحت ستار رفْض الهزيمة ! للمزيد أنقر على :

كلمات البطولة والبطولات والبطل والأبطال

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=203&cat=4    

وإقرأ اعتراف مسئول عربي في القرن الماضي عبدته الجماهير من دون الله في حديث له مع ( دافيد مورغان ) مندوب صحيفة الصندي تايمز في 18/6/1962 لترى أن أول تجربة له ساقته في النهاية إلى حتفه كما ساقت معه البلاد .. كانت حين وجد نفسه يشترك في تظاهرة دون أن يعرف حتى سببها المُعلَن !!!

ذلك أن كثيرين من عقلاء الناس حين يجدون أنفسهم في تجمع جماهيري يصبحون من أكثر الناس الذين وصَفهم خالقهم بأنهم لا يعقلون ولا يُؤمنون ولا يشكرون ولا يعلمون بل يجهلون وهم للحق كارهون .. ومع ذلك تجد الواحدَ من هؤلاء العقلاء يفعل ما يفعلون ويهتف بما يهتفون وربما اشترك معهم فيما يُحطِّمون ويخربون حتى إذا ما خلا إلى نفسه أخذ يلومها على ما بدا منه من إسفاف !

(3)

باطل الحوارات الجماعية

من أجل هذا لم يذكر القرءان الحوارات الجماعية (كمهازل حوارات الأديان الحالية) التي تكون الغلبة فيها للأعلى صوتا والأكثرِ غوغائيةً ورياءً وصَرفاً . لهذا يصعب فيها التوصل إلى شيء ينفع الناس ويستحيل فيها الإجماع إلاّ على باطل تريده الجهة التي رتبت الإجتماع وهي تحمل العصا و الجزرةَ والقدرة على التأثير على الناس بالباطل . أمّا أهل الحق فلا يرضون بإكراه الناس حتى على الحق . لكل ذلكم لن تجد الناس مُجمعين على حق . للمزيد أنقر على :

باطل الإجماع : فلا إجماع إلا على باطل

http://www.kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=184&cat=3 

ولكن القرءان الكريم وضع أساساً للحوار لا مجال فيه للغوغائية والرياء بحيث يكون الحوار بين اثنين يُدلي كل منهما للآخَر بحجته قبل أن يفترقا ليقيِّمَ كلٌّ منهما وحْده ما سمع ، أو يكونُ معهما ثالث يُرجح هذا الرأي أوذاك على أن يكون الحوار الفكري الذي ينشد الحقيقة بعيدا عن الإرتزاق والمصالح المادية ، وإلاّ كان مساومة تجاريةً :

*[ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ {46} قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {47} ] سبأ .

(4)

حق التعبير والطلبِ من المسئولين يكون فرديا بلا عنف

كما أنّ الدعاءَ والطلبَ من رب الناس فردي بلا جعرٍ ولا جهر

كما بيّنا في مقال على :

المجاهرة والمخافتة وما بينهما في الصلاة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=180&cat=3           

فإذا احتج بعضهم بأن التظاهرات هي وسيلة للتعبير عن الرأي الذي كفِلته الشرائع السماوية وكفِلته القوانين الأرضية عند الشعوب المتقدمة .. قلنا إن حق التعبير الفردي مكفول للناس حقيقةً - كما وثّقه القرءانُ – منذ اعترافِ موسى الرسولِ للسامريِّ الذي عبّد قومَه العِجلَ .. بحقه في أن يقول ما يشاء دون أن يُمسَّ بسوء ودون أن يكون له حق إكراهِ أحد على شيء ( أما الفعل فمقيّد بالشرع وبالقانون ) .. وأن حسابه سيكون عند ربه :

*[ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ ، لَا مِسَاسَ ، وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً {97} ] طه .

*****

وحق التعبير الفردي الذي ضمِنه الإنجليز في (هايد بارك) لا تُذكَر له سلبيات لأننا لم نسمع عن تظاهرة حدثت فيه أو حتى عن مشاجرة بين مختلفيْن في الرأي ، فقد صار الأمر عندهم عُرفا راقيا ، وكان يمكن أن يكون عندنا عُرفٌ أرقى منه في الحج لو أدرك الناس مفهوم الحج القرآني الذي بيّناه في مقال :

الحج الذي ينفع الناس من كتاب الله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=53&cat=5       

 حين يتواجد الناس على عرفات ليتعارفوا وليشهدوا منافع لهم منها تبادل الآراء والأفكار والتجارب والسِّلع والخِدمات – خلافا لواقع الحج الحالي - بضابط شرَعه الله سبحانه في الآية 46/سبأ أعلاه وفي 197/البقرة :

*[ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {196} ‏ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ {197} ] البقرة .

*****

أما التعبير الجَماعي بالتظاهرات/المظاهرات فقد أصبح القاصي والداني يعلم سلبياته وعدمَ اقتصاره على مجرد رفْع الشعارات الفارغة بل تعدى إلى التخريب والتدمير والقتل الذي تُخطط له بدايةً قلةٌ من عناصرَ ارتزاقيةٍ من شعاراتها : (سكِّرْ وإلاّ بنكسِّرْ) ، ثم تتْبعها كثرةٌ من المغفلين وبُسطاء المتفرجين لتصبح نتيجة التظاهرات إفسادا في الأرض يشهد به مؤخَّرا واقع بلاد العرب والمسلمين التراثيين الذين لا يملكون من أمرهم شيئاً ، ولو كانوا يملكون (بعقلياتهم الحالية) .. لكانت أوضاعهم أكثر سوءاً !

والغريب أن الذين يشتركون في الإضرابات أو التظاهرات يعلمون أن أحدا لا يُعيرها اهتماما بعد أن كرروها مئاتِ وربما آلافَ المرات دون أن تكون لها نتيجة إلا هدر الوقت وما يترتب عليها من أذى للناس الذين يزعم المَحرِّضون عليها والهتافون بشعاراتها أنهم يعملون لمصلحتهم !!

فيا أيها الناس

*[ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ

لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ{47} ] الشورى

وقيِّموا أعمالَكم لتُقوِّموها

وارجعوا إلى الحق الذي ينفع الناس فيمكث في الأرض

ولا تعودوا إلى ما لا ينفعكم ولا يضرُّ غيرَكم :

المراجعة الدورية لإصلاح  الأخطاء وعدم العودة إليها

  http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=87&cat=6

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---