الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين

(1)

آياتُ البحث

*[ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {73} ] القصص .

*[ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ {61} ] غافر .

*[ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {72} وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {73} ] القصص .

*****

*[ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً .. {80} ] النحل .

*[ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا .. {24} ] التوبة .

*****

*[ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {21} ] الروم .

*[ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا {189} ] الأعراف .

(2)

يتبين من آيات ربِّنا العظيم ربِّ العالمين أعلاه أنه أنعم على البشر :

بثلاثة مصادرَ للسكن ومصدرٍ للسكينة :

المصدرُ الأوّل للسّـكن

الّليْـلُ

فقد خصصه الله سبحانه كلَّه للسكن فيه *[ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ] ومن ذلك النومُ بجزء منه (به) :

*[ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ

{23} ] الروم .

*[ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً {47} ] الفرقان .

*[ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً {8} وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً {9} وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً {10} وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً {11} ] النبأ .

فكل الليل لباس ساتر لضعفكم ،

وكل النهار للسبح الطويل والعمل وكسب العيش .

فإذا كان الليل حقيقةً هو فترةَ ما بين غروب الشمس إلى الفجر (الذي يتبيّن بسببه اللونان النقيضان الأبيض والأسود) فإن مفهوم الليل حُكما هو فترة سكون الناس في بيوتهم (كما يُفهم من الآيات أعلاه) بحيث يبدأ الليل الحُكمي بعد انتهاء ساعات العمل بفترة تجعل النهار الحُكمي اثنتي عشرة ساعة طوال السنة ، والليلَ الحُكمي اثنتي عشرة ساعة أُخرى .

لهذا جاء قول الله سبحانه *[ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ] . ولم يقل (إلى الغروب) لِما علِمه الرحمن من اختلافِ بل تبايُن التوقيت على الكرة الأرضية وصعوبةِ حمْل الليل والنهار على مفهوميهما الحقيقيين لمعرفة مواقيت الصلاة والصيام التي ربطها القرءان ببدايتي النهار والليل ونهايتيهما : حقيقةً حين تكون الشمس عليهما دليلا ، وحُكما حين يشق على الناس لسبب أو لآخر الإلتزام بالمفهوم الحقيقي لكل من الليل والنهار . وهذه أمور لم يعرف عنها الأقدمون شيئا وربما لم تخطر ببالهم :

 المفاهيم القرآنية للليل والنهار تعين على تحقق التقوى من الصيام                                     

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=261&cat=5

عِلماً أن الذي كتب الصيام على الذين أمنوا قال لهم في آية الصيام نفسها :

*[.. يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.. ] 185/البقرة .. مؤكِّدا في موقع آخَر :

*[ ما يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ !! وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا {147} ] النساء .

المصدرُ الثاني للسَّكن

البيوتُ/المساكِـن

 فقد جعل الله سبحانه البيوت سكنا وسماها مساكن ليوحي إلى الناس أن عليهم أن ينسوا هموم الحياة ومشكلات العمل إذا كانوا في بيوتهم/مساكنهم . سمعت عن رجل في هذه المدينة كان إذا ذهب إلى عمله صباحا ينحني خارج الباب ويقول : إركبْ ! فإذا عاد من عمله انحنى أمام باب بيته وقال : إنزل ! فلما تكرر منه هذا سأله جاره عما يعنيه . فقال له : لقد عقدت صفقة مع الهمّ والغم :

فإذا خرجتُ من بيتى قاصدا العمل أذنت لِلْهمّ أن يركبني حين أكون : أنا الغريق فلا أخشى من البلل ! لما يقتضيه العمل من الشقاء والغـمّ لتأمين الحاجات : الطعام والكساء والشراب والمأوى . أليس الله هو القائل :

*[ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {117} إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى {118} وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى {119} ] طه .

فأذا رجعتُ إلى بيتى طلبت من الهم أن ينزل لأستريح وأسكن !!

المصدرُ الثالث للسَّـكن

الزوجاتُ لأزواجهن

فقد جعلهن الله سكنا لأزواجهن الذين قضى عليهم  بشقاء العمل

وقضى لأكثر النساء أن يَقَـرْن في بيوتهن/مساكنهن فلا يشقين فيها

كما يشقى أزواجهن بالعمل خارجها :

*[ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ! ]

إرجع إلى بحثنا : مفهوم الزوجية والزواج من كتاب الله ... على الرابط :

مفهوم الزوجية والزواج وما يحل منه

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=69&cat=5 

(3)

السَّكينةُ

إذا استجاب الناس لربهم وأطاعوه فيما شرع لهم رضي عنهم  ومنَّ عليهم بنعمة السكينة التي يُنزلها عليهم إنزالا لتطمئن قلوبهم فلا غمَّ ولا خوفَ :

*[ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً {4} ] الفتح .

*[ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً {18} ] الفتح .

وإذا لم يستجيبوا لربهم من بعد أن يُبلَّغوا أمْـرَه (16/الإسراء) بالحكمة والموعظة الحسنة وبالحُجة والبرهان - كما هو واقع البشر ومنهم المسلمون التراثيون اليوم :

الأساس لمشروع حضاري ع + E  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=67&cat=2

فإنّ نعمة الله عليهم ستزول في يوم لا مردَّ له من الله :

ملجأ المؤمن من قبل اليوم الذي لا مرد له

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=168&cat=6

لقد بَـدَّل كهنوتُهم وأكثرُ متعلميهم نعمة الله – آيات الله – كفراً باتباع أقوال الضالين المضلين الذين *[ يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ] سواء عبيد الأموات أو أدعياء العصرنة الذين يسوقون الأُمم بالكلمة الخبيثة إلى هاوية الفساد الخطير بتفكك الأسرة التي تورط في السقوط فيها أكثر البشر بدعاوى حقوق المرأة ومساواتها المزعومة بالرجل مع أنهم اتخذوها سلعةَ ترفيهٍ وهبطوا بها كثيرا عن المستوى الرفيع الذي خلقها الله من أجله لتؤدي دورا مهما ومكملا لدور الرجل :

*[ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ {26} يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ {27} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ {28} جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ {29} وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ   {30} ] إبراهيم .

(4)

إن ما يفقده الناس من السكن والسكينة اليومَ وما يترتب على هذا من الضغوط النفسية عليهم ومعيشة الضنك التي يعيشونها .. سببه أنهم فقدوا بإرادتهم المصادر الثلاثة للسكن التي حرَمهم ربهم بفقدها من السكينة :

أ. حين لم يبقَ ليلُهم سكنا بعد أن صاروا يقضون أكثره – وأحيانا كله – في السهر على ما تعرضه وسائل التضليل المرئية من برامجَ أكثرُها هابط .. وفي المقاهي والنوادي وبُؤر الفساد بلا ضابط ولا رادع .. وفي إقامة الأفراح والليالي الملاح بما فيها من ممارسات وجعرٍ بالسماعات يذهب بالسكن والسكينة ...

المجاهرة والمخافتة وما بينهما في الصلاة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=180&cat=3

ب. وحين لم تبقَ بيوتُهم سكنا لهم بسبب ضجيج الأعراس والمفرعات وإطلاق النار وأبواق السيارات وسهر الناس فيها ساعات على مسلسلات الإثارة والعنف مع ما يجره هذا من قلة النوم التي ترهق الجسد والنفس .

ج. ولم تبقَ زوجاتهم سكنا لهم حين ظُلِمن وخُـدِعن بتزيين شياطين الإنس والجن لهن أن يُغيّرن خلْق الله بمزاحمة الرجال فيما خلقهم الله من أجله وهو الشقاء في العمل الخارجي واستبدال هذا الشقاء بعملهن المُيسّر ذي الإنتاجية العالية في بيوت هي سكن لهن بدلا من شقاء العمل الخارجي الذي لم يخلق الله أكثرهن من أجله .

والنتيجة أنهن لم يُتْقِـنَّ هذا ولا ذاك . لقد صدقت نبوءة القرءان الذي وثق لنا تهديد الشيطان في سورة النساء بأن يُضِل أكثرَ الناس بحيث يُعطل حاسة السمع في آذانهم ليصبحوا *[ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ] وأن يجعل النساء يُغيرن خلْق الله :

*[.. لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً {118} وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً {119} يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً {120}] النساء .

وقد بيّنا هذا وغيره في بحثنا : إنقاذا للأُسرة نواة المجتمع – البند 7 :

إنقاذا للأسرة نواة المجتمع : النساء في كتاب الله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=111&cat=5 

الخُلاصةُ

أن أكثر البشر قد حُرموا نعمة السكن لأنهم أعرضوا عن ذِكرِ الله/القرآنِ فاستحقوا أن يحرمهم ربهم من نعمة السكينة التي ينزلها على عباده المؤمنين بكتابِ الله :

*[ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً

وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124}

قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً !؟ {125}‏

قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ، وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى {126} ] طه

   نحو مشروع حضاري عالمي للألفية الثالثة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=75&cat=2

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---