القُرءانُ : بعضُه مُنَشَّرٌ وأكثرُه لأهلِ الذِّكْر مُشَفَّرٌ .. ولكنه مُيَسَّرٌ

*[ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ !! {7} ...

 لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {10} ] الأنبياء

*[ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ]

(1)

*[ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ {38} إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ {39} فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ {40} عَنِ الْمُجْرِمِينَ {41} مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ {42} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ {43} وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ {44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ {45} وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ {46} حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ {47}‏ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ {48} فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ !! {49} كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ {50} فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ {51} بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً {52} كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ {53} ] المدثر .

آيات آخِر سورة المدّثر تفسر سبب إعراض الناس عن القرءان بل فرارهم منه منذ قرون كما تفِر الحُمُر المذعورة من أسد .. تفسره بأنّ كل امريءٍ منهم يريد أن تكون كلُّ صحف القرءان له كالكتاب المنشور واضحة المعنى بلا تدبُّر  . فيرد الله سبحانه عليهم أن هذه الحجة مرفوضة , وأن من يطلبون ذلك لا يخافون الآخرة ، بل يكذبون بيوم الدين لأنّ اعتمادهم على شفاعة الشافعين جعلهم يظنون أنهم لن يدخلوا النار ، وإنْ دخلوها فأياماً معدودة . فهُم إذن لا يخافون الآخرة . لذلك أعرضوا عن القرءان فجعل اللهُ *[ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً {46} ] الإسراء .

فإن عدم القدرة على فهم القرآن التي أدت إلى الإعراض عنه .. سببها ظنهم أن صحف القرآن يجب أن تكون منشرةً واضحة لكل واحد منهم خلافا للحقيقة :

*[ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ {49} كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ {50} فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ {51} بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً {52} كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ {53} ] المدثر

*****

فإن من يخاف الآخرة سيسعى ويكدح في تدبر القرءان ليقف على أمر الله فيه ، ومن ذلك حقيقة الآخرة ، سواء  بجليِّ العبارة أو بخفي الإشارة :

الخطاب المنشر بجلي العبارة والمشفر 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=86&cat=3

فالقرءان ِذكر للعالَمين على اختلاف عصورهم وأماكنهم ومداركهم . واختيار كلمة ( مُنشّرة ) يوحي بصحف (مُشفرة) هي التي بدأت تلفِت انتباه أولي الألباب وأصحابِ العقول في العالَم كله

(2)

 إن أكثر مقالات هذا الموقع ُتبيّن الفكرة الإيمانية الكبرى بأن الرسول بعد وفاة شخص الرسول هو الرسالة/كتاب الله الذي به كان فضلُ الله على رسوله كبيرا :

ما لم يعرف عن الرسول والقرءان

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=98&cat=2

وبدونه ما كان لمحمد بن عبد الله أو غيره من الرسل أيّ قيمة أكثر من كونه بشرا مثلَكم وسِعته رحمةُ الله التي وسِعَت كلَّ شيء :

*[ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً {86} إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا {87} ] الإسراء :

1. فالرسول موسى بعد وفاة موسى هو كتاب موسى من التوراة . فمن أحب أن يلقى رسول الله موسى ويسمع منه فليقرأ ما أنزل الله عليه من كتاب موسى من التوراة (توراة قُمران) . وفي هذا المعنى يقول الله سبحانه مخاطبا رسولَه محمدا أنه إذا أحب أن يلقى موسى فيمكنه ذلك يقينا بقراءة الكتاب الذي آتاه الله إياه والذي سماه الله سبحانه ( كتاب موسى ) من قبل أن يسميه (التوراة) ، فإن اختُلف فيه فالقرءان مهيمن عليه :

*[ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ {23} وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {24} إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {25} ] السجدة .

*[ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {76}‏ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ {77} إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ {78} فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ {79} ] النمل .

الكتاب والحكمة/ التوراة والإنجيل ..

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=1&cat=5

2. والرسولُ كلمةُ الله المسيحُ (عيسى ابن مريم) بعد وفاة المسيح هو ما أنزل الله من الإنجيل تحديدا . فمن أحب أن يلقى رسول الله المسيحَ ويسمع منه فليقرأ ما أنزل اللهُ من الإنجيل (إنجيلِ قُمران) ، فإن اختُلف فيه فالقرءان مهيمن عليه :

*[ وأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ .. {48} ] المائدة

حقيقة بعث وقيامة وظهور المسيح

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=5&cat=6

3. والرسول محمد بعد وفاة محمد هو الرسالة/القرءان المنزل المحفوظ ، فمن أحب أن يلقى رسول الله محمدا ويسمع منه يقيناً فليقرأ القرءان . وبما أن القرءان هو آخر طبعة من كتب الله ورسالاته .. من آمن به فقد آمن *[ بالكِتابِ كُلِّهِ ] All in one ، فإن مَـن يقرؤه يَلقى كلَّ رسل الله ويسمع منهم ويعرف الخبر اليقين عنهم . هذا هو مفهوم قول رسول الله محمد الذي هو قول الله سبحانه :

*[ .. قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ :

هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي

بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ {24} ‏] الأنبياء .

إرجع إلى مقال : ما ينفع الناس من وحْي النبوات ووحي الرسالات المنزله موثق كله حق اليقين في القرءان الكريم :

ما ينفع الناس من وحي الرسالات و النبوات موثق في القرآن

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=46&cat=5

ومن هذه الصحف المشفرة صحيفتان مشفرتان تكرر فيهما مرتين قولُ الذين أُهلكوا وأصابتهم المصائب (!) فقالوا بعد فوات الأوان :

*[ رَبَّنَا : لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى {134} ] طه .

*[ رَبَّنَا : لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {47} القصص .

فقد عرف عصاة البشر بعد فوات الأوان حقيقة أن مهمة الرسول هي تبليغ آيات الله التي أرسله الله بها ، ليتبعها الناس ، وبها صار رسولا . وهذه الحقيقة منشرة *[ فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ] ولم يقولوا ( فنتبعه) حتى لا تكون لأحد حجة بشخصنة الدين ، ظناً منه أن الدين متعلق بشخص الرسول ، فإذا مات الرسول مات الدين كما ظن أجلاف العرب الذين قال قائلهم :

أطعنا رسول الله إذ كان بيننا : فيا لعباد الله ما لأبي بكر!

أيورِثها بكرا - إذا مات – بعده : فتلك لعمروُ الله قاصمة الظهر !

وإنكارا لشخصنة الدين قال أبو بكر الصدّيق لمن ربطوا الدين بشخص محمد ساعة وفاته :

(مَـن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات !! .. ومن كان يعبد الله فإن اللهَ حيٌّ لا يموت ! )

وصحف القرءان (المشفرة) تدل على أن اتِّباعَ الرسول واتِّباع آيات الله هو اتّباع واحد ، لأن الرسول لم يقل حرفا سوى القرءان الذي هو رسالة الله إلى الناس جميعا .. عِلما أن المسلمين التراثيين لم يعرفوا هذه الحقيقة المركزية من الدين . وقد بيّنا هذا في مقالين :

كونوا أنصار الله : مفهومها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=155&cat=3

مفهوم الوسطية القرءاني  يتحقق باتِّباع الرسول/القرآن الكريم

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=17&cat=3

(3)

من التشفير الإحصائي القرءاني ذاك المتعلق بهذه الحقيقة في قوله سبحانه :

*[ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى {134} قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى !!! {135} ] طه .

*[ وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {47} ] القصص .

ففي هاتين الآيتين (134،47) من آيات القصص و طه مفاجأة إحصائية هي أن آية 134/ طه رقمها القرءاني (من أول الفاتحة ) هو (2482) وأن آية 47/القصص رقمها القرءاني (3299) ، وأنّ الفرق بينهما هو  (818) آية ، وأن الفرق بين الهزيمتين الكبريين للمسلمين التراثيين على أيدي نصارى الغرب (1099/م ــ 1917/م)  اللتين بهما ذلّ المسلمون التراثيون وخزوا ولا يزالون (آية طه) لأنهم لم يكونوا مؤمنين (آية القصص) .

المفاجأة هي أن الفرق بين الآيتين والعذابيْن/المصيبتين هو 818/آيةً وسَنة !!!!!!!

فسبحان من أنزل القرءان مُنشَّرا ، ولأهل الذِّكْر مُشفَّرا .. ومُيَسَّرا !

*[ فإنما يسّرناهُ بلسانِك لعلّهم يتذكّرون {58} ] الدخان .

*[ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ؟!

{17} {22} {32} {40} ] القمر .

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---