عِبَر من هِجرَة الرسولين الكريميْن : موسى ومحمد من سورة القصص

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

(1)

البرهان على العنوان من آيات الله في القرآن

*[ طسم {1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {2} نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ  {3} ] القصص .

*[ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا : بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ {35}‏ ] القصص .

*[ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {85} وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ {86} وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {87} وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {88} ] القصص .

(2)

البيــــــــــــــــــان

هناك اوجه شَبَهٍ كثيرةٌ بين ما كان من اهل الكتاب الاول ( التوراة ) وما كان من اهل الكتاب الاخِر      ( القرءان ) سواء ما وثَّقه الله سبحانه في القرءان او ما يمكن استخلاصه من مدلولات مفاصل التاريخ . من ذلك اوجه شبه وعِبَرٌ يمكن استخلاصها من هجرتي الرسولين الكريمين من مصر ومكة كما تشير اليها آيات سورة القصص من مطلعها حتى خاتمتها ( 85 – 88 ) التي أُنزلت اثناء هجرة الرسول الكريم من مكة الى المدينة :

ان الاساطير التي نُسجت حول هجرة الرسول الكريم من مكة للتدليل على عصمة الله سبحانه له من الناس كحثْوه التراب في وجوه المشركين ساعة خروجه وكالحمامة والعنكبوت على باب الغار ... كل هذه الامور لا مبرر لابتداعها اذا تذكرنا كيف تحدى رسول الله هودٌ قوَمه :

*[ .. قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ {54} مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ {55} إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {56} ] هود .

(3)

فالله سبحانه يأخذ بمركز التفكير واتخاذ القرار في مقدَّمة دماغ كل دابةٍ من ماءٍ ، من النملة وما هو اصغر .. حتى الحوت وما هو اكبر . واذا لم يكن الاقدمون قادرين على تصوّر هذا فهُم معذورون ، لكننا اليوم نعلم علم اليقين ان البشر يستطيعون ان يوصلوا رسالات بأمْرٍ او بنهيٍ في ثوانٍ ليس الى كائنات حية فقط بل الى آلةٍ صماء على كوكب المريخ لتتحرك ولتصلح عطباً اصابها . افلا يستطيع الله رب العالمين سبحانه ان يصرف ابصار عُتاة المشركين عن الرسول الكريم وهو يخرج من بينهم :

*[ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {198} ] الأعراف ، دونما حاجة الى تراب ولا سواه ؟

 استمعوا الى رسول الله محمد عليه السلام يتحدى المشركين مستجيراً الى الله سبحانه بكتابه العظيم الذي انزله عليه وبسببه عاداه الناس :

*[ إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ {196} وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ {197} وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {198} ] الاعراف .

*[ قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً {22} إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن  يَعْصِ اللَّهَ  وَرَسُولَهُ فَإِنَّ  لَهُ  نَارَ  جَهَنَّمَ  خَالِدِينَ  فِيهَا  أَبَداً {23} ]  الجن .

لقد أعمى الله سبحانه المشركين عنه ساعة خروجه وساعة وصلوا الى الغار بحيث لم يبصروا باباً للغار . وهذا شيء مِـن مكر الله سبحانه وهو خير الماكرين المخططين *[ إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {10} يوسف .

فقد يكون مَكرُه باسباب نعرفها وقد يكون غير مفهوم لنا حسب ما نعرف من اسباب ، فلا نصبر انتظارا لنعرف *[ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً {68} ] الكهف . وإلّا فكيف نفسر ايحاءه لأمّ موسى أن تُلقي طفلها في اليمّ ( مع حتمية غرقه ) اذا خافت عليه من القتل ؟!

*[ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ {7} ] القصص .

وكيف نفسر اصرار امرأة فرعون على الابقاء عليه بدلاً من قتله مع معرفتهم انه طفل من بني اسرائيل .. وكيف وكيف ؟!

*[ .. وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي {39} ] طه .

فقد أخذ الله بناصية امرأة فرعون لتحبّه :

*[ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ !! {9} ] القصص .

وأخذ الله بناصيته طفلاً ألا يَرْضع من امرأة غير أُمّه ، لِيصدُقَها اللهُ وعده :

*[ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ {12} فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ           {13}‏ ] القصص .

(4)

وسورة القصص مليئة بالعِبَر التي تؤكد ان الله سبحانه آخذ بناصية كل دابة وان *[ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ] وانه اذا حكم *[ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ] . فمَن أَخذَ الله سبحانه بناصيته الى خير له فليحمَد الله ومن اخذ بناصيته الى غير ذلك فليستغفر الله وليحاسب نفسه !!

إرجع إلى مفهوم الشكر القرآني على الرابط :

مفهوم الشكر القرءاني وصيغته

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=186&cat=4

نزلت الايات الاربع الاخيرة على الرسول الكريم وهو مهاجر في الطريق الى المدينة لتبشّره وتحذره وتشترط عليه . تبشره ان الله سيردّه الى مكة التي سماها الله سبحانه (معاد !) . ولمعرفة السبب في إطلاق هذه الاسم الذي لم يتكرر على مكة ، إرجع إلى المقال الذي يبين مفهوم (العود) السلبي على الرابط :

المراجعة الدورية لإصلاح  الأخطاء وعدم العودة إليها

  http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=87&cat=6

 وقد أَرّخت الثماني كلمات ( أن ... معاد ) عددَ السنين الثماني التي سيرجع بعدها الى مكة .  اما مفاهيم هذه الاية التي لا يتوقف عندها احد عند الكلام عن الهجرة فما احوجنا اليها :

1.  ان الله سبحانه فرض القرءان على رسوله ولم يستشره قبل ارساله بالقران كما لم يستشره ، ولا يستشير احداً قبل خلقه . وقد عودِيَ الرسول بسبب هذا القرءان ولم يُكنَّ له احدٌ عداوة قبل نزوله عليه . وفي هذا يقول الله سبحانه :

*[ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ          {33} ] الانعام .

*[ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً {73} وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً {74} إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً {75}‏ ] الاسراء .

2.  لقد وعد الله سبحانه رسوله الكريم ان يردَّه الى مكة اذا استمسك بالقرءان الذي فرضه عليه . فهل يَفرضُ الله سبحانه على رسوله القرءان ثم يَقبل منا غيره !!

 لهذا كان اولَ شرط اشترطه الله سبحانه على رسوله لتحقيق وعْده ان لا يطلب ولا يقبل عوناً من الكافرين كما كان العرب يفعلون ( ولا يزالون ) فيلجؤون الى قوى خارجية لتردّ اليهم حقّهم *[ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ ] . ايْ لا تقبل منهم عوناً حتى لا تكون مضطراً الى ان تُعينهم ! ومِثل هذا قول موسى :

*[ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَـيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ {17} ] القصص .

 اما الشرط الثاني فهو انْ يلتزم بئايات الله سبحانه فور نزولها عليه *[ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ] وأن لا يصُدّه عن ذلك الكافرون . فبآيات الله سبحانه نصر الله رسوله الكريم وردّه الى مكة منصوراً . فمن اراد ان يرُدّه الله الى نعمة كان فيها وفقدها  فلْيكنْ له *[ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ {21} ] الأحزاب .

وبئايات الله كذلك نصر الله رسوله موسى وشدّ عضُده بأخيه هارون كما أعان رسوله محمداً بأبي بكر صاحبه :

*[ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ {35}‏ ] القصص .

*[ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ...{40}‏ ] التوبة .

3.   هذا الشَّبه بين تفاصيل الهجرتين والنصرين التي أهمّها ⁽¹⁾ إلزام الرسولين الكريمين بئايات الله ، ⁽¹⁾ وبِعدم مُظاهرة المجرمين .. تؤكده توافُقات عجيبةٌ بين مفاصل التاريخ عند اهل الكتابين ستزلزل العالَم حين يطلع عليها ، وتُعيد لكتاب الله القرءان اعتباره بعد ان هجره العرب منذ ثلاثة عشر قرنا . وقد أشرنا إلى بعض هذه التوافقات المذهلة في مقال : قراءه عصريه لمطلع سورة الإسراء وخواتيمها على الرابط :

قراءة عصرية لمطلع الإسراء وخواتيمها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=7&cat=6

ومقالٍ عن كيفية استخراجنا لسَنَة خروج موسى وقومه من مصر وحقائق تاريخية انفرد بها القرءان الكريم عن هجرة موسى .. على الرابط :

حقائق  قرءانية عن  هجرة موسى

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=20&cat=5

نُذكّر القراء هنا ببعضها :

إن الفترة الزمنية بين هجرة رسول الله موسى عليه السلام من مصر سنة 1225 / قـم حتى انهيار دوله بني اسرائيل اول مرة على يد نبوخذ نصر سنة 589 / قم ( قبل السبي البابلي بثلاث سنين ) = الفترة الزمنية بين هجرة الرسول محمد عليه السلام من مكة سنة 622/ م حتى انهيار الدولة الاسلامية اول مرة على يد هولاكو سنة 1258/ م

1225 / قـم    حتى   589 / قـم   =  636 / سـنة

622 / م     حتى   1258/ م       =   636 / سـنة

*[ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ {33}

 فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ {34} ] الطور

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---