*[ وهدَيناهُ النَّجدَينِ ] : نجْدَ الفطرةِ السويّةِ ونَجْدَ هُدى اللهِ سبحانه

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين

(1)
*[ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {10}

فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ {11} ] البلد

 قوله سبحانه *[ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ] يعني انه هداه إلى الخير بطريقين صاعديْن / نجدين يوصلان إليه .. عليه أن يكدح ويتعب فيهما ليصل إلى نتيجةِ خير ، إذ ان الهداية رُبطت في كل آيات الكتاب بالخير والحق ، ورُبطت في آية واحدة فقط بالهداية الى صراط الجحيم ( 23/الصافات) على سبيل الاستهزاء . اما الخير والشر ، التقوى والفجور فقد أُلهِمَ الانسان معرفتهما إلهاما بالفطرة  ما لم تُلوَّث فطرُته اكتسابا :

*[ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {8} ] الشمس .

اما النجدان اللذان يهتدي الانسان بهما الى الحق والخير فهما :

⁽¹⁾ فطرةُ الله الخَلْقيةُ التي فَطرَ الناسَ عليها ..

⁽²⁾ وهُدى الله المُنزَلُ على رسله بئاياتٍ هي كلماتٌ نصّيةٌ من حروف ..

وكلاهما كالعينين والشفتين لا تحسُن الرؤية والكلام الا بهما . وكلاهما يُعينان على اقتحام طريق الخير بمشقة لأنه طريق صعب صاعد ( نجْدٌ ) .

اما طريق الهبوط فمُنزَلق سهلٌ ولكنّ عاقبته هلاك وخيبة .

(2)
*[ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {29} فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {30} مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ {32}‏ ] الروم                                

 فقد خلق اللهُ الناس وفَطَرهم/صمَّمهم  حنفاءَ ، يميلون بفطرتهم الى الخير ( الإسهامِ الإيجابي في عِمارة الأرض ) بحيث يمكنهم أن يُحرزوا بالفطرة علامة النجاح فيه حتى بدون دين ، بمؤهِّلاتٍ ثلاثةٍ بيّنها مقالٌ عن درجتيْ الإيمان :

الصابئين والصابئون حرف يصنع الفرق

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=24&cat=4

وبشرط أنْ لا تُلوِّث فطرتَهم الاهواءُ وحُب الشهوات والمصالحُ الانّية والإستعجالُ الذي هو سرطان المجتمعات ، من نجا منه فصبر سَهُلت عليه النجاةُ :

أثر ثقافات الإستهلاك  والإستعجال في تفريخ الأزمات

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=106&cat=4

*[ إنما يُوفى الصابِرون أجْرَهم بغيْرِ حِسابٍ {10} ] الزُّمر

*[ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ {14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ {15} ] القيامة .
لهذا لا نجد في أيِّ مكان في العالَم كله مُؤسَّسةً أو شركة اومكتبا أو جمعية أو حزبا أو منظمة أو محلاّ تجاريا يُعلِّق يافطة تعلن أنها مؤسسة أو جمعية اللصوصِ أو الغشاشين أو المُرتشين أو الكذابين أو الخائنين أو الساقطين ( مع أنهم قد يكونون كذلك ! ) ، بل المُشاهَد هو العكس تماما .

أُطلب هذا المقال على الرابط التالي ففيه عبرة :

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=629332&issueno=11905

(3)

هذا دليل على أنَّ البشر مفطورون على قَدْرٍ من الخير يُشكل رأيا عامّاً معروفاً/عُرفاً يجعلهم في النهاية به - بعد مَدٍّ وجَزْرٍ - مُؤهَّلين لقدْرٍ من عمارة الأرض كما هو الحال في الهند والصين . لذلك يسهُل الإصلاح إذا دُعيَ الناس إلى :

⁽¹⁾ عُرْفٍ تعارفوا عليه ، وكان :

⁽²⁾ منسجما مع الفطرة السوية التي فطر اللهُ الناس عليها والتي لا بُدّ ..

⁽³⁾ أن تنسجم مع قواعد الهُدى من كتابِ الله الذي هو دين الحق :

*[ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً          {28} ‏] الفتح .

وعطْفُ َدِينِ الْحَقِّ على الْهُدَى هو عطفٌ للعامِّ على الخاصّ .

 والحُنَفاءُ من اهـل الفطرة هـم :

*[ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {69} ] المائدة .
أمّا غيرُ الحنفاء من أهل الفطرة فسوف يُقال لهم يومَ القيامة : كونوا تُرابا ، لأنهم لم يستحقوا الجنة ولم يستحقوا النار إلاّ إذا خفّتْ موازينهم بسبب جرائم ارتكبوها خلافا للفطرة السوية :

الواهمون يظنون دخولهم الجنة حتميا إذا لم يدخلوا النار  

 http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=289&cat=3

ولو كانوا قد بُعث فيهم رسول برسالة نصّيةٍ مكتوبةٍ من الله .. أو وصلتْهم رسالةٌ كهذه بالحكمة والموعظة الحسنة ولكنهم جَحدوا بها .. فسوف يُعذَّبون :

*[ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً{15} ]  الإسراء .

(4)

أما الهُدى العامُّ/الفرقان فقد أنزله الله سبحانه وصايا منه بكلمات محدّدةٍ منزلةٍ على رسل من البشر لمساعدة الانسان على الثبات على فطرته السويّة . ومن هذا الهُدى الوصايا العَشرُ التي أنزلها الله على رسوله موسى كما وَثّقها القرءان في الآيات ( 151- 154 ) من سورة الأنعام ، تقابلها الوصايا العَشر التي أنزلها على رسوله محمد ووثقها القرءان في الآيات ( 22- 39 ) من سورة الإسراء .

 ثم أنزل اللهُ الديّن بعد ذلك كتاباً مُفَصّلاً ( على مجتمع سيادي أفرادُه وقيادته أحرار في أيديهم القرار ) بتفصيلات منسجمة مع فطرة الله لتحسم الخلافات حول التفصيلات التي يَكمُنُ فيها الشيطان ليُضل الناس :

*[ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً {120} ] النساء ...

لهذا أمر اللهُ الناس ان يُنيبوا اليه ( إلى الله وإلى كتابه ) عند الخلاف لِيحكمَ فيه سواءٌ بردِّ الأمر إليه توكلا عليه ، أو بالرجوع إلى كتابه الذي فصّله على عِلْم ( 52/ الأعراف ) حتى لا يكونوا من المشركين الذين فرّقوا دينهم وكانوا شِيَعاً حين : ⁽¹⁾ لم يُراعوا الفطرة الانسانية ⁽²⁾ ولم يلتزموا بالهُدى ودين الحق فتفرقوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون  (30/السجدة) .

هذه هي وصية الله سبحانه في سورة الروم اعلاه . وهي وصية رسوله الكريم موثَّقةٌ في سورة الشورى بكلمات الله :    
*[ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {10} ‏] الشورى

(5)

الملاحَظ عبر تاريخ الانسان ان الله رب العالمين سبحانه قسم البشر الى قسمين رئيسين :
قسمٍ وَكَله الى الفطرة التي فطر اللهُ الناس عليها فلم يبعث فيهم رسلاً ،  وإن لم تخلُ أمّةٌ من نذير . ويُشكّل هؤلاء نصفَ البشر في الهند والصين وبعض سكان افريقيا الذين لم تَبلغهم رسالات الله تعالى بشكل يبعث على النظر *[ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ] النحل .  فمن آمن بالله مِن هؤلاء ولم يشرك به ، وآمن بيوم الحساب ، وعمل صالحاً (محرزا 51/علامةً من 100 لتثقل موازينه) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

 اما القسم الثاني من البشر فهم الذين وصلَتهم اياتُ الله ربِّهم عن طريق رسل الله . وهم اهل الكتاب بطَبعتيْه الأولى ( التوراة والانجيل ) والاخِـرة (القرءان ) . واذا كانت الفطرة تهدي الانسان الى الله الذي خلقَ ، فإنه يكون بفطرته السوية غيرِ الملوثة هذه حيّاً يمكنه أن يستجيب إذا دُعي إلى كتاب الله ليهديه الى انّ الله الذي خلق فاستحق التقديس والعبادة هو الربّ الذي يُشرِّع ويُدبّر الامر – وهو ما يجهله أكثرُ البشر أو يغفُلون عنه - فاستحق الطاعة في كل عمل حسب تفصيلات الكتاب دليل الخلق الذي يشبه دليل الصناعة Manual   كما عرفه الانسان المعاصر ولم يعرفه الاقدمون حين لم تكن عندهم صناعة تحتاج الى دليل :

   نحو مشروع حضاري عالمي للألفية الثالثة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=75&cat=2
*[ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ؟؟ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ {31} فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ! فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ !! فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ؟؟ {32} ] يونس .

كيفية التزكي بالدخول في دين الله الإسلام

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=254&cat=3

(6)

ولعل الإيمان بالله رباً واحداً ( بدلا من ارباب متفرقين متشاكسين ) هو ما يحتاج اليه كل البشر اليوم وممّن اوتوا الكتاب خاصةً بعدَ أن وصلت خلافاتهم وصراعاتُهم وظَهر الفساد فيهم وشاعَ في البر والبحر إلى درجة لم تَعُد الفطرة ولا الهُدى العام يكفيان لحسم الخلافات . فلا بُدَّ إذاً مِن كتاب عُلويٍّ سماوي نصّيٍّ مُفصَّل :

لا حلّ إلاّ بمرجعية  علوية مكتوبة

http://www.kuno-rabbaniyeen.org/Default.asp?page=details&newsID=148&cat=3

اما الطبعة المُفَصًّلةُ المعتمدة من الكتاب اليوم فهي هذه الطبعة الاخِرة مِن كُتب الله التي هي  ..

*( الكتاب كُلُّه ) All in one

الذي انزله الله سبحانه على خاتَم النبيين محمد - عليه وعلى إخوانه المُرسَلين السلام *[ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ {48} ] المائدة :
*[ وما أنزَلْنا عليكَ الكِتابَ إلاّ لِتُبيِّن لهم الذي اختلَفوا فيه وهُدىً ورحمةً لِقومٍ يُؤمنون {64} ]  النحل  
هذا الكتاب هو *[ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ {49} ] العنكبوت ..

ليس حَمّال أوْجهٍ ولا طلاسمَ كما يزعم كهنوتُ المسلمين التراثيين .         

نعم ! هو القرءان المُيسّر للذكر *[ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ {17} ] القمر ، ليكفي الناس شرور تعدد المرجعيات المتشاكسةِ والشخصية المتناقضةِ غيرِ المتجانسة التي شعارها (دي حاجة ودي حاجة) . لذلك تعهد الله سبحانه بحفظ نصوصه وأعداده وإحصاءاته من العبث والتغيير ومن أن يُفسدها الزمن الذي يُبطِلُ كُلَّ مخلوق أو كلامٍ لمخلوق حين يتجاوز تاريخَ انتهاءِ صلاحيتِه فيتخطاه الزمن :

خمس حقائق عن القرءان لا بد أن تُعرف

http://kuno-rabbaniyeen.org/Default.asp?page=details&newsID=152&cat=5

*[ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لـَهُ لَحَافِظُونَ {9} ] الحِجر

محمد راجح يوسف دويكات
 نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ]  - فلسطين

---