حقيقةُ الغفلة وأسبابُها وعواقبُها :  *[ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ]

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

(1)  

 ما الذي يَغفُل عنه الناسُ فتُرديهم غفلتُهم ؟

*[ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {172} ] الاعراف .

فأخطَر غفلةٍ تُردي البشر هي غفلتهم عن انَّ الله سبحانه هو ربهم [ رَبُّنا اللهُ ] الذي يُدبّر الأمر وله الأمرُ كلّه [ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ] ، فله عليهم حق الطاعة اختياراً .

*[ إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ {7} أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {8} ] يونس .

فغفلة الغافلين عن حقيقة ربوبية الله سببها :

أ . الغفلة عن آياته سبحانه تكذيباً بها غروراً بأنفسهم متلهّين بمواقع دنيوية شغلتهم عن التفكير فيما ينفعهم ، والغفلة عن آيات الله أكبر جرماً وأشدُّ عقوبةً من الجهل بها كما يتبين من المقال على الرابط التالي :

عقاب المكذبين الآخرين الغافلين أشد من عقاب الجاهلين

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=128&cat=4

ب. اوالغفلةُ عن آيات الله اتِّباعا لأموات الآباء واكتفاءً بما وجدوهم عليه من الأحاديث والخرافات والأكاذيب على الله ورسوله ، واستكباراً بألقاب حصل عليها (الغافلون عن الحق) بغير الحق من هذه الأحاديث . لهذا توعَّدهم اللهُ ربُّهم مقدَّما حتى لا تكون لهم حُجّةٌ عن تكذيبهم بآيات ربهم وغفلتهم عنها :

*[ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ {146} ] الاعراف .

*[ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ   {173} ] الاعراف .

*[ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ {170} ] البقرة .

قد تبين الرشد من الغي فاتبعوا ولا تتبعوا

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=64&cat=3

الغريب أن هؤلاء الغافلين عن آيات الله سيتّهمون آباءَهم الأقدمين بأنهم كانوا مبطلين لآيات الله بينما كانوا وإياهم يشتركون في الصد عن آيات الله وإبطالها بحجة أنّ الذين كانوا يدْعونهم إليها كانوا مبطلين لأكاذيب وخرافات سُنّتهم وأحاديثهم التي جعلهم اللهُ بسببها أحاديث ومزقهم كلَّ مُمزَّق :

*[ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ {58} كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {59} فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ {60}‏ ] الروم .

(2)

من الغفلات القاتلة عند اكثر الناس غفلتهم عن العواقب المتأخرة الحتمية للأسباب الظاهرة حسب     سُنن الله :

*[ .. وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6} يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ   الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ   {7} ] الروم .

عاقبة عدم الإيمان بالآخرة

http://kuno-rabbaniyeen.org/Default.asp?page=details&newsID=193&cat=3

فبسبب بعض عِلمهم بظواهر الأمور وغفْلتهم عن الآخرة ومفاهيمها غفل بعض المسلمين الأوّلين – ولهم عُذرُهم في واقعهم – عن الحقائق والعواقب المتأخرة للصراع بين القوتين المتصارعتين آنذاك ( الروم والفرس ) كما يغفلون اليوم ولا عُذر لهم !

الفرح بنصر الله ونبوءات سورة الروم

من اسباب هذه الغفلة عن حتمية العواقب تحكيم الهوى والمصلحة الآنية :

*[ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً {43}‏ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً {44} ] الفرقان .

واشهر الامثلة القرءانية على كل ذلكم – وهي كثيرة – فرعونُ وقومه الذين جعلهم الله سلفاً ومثَلاً سيئاً لِمن بعدهم – وهم كثيرون – حين كانوا عن آيات الله غافلين :

*[ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ {136} ] الأعراف

*[ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ {54} فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ {55} فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ {56} ] الزخرف .

*****

ومع هذا الوصف لقوم غافلين مجرمين فاسقين بأن الله جعلهم (سلفاً) لآخِرين .. فقد ألصق غافلون عن آيات الله آخِرون وصْفَ (سلف) الذي لم يتكرر في القرءان .. ألصقوه بخير جيل عرفه التاريخ ليُسمّوا أنفسهم (سلفيين) مع أن ذلك الجيل الذي زكاه الله سبحانه أخذوا بتوصية ربهم ورُسله لهم فكانوا (ربانيين) بسبب تعليمهم الكتاب ودراستهم له !

وكان الأحرى بهؤلاء الغافلين أن يتَسمّوْا باسْمهم فيكونوا ربانيين بدلا من أن يقولوا على الله الكذب حين يزعمون أن أحاديثهم هي وحْي يوحى من عند الله ، والله سبحانه يشهد *[ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ ] :

*[ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {78} مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ {79} ] آل عمران .

إرجع إلى مقال : ألله يقول كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ .. لا سلفيين :

الله يقول : كونوا ربانيين لا سلفيين

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=3&cat=2

(3)

 يُفهم من آيات الزخرف أعلاه (54- 56) انّ الذي يطيع ظالماً في ارتكاب ظلم هو فاسق يستحق العقاب ولا عُذر لـه . ولذلك يقول سـبحانه *[ انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ] . فلا يجوز التعاطف مع ظالم وأتباعِه اذا انتقم الله منهم مباشرةً او بواسطة ظالم آخر . ولا يقال إنهم مِن الأمّة على كل حال . فقد لامَ الله سبحانه رسوله نوحاً حين تشفّع في ابنه بحجة أنه من أهله ، وطلب من ربّه ان يُنجيه من الغرق :

*[ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} ] هود .

 ومن المفيد ان يَذكر الغافلون عن سوء عواقب الظلم ، الذين تغُرُّهم مُتع الحياة ... أن يَذكروا أوَّلاً خَمس آيات قصار من أيـات  *[ الذّكر الحكيم ] :

*[ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ {205} ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ {206}‏ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ؟! {207} وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ {208} ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ {209} ] الشعراء .

 وأن يذكروا مصير الشاعر المعتمد بن عبّاد ملـك ( رئيس بلدية) اشبيلية الـذي أسره المـرابطون وسـجنوه في مدينــة ( أغمات ) بالمغرب بعد أن استعان بالاسبان فلم ينفعوه ، فرسم بابيات من الشعر هذا المفهوم القرءاني وبصورة مؤثرة كثيراً ما تتكرر :

بالامس قد كنت في الاعياد مسروراً : فساءَك العيد في (أغماتَ) مأسورا

ترى بناتك في الأطمار حافيـــةً : يَغْزِلن للناس ما يملكن قِطمـــيرا

يَطأن في الطين والاقدام حافيــةٌ : كأنها لم تطأ مِسكاً وكافــــورا

مَن بات بعدك في مُلك يُسّر بــه : فانما بات بالايام مغـــــرورا !!

كونوا أنصار الله : مفهومها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=155&cat=3

الأحد/ 4 /صفَر / 1424/هـ ... 6/ 4/ 2003/ م

*[  لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ  ]

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس-  *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---