الخبيثُ والطيبُ : الكثيرُ والقليلُ

*[ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ]

(1)

البرهان على مفهوم العنوان من آيات القرآن

*[ مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ {99} قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {100} ] المائدة .

*[ مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ {179} ] آلعمران .

(2)

البيـــــــــــــــــــــــــــــــــان

 تُبيّن الايات الاولى عدمَ استواء الخبيث والطيب . ولا ينكر هذا احد . ولكنها تبين كذلك ان الخبيث مربوط بالكثرة التي قد تُعجب الناس . ومن الامثلة على هذا :

أ‌.   أنّ البلاغ المبين الذي أُنزل على الرسول الكريم وهو القرءان الكريم قليلٌ طيّب . فهو كتاب واحد ، آياته لا تزيد عن (6236) آيةً فيها اقل مِن ثمانين الف كلمة . بهذا البلاغ القليل الطيّب غيّر الرسول الكريم (بتوجيهٍ من ربه) وجْه العالَم في 22/سنة ، وهو عدد قليل . أمّا بالكثير غيرِه مِن آلاف اسفار وكتب التراث فقد اصبح مَثلُ العرب والمسلمين (عبَد الطاغوت) ( كمن قبلهم ) كَمَثل الحمار يحمل اسفارا (2-5/الجمعه) ، بشهادةِ واقعهم المخزي  !

*****

ب‌.   وفي آية آلعمران نُبوءة  قرآنية بأن السابقين الأولين من المهاجرين والانصار الذين كانوا قلة طيبة بشهادة الله سبحانه قد تميّزوا عن غيرهم أكثرِ الناس بايمانهم بكتاب واحد لم يعرفوا سواه وبنجاحهم في امتحانِ شهادةٍ مِن كلمتين آمنوا بهما : فقد *[ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ] حين كان مجردُ قولهما فيْصلا بين الايمان والكفر وربما بين الحياة والموت :

*[ إِنَّ الَّذِيـنَ قَالُوا رَبُّنـَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكـَةُ أَلَّا تَخـَافُوا وَلَا تَحْـزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ {30} نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِـي الْحَيـَاةِ الدُّنْيَا وَفِـي الْآخِرَةِ وَلَكُـمْ فِيـهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيـهَا مَا تَدَّعُونَ {31} نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ {32} ] فصلت .

وبعد أنْ جاء نصرُ الله والفتح اصبح قولُ تلكما الكلمتين سهلاً غير مُكلف ، فلم يعُدْ مجردُ قولِهما يدل على إيمان ، وكذلك الحال في الشهادتين اليوم . فلا يُعقل ان يظل قولُهما وسيلة التمييز بين خبيث الكفر وطيّب الايمان . لذلك اصبح الامتحانُ الصعب الذي به يَميز الله سبحانه الخبيثَ من الطيب .. هو الاختيارَ بين اتِّباعِ البلاغ القليل الطيّب الذي نزل على رسول الله قرءانا وظل القليلُ من الناس يتبعونه .. او اتّباعِ كثيرِ خبيثِ ما وجد الناس عليه اباءَهم مِن آلاف الاسفار والكتب التي اتّبعها أكثر الناس منذ أكثر من عشرة قرون !!

والدليل على هذا ان القرءان الطيّب القليل كان حبلَ الله الواحدَ الذي اعتصموا به فلم يتفرقوا ، وكان سبيلَ الله المستقيمَ الذي حفظهم اتِّباعُه مِن اتباع السُّبل التي تفرقت بهم عن سبيله .. كحالهم اليوم ، خلافا لوصية الله ربِّهم :

*[ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {153} ] الانعام .

وقد بيّن الله سبحانه ان هذا الصراط المستقيم الذي أَمر المومنين أنْ يتِّبعوه مستقيما هو الكتاب المبارك الذي أمرهم كذلك أن يتّبعوه وحذّرهم من عدم اتباعه :

*[ وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {155} ] الانعام .

فالصراط المستقيم هو الكتاب المنزَّل المبارك الذي أُمر الناس باتباعه حالةَ كونه مستقيماً . فإن وجدوا صراطاً لا يصلون باتباعه إلى الهدف في أسرع وقت .. فلا يكون صراطَ الله المستقيمَ !

*****

ج. ولأن اصحاب رسول الله ( سلام الله عليه ) كانوا قلة طيّبة ، بينما المسلمون اليوم ومنذ قرون هم كثرة خبيثة (كغثاء السيل) ، فان علينا ان نرُدَّ الخلافَ حول كثرة الاولاد او قلتِهم إلى كتاب الله العظيم ، وإلى الايات المذكورة اوّل البحث :

*[ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ  {10}‏ ] الشورى .

هذه هي وصية الرسول الكريم للمؤمنين كما نقلها عن ربه سبحانه ، ووثّقها الله قرءانا ليُبطل بها كُلّ افتراءات البشر على الله ورسوله التي تزخر بها كتبُ لهْو الحديث !!

*****

د. وردت إشارات سلبية إلى التفاخر بكثرة الأولاد والأموال ، منها قوله سبحانه :

*[ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ {35} قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {36} ] سبأ .

*[ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {20} ] الحديد .

(3)

فهل يكون الخير في ان يتناسل المسلمون ويتكاثروا ليُباهي ويُكاثرَ بهم النبي الأمم يوم القيامة كما زعم المُفترون !!؟ وهل يُعقل ان يُباهي احدٌ بكثرةٍ خبيثةٍ كزَبَدِ أو غثاء السيل .. ام أنّ الخير هو في التركيز على قليل من الاولاد بنوعية طيبةٍ لعلها تكون ممن استحقوا الوعدَ الحق (55/النور) وقال الله فيهم :

*[ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ {10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ {11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {12} ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ {13} وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ {14} ] الواقعة .

بدلاً من كثرةٍ غالباً ما تكون خبيثةً كما يتبيّن من واقع الامة ؟

متى يصبح الجنين إنسانا

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=151&cat=6

فإلى الذين تعجبهم كثرة الخبيث الذي يزيد ضرره على نفعه (كالخمر والميسر) نقول ما قاله الله سبحانه لرسوله الكريم :

*[ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ !! ] الجواب *[ قُلْ صَدَقَ اللّهُ ] .

الخطاب المنشر بجلي العبارة والمشفر بخفي الإشارة  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=86&cat=3

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---