5/2/2024
 
 

بحث في الموقع

 
 

 مواضيع مختــارة

 

      

 

     

2/22/2012 5:39:00 PM

عدد القراءات: 12770
عدد التعليقات: 15




11/16/2011 4:08:00 PM

عدد القراءات: 12334
عدد التعليقات: 9


8/27/2010 12:22:00 PM

عدد القراءات: 43742
عدد التعليقات: 1212


8/22/2010 11:38:00 AM

عدد القراءات: 13884
عدد التعليقات: 3





7/26/2010 7:06:00 PM

عدد القراءات: 15021
عدد التعليقات: 4





4/27/2010 1:11:00 AM

عدد القراءات: 14698
عدد التعليقات: 22



     

 

  

  

 
 
 

 

 

أبحــــاث

وحْيُ اللهِ سبحانَه وإيحاءاتُ الشيطانِ : البثُّ الربّاني والبثُّ الشيطاني

3/5/2010 6:17:00 AM

عدد المشاهدات:6529  عدد التعليقات: 4
3/5/2010 6:17:00 AM

محمد راجح يوسف دويكات

 

 

وحْيُ اللهِ سبحانَه وإيحاءاتُ الشيطانِ :

البثُّ الربّاني والبثُّ الشيطاني

 

الحمْدُ للهِ ربِّ العالَمين

(1)

طرُقُ اتصالِ الله سبحانه بالبشر

*[ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا (1) وَحْيًا أَو ْ(2) مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَو(3) يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) ] الشورى .

 

من هذا النص الرباني اليقيني نفهم أن طرق اتصال الله سبحانه بالبشر لا تتعدى ثلاثة :

أ. الإيحاءُ إليهم يقظة بأمرٍ ما على شكل إشارة خفية سريعة يُلقيها سبحانه في قلب الإنسان وغالبا لا يعرف مصدرها .. أو مناما برُؤيا مُنَشّرة (كرؤيا إبراهيم) أو مُشفرة (كرؤيا ملك مصر)  . ويختص اللهُ أنبياءَه  – كما سنرى- عن باقي البشر الذين قد يوحي الله سبحانه إليهم بهذه الطريقة أيضا ... في أنّ الله تبارك وعلا لا يُطيل أمد اختلاطِ إيحاءاته إلى الأنبياء بإيحاءات نفوسهم أو إيحاءات الشيطان لهم.. بأن يُحكِم الله سبحانه إيحاءاته ويثبتها ولو بعد حين ،  وينسخ غيرها ويمحوها !

 

والهدف من هذا البحث تبيين الأمر للناس وتعليمهم كيف يفصلون إيحاءات الله ربِّهم إليهم عن إيحاءات الشيطان وإيحاءات أنفسهم الأمّارة بالسوء .

ب. تكليم الله سبحانه بشرا من وراء حجاب بكلام مسموع دون أن يرى السامعُ اللهَ تعالى . ومبلغ علمِنا أن أحدا من البشر لم يكلمه الله سبحانه تكليما ( بكلام يسمعه ) سوى رسولِه موسى عليه السلام :

*[ قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) ] الأعراف .

*[ .. وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا(164) ] النساء .

ج. أما الطريقة الثالثة فبأنْ يرسل الله سبحانه رسولا من الملائكة – غالبا جبريل عليه السلام - ليوحيَ بواسطته بكلام من الله سبحانه إلى رسول من البشر. وخير كلام كلّم الله سبحانه به رسولا من البشر بواسطة رسول من الملائكة – جبريل- (بشهادة الله 166/النساء) هو القرآن الكريم الذي هو الكتاب كلّه All in one . ثم إنّ الله عز وجل بكلامه/ وحْيِه إلى رسل البشر إنما يكلم البشر بخطاب مُحكَمٍ جلي أو يوحي إليهم بفكرة مناسبة مبثوثة في خطاب متشابهٍ خفي :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=129&cat=4

*[ .. وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ …(75) ] البقرة .

*[ .. وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ…(19) ] الأنعام .

ولفظة (بلغ) من المثاني = بلغ سن التكليف و بلَغَه القرآنُ الكريم بالحكمة والموعظة الحسنة .

فمَن قرأ القرآن الكريم فهو يستمع إلى الله ربه وهو يكلمه . فإذا أحب أن يُـكلم اللهَ سبحانه قام بين يدَي ربه يصلي ودعـاه بما يُحب (اللهُ والداعي) . وخير الدعاء ما كان بكلمات الله العظيمِ :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=70&cat=3

(2)

الرسولُ والنبيُّ

قوله سبحانه *[ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا ] من المثاني : فالرسول هنا هو الملَكُ الذي يُكلم أيْ يوحي إلى الرسول من البشر ما أذن الله به .. وهو كذلك الرسول من البشر الذي يرسله الله سبحانه إلى الناس ليبلِّغهم رسالةً نَصِّية بلسان يعرفونه .

لهذا فالرسول هو :

*[ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ : يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً {2} [ البينة .

فهو رسول من الله حالةَ كونه يتلو صحفَ القرآن المرفوعةَ المُطهرةَ . وهو ينوب عن الله ربِّه وينطق باسمه في تلاوة آياته التي هي وحْيٌ يوحَى . لذلك يكون ربُّه معه وهو يتلو حتى لا يُخطيء

*[ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} ] العلق .

أيْ : إقرأ وربُك الأكرمُ معك ... أو حين تقرأُ ستكون في معيَّة ربك ، لينسخ (يمحو) ما يُلقي الشيطانُ من إيحاءات يحاول بها تبديل كلمات الله . ولأن الأمر خطير ويمس بالرسالة التي يجب أن تكون نصِّية يقينيةً لا يتطرق إليها الإحتمال (وإلاّ بطل بها الإستدلال) ، فإن الله سبحانه ينسخ/يمحو ما يُلقي الشيطان على الفور . لذلك قال *[ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ .. ] .

 

أما إذا ألقى الشيطان إيحاءاتٍ نبويةً تطبيقيةً كأفكار فقد يتأخر نسْخُ اللهِ لها وإحكامُ مفهوما بآياته لحكمةٍ ما ، لأن إيحاءات الله الحكميةَ التطبيقية للأنبياء - ومن ذلك فَهْمُ الآيات - هي أقل خطورة وأهميةً من وحْي الآياتِ نفسِها التي هي الرسالة النصِّية . لهذا قال سبحانه *[ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] :

*[ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {51} وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ : فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {52} لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ {53}

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {54} وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ {55}‏ ] الحج .

فقد توعّد اللهُ الذين يحاولون التشكيك في يقينية آيات الله المُنزّلة التي بلّغها الرسلُ متهمين الله بالعجز بدعاوى اختلاطها بإيحاءات الشيطان - ككِذبة الغرانيق التي لا يقل عنها فساداً الزعمُ بان السُّنة المزعومة وحيٌ يوحَى كالقرءان - أو دعاوى نسخ الآيات  دون أن يقفوا على النص ويتدبروه ، ويُعظِّموا منزِّله ويسبحوه .. حتى أنهم لم يعرفوا الفرق بين الرسول والنبي في كل آيات الكتاب ومن ذلك هذه الآيات من الحج . فلم يربطوا بين قولِه سبحانه *[ مِن رَّسُولٍ ... فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ] وقولِه *[ وَلَا نَبِيٍّ ... ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ] على الترتيب . (فالفاء) للرسول ، (وثم) للنبي ... على الترتيب .

(3)

مفهومُ *[ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ]

أ. كلمة  رسول تشمل مَن يرسله الله سبحانه مِن الملائكة ليبلغ واحدا من البشر ، أو مِن البشر ليبلّغ جماعة من الناس كلامَ الله بالنّصِّ الذي بلّغه اياه الرسول من الملائكة ..

]* اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(75) [ الحج .

هذه الحقيقة هي أهمُّ الحقائق الإيمانية  وأولُها نزولا من السماء على الرسول الكريم :

*[  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} ] العلق

فجبريل يقول لمحمد (عليهما السلام) ما مفهومه :

(1) أنا لا آمرك أن تقرأ باسمي ، بل أنا أنطق هنا باسم ربك الذي خلق ، وأنت كذلك ستقرأ باسم ربك الذي خلق وتنطقُ باسمِه ..

(2) كما أنني لا استطيع بقدرتي أن أجعل أُمّيا مثلَك يقرأ ، ولكنك ستصبح قارئاً بقدرة ربك . فأصبح قارئاً منذئذٍ - لا كاتبا - إذ لم تكن له بالكتابة حاجةٌ مع وجود كتبةٍ . فكان جبريل يوحي إليه بحروف الكلمة وشكلِ الحروف  ويطبعها في فؤاده/ ذاكرته :

*[ حم {1} عسـق {2} كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {3} ] الشورى .

 وكان الكتبةُ قطعا يعرضونها عليه بعد كتابتها ليستوثق قبل إقرارها أنْ :

*[ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى {11} ] النجم .

 

ب. أما كلمة نبي فقد أُضيفت في القرءان إلى البشر ولم تُضف إلى الملائكة . وكل رسول من البشر يكون نبيا ثم يُصطَفى ليصبح رسولا :

*[  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً {45} ] الأحزاب .

إذ أنه كرسول كان يتبلّغ نصَّ الرسالة فيُبلغها لنفسه وللناس تلاوةَ آياتٍ فقط ثم يقوم كنبي ببيانِ المناسب منها للمسألة في وقتها بل أحيانا في ساعتها، حسب الواقع ، وبيانِ مفهومها للناس في ذلك الواقع .

التفصيل في : القراءة الآخِرة للقرءان الكريم : مدخل إلى خطاب إسلامي رباني معاصر :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=66&cat=2

(4)

الحُكمُ والعِـلم والكتاب

ترتيب طرقِ اتصال الله تعالى بالبشر آنفةِ الذكر مقصودٌ : ذلك أن النبوة – وطريقُها الوحي أو الإيحاء الشفهي - تسبق الرسالة النصيّةَ المكتوبةَ التي طريقُها الرسول من الملائكة عن ربّ العزة سبحانه . والنبوة نفسها يسبقها (الحُكم) وهو الحكمة النظرية (الفهْم) التي تُمكّن صاحبها من الإطلاع على بواطن الأمور ومعرفةِ ارتباط الأسباب بمسبَّباتها/نتائِجها ، فمعرفةِ ما يكون مما كان ، وتجعله يُحسن الحكم على الأشياء والأمور، ويُحْسن التعلّم قبل أن تأتيه النبوة . وأكثر ما تتجلى هذا المراحل (حكم و علم  و كتاب) في حالة موسى عليه السلام :

 أ. الحُكم : فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ(21) [  الشعراء .

فكانت بدايةُ (الحُكم/الفهْمِ) الذي أوتيه موسى فورا عقب خوفه من فرعون إثر قتْلهِ للمصري وفرارِه وترقُّبِه واستخلاصِه العِبر :

*[ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ {15} قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {16} قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ {17} فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ... فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {21}‏ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ {22} ] القصص .

 

ب. أما عِلم النبوة فواضح أنه جاءه خلال العشر سنوات التي قضاها في مدين . وخلالها استوى ونضجت رجولته فآتاه الله النبوة :

 *[ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) [ القصص .        على الترتيب :

فببلوغه أشده (الرجولة) أوتي الحكم ، وباستوائه (نُضْج رجولتِه) أوتي علم النبوة فتقوّى الواحد بالآخر .

 أما  يوسف عليه السلام فقد أوتي الحكم وعلم النبوة بمجرد أن بلغ أشده :

]* وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) [ يوسف .

وربما يُعزى تأخر علم النبوة عن موسى أكثر من يوسف إلى ما كان في موسى من العجلة ومعها سرعة الغضب : فبالعجلة قتل الرجل ، وبها عَجِل فترك قومَه لميقات ربه.. فضلّوا في غيابه ، وبالغضب ، ومعه عجلة ، ألقى ألألواح ، وبسبب العجلة فارقه العبد الصالح :

]* وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى(83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى(84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ(85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا ..     (86) [ طه .

ولعل اختيار قومِه للعِجل وليس البقرة أو الثوْر أو ...

كان للتذكير بخطورة العجَلةِ وارتباطها بالخطأ !!!!

إن في ذلك لعبرة لكل متعجل غير صبور وخاصة لمواقيت الأمور التي لا تُثمر ثمرا ناضجاً إلاّ إذا جاءت على قَدَر  on time*[ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ] .

 

ج. الرسالة والكتاب : ثُمَّ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ..  (154) [ الأنعام .

فكانت الرسالة النّصِّية التي أنزلها الله عليه موثقة مكتوبةً في الألواح . أنزلها الله سبحانه ليتمم بها ما كان موسى قد أحسنه وأتقنه من الحكم و علمِ النبوة .

(5)

الحِكمة

الحُكمُ/الفهْم – الحكمة النظرية – مع العلمِ والخبرةِ يُكوّنان معا الحكمة العملية التي هي حُسن التطبيق ووضْعُ كل شيء في محله ، لتنضبط  بها الأمور . وهي الميزان الذي به توزن الأمور ليتحقق به التوازن . ولا توازُن إذا لم يكن كل شيء في محله . وقد قرن الله سبحانه الكتاب بالميزان في أكثر من موقع كما قرن الكتاب بالحكمة عشْرَ مرات :

أ. [ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ {17} [  الشورى .

وهذه إشارة إلى أنّ ساعة الحساب في الدنيا قبل الآخرة تحين إذا حصل طغيان – أي تجاوزٌ للحد - يُخلُّ بالتوازن :

فبعد إخفاق البشر في تحقيق التوازن بالفطرة والعلم كما يلاحظ هذه الأيام.. تأتيهم ساعة الإهلاك أو العذاب ليرجعوا إلى الكتاب والميزان كما حدث في مطلع القرن السابع الميلادي حين أنزل الله الكتاب والميزان قُرءاناً .. وكما حدث ولا يزال يحدث منذ مطلع القرن الحادي والعشرين (!!) من إخفاق الناس بالعلم والتجربة فقط  وبعين واحدة في تحقيق التوازن لخير البشر . فلم يبقَ أمامَ الناس إلاّ أن يستجيبوا لدعوة الله لهم بتحقيق التوازن بالكتاب والميزان :

*[ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ {47} ] الشورى .

 

ب. *[ أُولَئِكَ الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ …(89) [ الأنعام .

 *[ أولئك [ = إبراهيم عليه السلام وذريته ومن جاء بعده من أنبياء الله ومنهم رُسُله .

*[ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {78} مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ {79} وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ !! {80} ] آل عمران .

 

ج. *[… وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ .. (113) [ النساء .

الكتاب : النصوص النظرية المكتوبة التي هي أصل الأفكار والمفاهيم النظرية . وهي قابلة للتطبيق في كلّ واقع إذا أُحسن فَهمُها فهْماً عصريا ينفع الناس . وهي ما عُرف اليوم بالنظرية .

الحكمة : طرق تطبيق النظرية بحيث يوضع كل نص نظري بمفهومه الحِكمي في محله . ومن الحكمة ما نزل في الكتاب على شكل نصوص مفاهيمها تطبيقية عملية كالوصايا القرءانية العشر (22-39/الإسراء) :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=33&cat=5

]* ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ …(39) [ الإسراء .

ومن الحكمة التطبيقية ما أُوحي إلى النبي الامين إيحاءَ نبوةٍ شفهيا لم يوثَّق كتابةً في القرآن لِعلم الله سبحانه أنه محكوم بواقعه وليس دائما ، كالقِبلةِ الأولى :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=17&cat=3

 ومنها ما اكتسبه بالتجربة وباجتهاد منه فكان مناسبا لعصره بل أحيانا لساعته . لهذا أَُمَر أن لا يُكتب ، كما بيّنّا في البحث المُشار إليه على هذا الرابط .

ومن هذه الإجتهاداتِ ما فعل ذو القرنين الذي آتاه الله سبحانه من كل شيء سببا ، فلم يجمد على ما أوتي بل أتْبع أسبابَ الله سبحانه أسبابا من اجتهاده تناسب واقعه ، فجمع بذلك بين الأصالة والتجديد ، وبين التلقي والإضافة .

(6)

وحيُ الله سبحانه إلى خلْقه .. وإيحاءاتُ الشيطان

وحيُ الله سبحانه إلى كل مخلوقاته – بمعنى الإيحاء أو الإلهام بإشارات خفية - دائم ومستمر ما دامت هناك مخلوقات مُكلَّفة أو غير مكلفة ، تُؤكدها آيةٌ إيمانية مفصليةٌ مُحكمة غفل عنها البشر تُبيِّن سيطرة الله سبحانه على مركز التفكير والقرار في مقدَّمة دماغ كلِّ دابة (ناصيتِها) *[ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء ]  :

*[ إ ِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ  {56} ] هود .

هذا هو الدليل العام على إيحاء الله لكل دابة مخلوقة من ماء بل وسيطرته على ما تُفكر فيه وتعمله  : فما شاء أذِن به ، وما شاء منعه ، وما شاء عدَّله . إذ *[ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {22} لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {23} ] الأنبياء .

ومن الأدلة الخاصة على إيحاءات الله سبحانه لغير الرسل والنبيين قوله :

]* .. وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(15) [ يوسف .

وكان غلاما ، قبل أن يكون نبيا !

]* وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ  .. (7) [ القصص . وكانت امرأة !

]* وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ    (68) [ النحل .

]* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا  ..(12) [ فصلت .

]* إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ  .. (12) [ الأنفال .

*[  إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا {1} وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا {2} وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا {3} يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا {4} بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا {5} ] الزلزلة .

ولحكمة ما - منها أن يُمتَحن الناس بالرأي والرأيِ الآخَر - أعطى الله سبحانه الشياطين ترخيصا وقدرة على الإيحاء لبني آدم بالتكليم الخفي عن بُعدٍ بالرأي الآخَر :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=49&cat=2

]*.. وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) [ الأنعام

]* وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ {112} [ الأنعام .

*****

فإيحاءات عدو النبي من شياطين الإنس والجن هي أقوال مزخرفة وخرافات تُغري البُسطاء بالإنصات ، ولكنها افتراءات على النبي دُسَّ فيها السُّمُّ بالدسم فتسممت به العقول ، ولم ينفع الدسمُ الأبدان بدليل الواقع المخزي . ومع ذلك يصر رُواتها على أنها وحيٌ يوحى – افتراءً على الله .

فكأنّ الله سبحانه سمح لشياطين الجن ، كما لشياطين الإنس ، بإنشاء محطة أو محطات بث لاسلكي تُمكنهم بإذنه من إرسال رسائلهم المُضلةِ إلى الناس امتحاناً لهم :

أ. فمِن الناس من يداوم على التقاط رسائل الشيطان وإيحاءاته بالإصغاء إلى موجات بثه حتى يستحوذ الشيطان عليهم ، كما يُصغون إلى فضائيات التضليل الخرافي الغوغائي تارة ... وفضائيات العُهر والإفساد تارة أُخرى ...

 

ب. ومن الناس من يحب التقاط رسائل الله ربه مِن كتابه مباشرةً ، إذ ليس لرسائل الله سبحانه وسيلةُ إعلامٍ مسموعٍ ولا مرئيٍ حتى للآن .

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=191&cat=5

 ولا يكتفي الشيطان بالآلاف من وسائل إعلامه وموجات بثه ، بل يدخل على موجة بث الرحمن وبإذنه *[ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ]. وقد تُشوِّش إشاراتُه على إشارات الله وايحاءاته المبثوثة في كلماته  وبإذنه كما يحدث فعلا في البث الإذاعي والتلفزيوني .

إلاّ أن كل شياطين الإنس والجن لا يستطيعون الدخولَ إلى رسالات الله القرءانيةِ النصية نفسِها والعبثَ فيها   [ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9} ] الحِجْر !

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=10&cat=3

 (7)

التحذير من المداهنة واختلاط الحق بالباطل

لذلك وجب أن يَعرف الإنسان كيف يفصِل الموجتين : موجةَ إيحاءاتِ الله العظيم ورسائِله غيرِ النَّصية عن موجات إيحاءات الشيطان الرجيم ورسائله . أما الرسل والأنبياء الكرام فكان الحق سبحانه يتولى عملية الفصل بين الرسائل التي تردهم من الله عز وجل وتلك التي يدخل بها الشيطان على موجة بث الله تبارك اسمه . وقد بيّنّا شيئا من هذا من الآيات (52- 55 ) من سورة الحج أعلاه ، ونضيف إليه ما يُكمل الفكرة : 

نزلت هذه الآيات المباركة أول الهجرة بين مكة والمدينة لتتعلق مفاهيمها بالمشركين في مـكة كتـعلقها بالمنافقـين ]* الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [ وأهلِ الكتاب *] َالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ [ في المدينة قبل أن يصلها الرسول الكريم ، لتُذكِّره مُقدّما بعدم الوقوع بل حتى مجرد التفكير في شَرَك التنازلات الإيمانية وحلولها الوسطية حين يتعلق الأمر بالفكرة والعقيدة *[ فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ {8} وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ {9} ] القلم .. بينما الأمر ممكن في المسائل العملية التطبيقية التكتيكية :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=73&cat=3

وهو خطأ جسيم

كاد الرسول النبي أن يقع فيه في مكة مع المشركين

لولا رعايةُ الله سبحانه له وتثبيتُه اياه :

]* وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا(73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا(75) [ الإسراء .

هذه الآيات من سورة الإسراء إشارة إلى ما سبق أن عرضه المشركون على الرسول النبي الكريم من حلّ وسطي بأن يعبدوا إلهه يوما ويعبد آلهتهم يوما كما قيل . وربما ظنّ الرسول النبي الكريم الذي كان (يتمنى) إيمان قومه ويتعجل الخير لهم أنّ مثل ذلك الحل قد يقربهم الى الايمان … فجاء رد الخالق العظيم ليصده عن هذا التوجه الخطير ويُثبّته على الحق ويسدده ويحسم المسألة حسما مؤكدا ومكرَّرا مرتين ليكون موجها إلى الأوّلين فيما مضى  وإلى الآخِرين اليوم (!!) :

]* قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ(1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ(4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) [ الكافرون/109 .

*[ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ {35}‏ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ {36} ] الأنعام .

وقد حُذِّر الرسول النبي الكريم من التفكير في الخطأ نفسه في المدينة المنورة وفيها ما فيها :

]* وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ..(49) [ المائدة .

(8)

موجاتُ بثِّ رسائلِ الشيطان وإيحاءاتِه

مفهوم ]* أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [ في الآيات السابقة أنّ مدخل الشيطان إلى نفوس البشر – وهي موجات بثه إليهم - حتى لو كانوا رسلا أو أنبياء إنما هو من باب أُمنياتهم التي بسببها كبشر يحاولون القفز عن الأسباب إلى النتائج تعجلا للأمور. هذا هو الخطأ المميت الذي وقع فيه المسلمون وكرروه منذ قرابة مائة سَنة على الأقل ولا يزالون .

وإذا كان رُسل الله قد عصمهم ربُهم ومُرسِلُهم سبحانه بالتسديد ونسْخِ ما يلقيه الشيطان في ايات الله المنزلة (رسائِله النصيّة) على الرسل فورا  مما يوافق أمنياتهم في تعجل الخير لأقوامهم ... ثم نسْخِ ايحاءات الشيطان الشفهية الى انبيائه فَهْماً للآيات وتطبيقاً لها وإحكاماً للفَهم الصواب ( كما حدث من لَبسٍ في فَهمِ الآيات 41-44 من سورة المائدة ، التي ظنها النبي الأمين إشارةً إلى حكمِ رجم الزاني في التوراة ، من قبل أن يُصوبه ربه بالآية 44 وبحكم الجَلد) … فإن غيرهم من بني البشر لا يتمتعون بمثل هذه العصمة التامة التي تَميز بها الرسل وشبه التامة التي كانت للنبيين . بل إن الناس مِن غيرهم مأمورون أن يجتهدوا وأن يربطوا آيات الله سبحانه بعضَها ببعض وبالواقع المتجدد والمتغير حتى يستخلصوا حُكم الله الصواب في كل مسألة . وهم بذلك يُصيبون فتُكتب لهم الحسنة بعَشرِ أمثالها ، ويخطئون فتُكتب لهم حسنة مُقترَفة :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=36&cat=3

مع تسديد الله سبحانه لهم وتثبيتِهم على الحق والخير بنسبة تتناسب مع تقواهم وعلمِهم وصبرِهم وتمسُّكهم بل تمسيكهم بكتاب الله .                                  :
]* يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَءَامِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(28) [ الحديد/57 .

]* كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {3} [ فصلت .

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=36&cat=3

(9)

فصْلُ إيحاءاتِ الله الرحمن الرحيم.. عن إيحاءاتِ الشيطان الرجيمِ

كان للرسول الكريم وصفان: أوّلهما كونُه رسولاً يُبلِّغ عن ربه الخالق سبحانه الذي هو السلطة التشريعية . فلم ينطق بالقرآن عن هواه ولم يُخطيء أبدا . وثانيهما كونه نبيا وبشرا يقود دولة : يفهم النصوص فيَحكم ويقضي بموجبها متبعا ما يوحى إليه في الكتاب المهيمن على كل ما سواه . يفهم اياته ويربط بينها ويُحسن تطبيقها وتنفيذها ، يصيب كثيرا ويُخطيء قليلا فهْما وتطبيقا : أي أنه كان رأس السلطة القضائية والسلطة التنفيذية معا .

وبصفته الأولى رسولاً كان ينطبق عليه ما انطبق على الرسل من قبله :

]* قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُـبِينٌ(9) [ الأحقاف .

*[ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ : إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ {43} ] فصّلت .

*[  مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ .. {75} ] المائدة .

*[  وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ .. {144} ] آل عمران .

*[ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ {36} ]النحل .

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=64&cat=3

 *[  قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ؟ قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ(19) [ الأنعام .

فكيف تنسجم براءةُ الرسول مما يشركون مع زعم التراثيين أنه دعا الناس إلى سُنة له أشركها بالقرءان بل جعلها قاضيةً عليه ! سبحان الله عما يُشركون !

*****

ومن أجل بقاء النص القرءاني محفوظا وخالصاً كان الله سبحانه يتولى عصمةَ رسوله وتثبيتَه كرسول مهمتُه تبليغ النص القرآني تلاوةً ، فيكون في معيّة ربه وهو يتلو الآيات ، ليتولّى اللهُ فصلَ إيحاءات الشيطان إليه عن وحي الله على الفور : ينسخ الأولى ويمحوها ويُحكم الثانية ويُثبتها عبارة وكلمة وحرفا . فلم يسبق له عليه السلام أن نطق في تبليغ أو تلاوة آيات كتاب الله تعالى بحرف واحد ليس منها . فكان القرآن الكريم كله – ولا يزال إلى يوم الدين – وحيا يوحَى به من الله سبحانه لم ينطق فيه الرسول الكريم بحرف واحد عن هوى أو خطأ أو نسيان أو من تلقاء نفسه .

 

أما عند القضاء والتطبيق فكان نبيا بشرا يصيب ويخطئ وربما تعرض لشيء من إيحاءات الشيطان كأي بشر فيتولى فصلَ بعضها عن إيحاءات اللهِ إليه ولبني البشر بكفاءة تليق به وبتقواه وبمكانته التي لا يُدانيه فيها بشر من غير النبيين :

*[ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ {201} [ الأعراف .

(10)

مَثلٌ تاريخي يُفسر هذه الآية

يحضرني هنا مثل تاريخي معقول بيّنٌ يتكرر مِثله مع الناس ليُظهر الفرق بين قُدرتين بشريتين على استقبالِ الرسائل غير النَّصية الموحى بها من الله تعالى وفكِ رموزها (تأويلها) : قدرةِ الإنسان المؤمن التقي الكيِّس الفطن الذي يمشي بنور الله – وتُعتبر قدرة الرسول النبي كبشر مَثَلَها الأوضح - وقدرةِ الكافر الظالم الموكول إلى نفسه الماشي مكبّا على وجهه كما يمثلها أبرهة الحبشي :

 

ففي عام الحديبية تقدم المسلمون يقودهم الرسول النبي الكريم نحو مكة بقصد أداء العمرة . ولأن الله سبحانه كان يعلم حقائق الأمور، والخيرَ الآجل في عدم حصول قتال ذلك العام بين المسلمين والمشركين، ولأنّ النبي الامين كان حينئذ قائدا سياسيا وعسكريا من البشر، فقد شاء الله سبحانه أن يوحي إليه ويختبره بإيحاء خفي كالذي يوحي به اللهُ الى البشر مؤمنِهم وكافرهم ( ومنهم المخترعون والمكتشفون والمبدعون ) برسائل رمزية يُمسِّكهم بها طرف الخيط ويختبر بها قدرتَهم على التقاطها أوّلا ، وكفاءتَهم في تأويلها وحل رموزها ثانيا ، وتطويرِها ثالثا .

 

فحين توجه جيش المسلمين نحو مكة ، خلأت (بركت ، حرنت) ناقته . فتعجب المسلمون من حرانها غير المسبوق . ولكن النبي الامين أجاد وأحسن الربط بين الأحداث أكثر منهم ، منكرا أن تكون خلأت إذ لم يسبق لها ذلك .. ولكن حبَسها حابسُ الفيل عن مكة  فكان قراره : لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها . فقد فهم عليه السلام أن رسالة اللهِ ربِّه إليه تقول له ان مهلا يا محمد ، ليس الخير في دخول مكة حربا هذا العام .. فكان صلح الحديبية !

وكان عليه السلام يشير إلى حادثة مشابهة ورسالة مماثلة من الله تعالى إلى أبرهة الحبشي حين أوشك جيشه على دخول مكة : فقد برك الفيل الذي كان يتقدم الجيش ولم يُفلح أحد في جعله ينهض إلا حين وجهوه إلى جهة اليمن جنوبا. وبدلا من أن يلتقط أبرهةُ الرسالة ، من باب الفطنة ، أمر بتوجيه الفيل ثانية نحو مكة فبرك. ولم يُثر انتباهَه نهوضُ الفيل كلما وُجه نحو اليمن. وظل أبرهة مصرا على حمل الفيل على السير نحو مكة في غباء عجيب ، يُشبهه غباء هتلر في إعلان الحرب على العالَم . فلما أقام الله سبحانه عليه الحجة العملية في الغباء والغرور والطيش أمطره وجيشَه بحجارة من سجّيل .

(11)

مَثلان حِسّيان على الحق والباطل

لكن رُب سائل يتساءل : ما الذي يميز رسائل الله تعالى وإيحاءاته إلى الناس عن إيحاءات الشيطان التي منها خرافات التطيّر/التشاؤم . ويقينا لا يساعدنا على التمييز مِثْلُ فهْم كتاب الله الذي هو رسائله النصيّةُ الموثقة والمفصلة الموجهة إلى البشر.

وقبل التذكير ببعض نصوص كتاب الله تعالى لا بد أن نَعِيَ دائما أن الحق الذي تتضمَّنُه آيات القرآن الكريم المنزّل من السماء يُشبه كما يؤكد الله سبحانه (17/الرعد) ماءَ الحياة الذي ينزله سبحانه من السماء مباركا خالصاً ، فتسيل أوديةٌ بقدرها – وهي إشارة إلى تفاوت الناس في فهم النصوص وفي تطبيقها - فيحتمل السيل زبدا رابيا ( إشارة إلى سوء الفهم والإضافات التي يرفضها النص والواقع معا والتي أضيفت الى بعض افهام البشر لآيات الله وغيرها من الافتراءات على الله مع الزمن بحيث طغت على الماء النافع الذي تتضمنه نصوص القرءان اليقينيةُ وحدها ) .

لهذا السبب وحتى لا يظل الزبد رابيا طاغيا تعهد الله سبحانه بحفظ نصوص الكتاب كما أنزلها سبحانه على رسوله الكريم وإلى قيام الساعة .. حفظا يشمل العبارات وسياقها والكلمات والحروفَ لتسلم من أي زبد يُداخل الجوهر ويختلط به. ولم يتعهد الله سبحانه بحفظ مفاهيم النصوص القرآنية أيا كان مُستنبطُها حتى لو كان النبيَّ نفسه (لذلك نهى النبي عن كتابتها) ، لأنه أراد أن يستنبطها الناس على اختلاف أجيالهم وواقعهم المتغير من كلمات النص الثابت وسياقه ومن الواقع المتجدد الذي يعيشونه. وبذلك فقط يجمع الناس بين الثابت والمتغير، ويحققون معادلة الأصالة والتجديد :

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=37&cat=3

]* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(16) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ(17) [ الرعد .

*****

وفي موقع آخر من كتاب تعليماته سبحانه Manual شبّه الله تبارك وعلا القرآن الكريم – وهو أصل كل كلمة طيبة - بشجرة طيبة أصلُها (النص) ثابت وفرعُها المثمر المتجدد الذي يحمل الثمر (فهْم النص) في السماء :

]* أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25) [ إبراهيم .

فكما أن الأغصان/الفروع الجديدة هي التي تحمل الثمر الذي ينفع الناس ، كذلك المفاهيم المتجددة تُثمر مُعالجاتٍ جديدة للواقع المتجدد . فهذه الأغصان المتفرعةُ من الأصل الثابت هي التي تنفع الناس بعد أن أدت الفروعُ القديمة - وكذلك المفاهيم القديمة - دورَها في وقتها ، وحلت محلها في القيمة والنفع مفاهيم متجددة للنص الثابت نفسه !

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=11&cat=2

فكيف – على ضوء ذلك - نميز بين إيحاءات الله ورسائله

وإيحاءات الشيطان المختلطة بهوى النفوس البشرية الأمّارة بالسوء

حين تُصغي إلى الشيطان ؟

أ. إيحاءات الله سبحانه تأمر بالخير وتحضّ عليه وعلى تنفيذ ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه في كلمات وإيحاءات كتابه الكريم الموثّقِِ ، المقطوعِ بصحة كل نصوصه. وهذه وتلك تتفق مع الفطرة السوية التي لم تلوثها الأهواءُ التي تهوى العاجلة - والنفسُ مولعةٌ بحب العاجل !

 أما إيحاءات الشيطان فتأمر بالشر وأوّله الإعراض عن آيات الله ، وتحضّ على تنفيذ ما نهى الله تعالى عنه وتثبط الهمم عمّا أمر به. فإنْ أخفق اكتفى مؤقتا بتشجيع فريسته على عمل قشور الخير صرْفا له عن جوهره ، والإيحاء إليها بعمل الأقل نفعا بدلا من النافع، وربما بما ينفع أقل عدد مـن الناس بدلا مِـن *] مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [ الرعد :

]* وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)[  الزخرف .

]* قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ      (50) [ سبأ .

]* وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيـتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِـدِينَ(73) [ الأنبياء .

*[ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {24} ] السجدة .

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=157&cat=3

 

ب. إيحاءات الله سبحانه تحضّ على الأخذ بالأسباب وربط النتائج المرجوة بمقدمات من العمل والتعب والصبر . أما إيحاءات الشيطان فتعزف للإنسان على وتر التمني. والأمنيات لا تستند إلى أسباب لها نتائج . ولهذا قيل : لو كانت الأمنيات خيولا لكان كل المتسولين فرسانا . وربما سلك الشيطان بالإنسان – إيحاءً ووسوسةً- سُبل السهولة والعجلة والإغراء بمعسول الكلام مما يُثير فيه الغرور القاتل حين يظن بعض نجاحاته المؤقتة ( شطارةً وفهلويةً  ) :

]* لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مـَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَـجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيـًّا وَلَا نَصِيرًا(123) [ النساء .

 

]* وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ(113) [ الأنعام .

 

]*.. وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا(117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا(118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا(119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا(120) [ .

 

 ج. أسهل فريسة للشيطان هو الإنسان الكذّاب . فالكذّاب يقف أمام الشيطان مكشوفا بغير سلاح حين يزين له أنه يستطيع أن يُخفي جرائمه دائما بالكذب والتضليل ، خلافا لحقيقة انكشاف الأكاذيب ولو بعد حين :

]* هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم ٍ(222) يـُلْقُونَ الـسَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كـَاذِبُونَ(223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ(224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ(225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(227) [ الشعراء .

]*.. إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ{3} ] الزمر .

*[ .. إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ(28) ] غافر .

فإذا كان الله سبحانه لا يهدي من هو كاذب أو كذّاب

فهو متروك للشيطان فريسةً سهلة بغير سلاح ولا دفاع

ليسوقه إلى النار وبئس المصير . وواقع كثيرين يشهد بهذا !

 

د. من منافذ الشيطان إلى الإنسان ميلٌ في بعض الناس إلى التبذير، وفي بعضهم إلى البخل والتقتير. والتبذير: هو أيُّ إنفاق في الحرام أيْ في المواقع التي نهى الله سبحانه عن البذر فيها . وهو كذلك تجاوزُ الحدِ في الإنفاق المعروف عن مِثل الإنسان ولو في غير الحرام . ولعلّ التبذير – وأصله من البَذر- يُشبه بذر الحبِّ في الأرض بغير علم : بكثرة البذر او بذرِه في ارض غير صالحة للزرع فيضعف الزرع ويُهدَر البذر :

]* وَءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا(27) [ الإسراء .

]* وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(180) [ آل عمران .

 

هـ . من إيحاءات الشيطان إلى الإنسان تخويفُه من الفقر إن استقام وصبر. ثم يُتبع ذلك بتزيين الكسب السريع والسهل ولا يكون ذلك إلا حراما ، يعرف الحكيم بحكمته أنّ عواقبه وخيمة . فيزين لهم الإقتراض والمضاربات وكل الممارسات التي أوصلت العالَمَ إلى ما يعانيه من أزمات اقتصادية وقيَمية ...

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=106&cat=4

]* الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ      (269) [ البقرة .

]* يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(94) [ المائدة .

]*.. وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا(20) [ الفرقان .

*****

فبينما تحثُّ إيحاءات الشيطان على العجلة والكسب السريع بأيّ ثمن ، وتُثير التحاسد والتصارع .. نرى أن رسائل الله سبحانه وإيحاءاته تحثّ على الحكمة في التصرف ووضع كل شيء في محله. ولكي يوضع الشيء في محله لا بد من الأناة والصبر على العمل والتعب والعرق وبُطء النتائج … وهذه تبشِّر بعاقبة حميدة وآجل مضمون *] وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [ . والفرق واضح في قوله سبحانه :

]* أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(109) [ التوبة .

 

وعلينا أن نتذكر دائما أن صراع الإنسان مع الشيطان على حلَبة الأرض مستمر: إذا عجز الشيطان عن كسبه بالضربة القاضية وإخراج الإنسان من حلَبة الإيمان .. اكتفى بهزيمته بالنقاط . وليس هناك معصوم من خسارة نقاط  إلاّ أنّ فضل الله تعالى ورحمته يَجْبُران الخسارة [ ويعفو عَنْ كثيرٍ] بحيث تكون عاقبةُ/نتيجةُ المباراة المزدوجةُ (في الدنيا والآخرة) دائما لمصلحة المؤمنين بالله سبحانه ، الآخذين بالأسباب إسهاما في عمارة الأرض :

*[ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {97} ] النحل .

 

و. لا تنتقل ايحاءات/رسائلُ الشيطان الى الانسان بسرعة وقوة مثلما تنتقل في جو من الانفعال والغضب والرهق والتعب . من أجل هذا فإن الإشارات أو الرسائل الواردة على جهاز استقبال (حام أو فيه عطب ونَصَب) غالبا ما تكون إشارات شيطانيةً . فأبردْ الجهاز بعدم التشغيل أو أبْرِدْه بالماء واستعذ بالله . فإنّ الغضب يُغذيه الشيطانُ والحِكمةَ يُؤتيها الرحمنُ ، وإنما خُلق الشيطان من النار ، وتُطفؤ النار بالماء :

*[ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ {41} ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ {42}‏ ] ص .

وكذلك نار الغضب تُطفأ بالماء وقراءة القرآن ذِكراً لله إذ به تطمئن القلوب . وفي حالة كهذه فإن واجب المحيطين بالإنسان ألا يكونوا عوْنا للشيطان عليه بمزيد من الإيحاءات أو التصريحات التحريضية :

]* وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(36) [ فصلت .

]* وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201) [ الأعراف .

وواجبُ مَن حوله أن يُذكّروه بالله كما أمر القرءان :

*[ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ] .. وليس بطلب الصلاة على النبي وزيادة النبي صلاةً !! فقد أمر اللهُ سبحانه رسولَه الكريمَ أن يُذكّر بالقرءان فالتزمَ :

*[  فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ {45}‏ ] ق .

وورد الأمر للرسول الكريم بصيغة ]* فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [ أربع مرات : مرتين منهما من نزْغ الشيطان ومرة من استكبار من يجادلون في آيات الله بغير حجة أو دليل ، ومرة عند قراءة القرآن الكريم  قراءةَ فهْمٍ :

]* إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(56) [ غافر .

]* مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) [ النحل .

*****

فقد ربط الله سبحانه الحياةَ الطيبة في الدنيا وحُسنَ الجزاء في الآخرة بقراءة القرآن العظيم . ولأن الشيطان لا يغيظه شيء – حسداً منه - أكثرُ من سعادة بني آدم الذين كرَّم الله سبحانه أباهم وكرَّمهم عليه . وكالحاسد دائما لا يرضيه إلا زوال النعمة عن المحسود .. فإنه – لعنه الله - لا يغيظه شيءٌ أكثرُ من أخذ الإنسان بالسبب المؤدي إلى سعادة محسوده في الدارين :

وهو تدبُّر وقراءة القرآن قراءةَ فَهْمٍ لا هذرمةً .

لهذا أمر الله سبحانه رسوله الأمين أن يستعيذ بالله إذا قرأ القرآن ، أي إذا أراد أن يتلو آيات الله سبحانه ويُعلّم أو يتعلّم ما فيها من كتاب وحكمة (نظرية وتطبيق) . هذه هي قراءة القرءان . ومفهوم ذلك أن مجرد التلاوة لا توجب الاستعاذة ، لأن جُلّ هَـمّ الشيطان يتركز على الذين يقرءون القرآن : أي *[ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ] ويتدبرونه ليفهموه من أجل أن يُطبقوه عمليا بعد ذلك .

 لهذا جاء أمر الله سبحانه للمؤمنين بوجوب الاستماع والإنصات إذا قُريء القرآن : والإنصاتُ هو عدمُ الكلام إذا تُليت آياته حقَّ تلاوتها لتَعلُّم ما فيها من تشريع نظري وتطبيق عملي . أما الاستماع والإنصات لمجرد التلاوة العامة كما في الأسواق والمناسبات ووسائل الإعلام فليس فرضاً لأنه يصعب تطبيقه . أما إذا تُليت آيات منه على فرد بعينه أو أفراد بقصد إسماعهم فيجب عليهم أن يقولوا : *[ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ] ثم أنْ يستمعوا ويُنصتوا  حتى تزيدهم إيمانا :

 

]* إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2) [ الأنفال .

فإذا أعرضوا عن آيات الله لأيّ سبب ، كإعراضهم عنها لأنهم لا يسمعون أحاديث معها .. فلن يهتدوا إذاً أبدا :

]* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) [ الكهف .

وقوله سبحانه ]* فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا [ نفْيٌ لإمكانية اهتدائهم على التأبيد مرتين : مرة بقوله (لن) ومرة بقـوله (أبداً) . فمَن هم هؤلاء الميئوس من إمكانية اهتدائهم ؟؟؟

إنهم الذين يُذكَّرون بآيات ربهم في كتابه العظيم فيعرضون عنها . والإعراضُ عنها غير الكفر بها جُملةً . وهم يَجمعون إلى هذا الإعراض نسيانَهم لذنوبِهم وأخطائِهم وواقِعهم المخزي ، وغفلَتَهم عمّا يرتكبون من آثام ظانين أنفسهم على صواب. ولعلهم من الذين ذكرهم الله سبحانه في خواتيم سورة الكهف نفسها :

]* قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً {105} ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً {106} [ الكهف .

ومما يلفت نظر المتدبر لآيات الله أنّ صيغة النفي على التأبيد بـِ (لن) تكررت لنفي احتمال أن يُشرِك بعضُ الجن بالله بعد سماعهم آياته سبحانه في القرآن العظيم :

]* قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا{1} يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا {2} [ الجن .

فتأمل الفرق بين الذين *] لَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا [ بإعراضهم عن آيات كتاب الله ، والذين لَنْ يُشْرِكَوا بِرَبِّهم أَحَدًا حين استمعوا القرءان مرة واحدة  فآمنوا به  فَحصَّـنهم بالرُّشد من الشرك بالله سبحانه ومن كل ضلالة !!!

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=166&cat=3

 

]* رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا

 وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [

 

مدرسةُ الربانيين

خطابٌ إسلامي ربّاني معاصرٌ

يجمع بين اصالةِ النص القرءاني الثابتِ

والتجديدِ في فهمِه وتطبيقِه

 

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

 

 

 



 
 
ما ينشر في هذا الموقع ( ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) ( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ) وليس حقا لفرد أو أفراد
2008