5/2/2024
 
 

بحث في الموقع

 
 

 مواضيع مختــارة

 

      

 

     

2/22/2012 5:39:00 PM

عدد القراءات: 12771
عدد التعليقات: 15




11/16/2011 4:08:00 PM

عدد القراءات: 12335
عدد التعليقات: 9


8/27/2010 12:22:00 PM

عدد القراءات: 43744
عدد التعليقات: 1212


8/22/2010 11:38:00 AM

عدد القراءات: 13884
عدد التعليقات: 3





7/26/2010 7:06:00 PM

عدد القراءات: 15021
عدد التعليقات: 4





4/27/2010 1:11:00 AM

عدد القراءات: 14698
عدد التعليقات: 22



     

 

  

  

 
 
 

 

 

أبحــــاث

( الجهاد والهجرة ) في الله ..( والهجرة والجهاد والقتال ) في سبيل الله

12/4/2010 10:11:00 AM

عدد المشاهدات:5577  عدد التعليقات: 2
12/4/2010 10:11:00 AM

محمد راجح يوسف دويكات

 

 ( الجهاد والهجرة ) في الله ..

( والهجرة والجهاد والقتال ) في سبيل الله

 

      الحمد للّهِ ربِّ العالَمين        

(1)

الجِهادُ والهجرةُ في الله

أ‌.       الجهاد مفهومه بذل المؤمن جُهْدَه ( 79/التوبة ) وطاقَتَه في الله اوَّلا وفي سبيل الله ثانياً. وجاهَدَ وصابَرَ وقاتل وكذلك هاجَرَ على صيغة فاعَلَ تُفيد المبادلة والمنافسة بين طرفين ، ليفوز فيها الأكثرُ صبراً وبذْلاً للجهد . وخلافاً لكل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبُر، فان الجهاد يبدأ كبيراً ثم يصغُر. لذلك كان الجهاد كبيرا وبلا قتال في عهد التأسيس المكي كلِّه ، فكان كبيراً وفي الله : بمعنى التصدي لخصوم التغيير المفترين على الله كذباً  والمكذبين بالحق – كتاب الله – لما جاءهم ، مصرين على اتباع ما وجدوا عليه آباءَهم من ضلال .

ولم يرِد في عهد الضعف المادي المكي ذِكْرٌ للجهاد الّا في موقعين من القرءان : واحدٍ في الفرقان ، وثان في العنكبوت ، يُذكِّران بأهمية (1) جهاد الرسول في الله  في مكة ثباتا على القرءان ( 87/القصص) ، ثم في المدينة (2) اضافةً الى جهاد النبي جهادَ قتال وقائي في سبيل الله بعد إقامة بُنيان المجتمع الربّاني وامتلاك الإرادة السياسية التي بدونها يكون القتال انتحارا :

ب‌.  *[ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً {48} لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً {49} وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً {50} وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً {51} فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً {52}  ] الفرقان .

فقد أَمر الله سبحانه الرسول الكريم وهو في مرحلة التأسيس في مكة ان يجاهد الكافرين خصومَ التغيير بالقرءان جهاداً كبيرا . فلأن سبب كفرهم وخصومتهم للتغيير هو القرءان الذي دعاهم إلى نبذ ما وجدوا عليه آباءهم ، فقد كان على الرسول الكريم ان يستمسك به ( 43/الزخرف ) لأنه انما صار رسولاً منذ [ إقرأ... 1/العلق ] بالقرءان وءايات الله فيه التي كَذَّب بها المشركون اكثرَ من تكذيبهم للرسول نفسه :

*[ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {33} وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ {34} ] الأنعام .

*****

*[ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ !!! قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {15} قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ {16} فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ {17} ] يونس .

لذلك ثبَّت الله سبحانه رسوله ( 74/الإسراء ) على القـرءان وعلى وجوب تبـليغ كلِّ ما أُنزل اليـه مـن ايات الكتاب ( 67/المائدة ) ، دون تبديل حرْفٍ من كلمة او تقوُّلٍ على الله ( 44/الحاقة ) ، وجَعَل هذا الثبات على القرءان - وهو جهادُ أفكار لتغيير ما بالأنفس - جَعَله جهاداً كبيراً لانه اصعب بكثير مِن القتال كما تبيَّن في الاوَّلين ويتبيّن الآن في الاخِرين :

ان الشجاعة في القلوب كثيرة : ورأيت شجعان العقول قليلا

 لـهذا كـان المجاهـدون بالقـرءان المُنزَّل مـن الله – بالثبـات عليـه والاعتصام بـه وحْده حبـْلا واحدا للنجاة  ( 102- 103 ) آل عمران–  كانوا قلةً نادرة عبر التاريخ ، لهم في رسول الله والقليلِ الذين امنوا معه اسوةٌ حسنة في الثباتِ على الحق – كتابِ الله – وتصديقِ وعْد الله حينما تحزَّبت الاحزاب ضدَّهم (21- 22/الاحزاب) . ولهذا وعدهم الله سبحانه وبشَّرهم بالخيرات ( التي لم ترد بالجمع الا مرة واحدة ) في الدنيا وبالجنات في الآخرة :

*[ لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {88} أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  {89} ] التـوبة .

ولم يُـذكَر جهادُ الرسول *[ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ] الّا في هذه الاية ليظلَّ مفهوم الجهادِ في الله بالقرءان ثباتا عليه في السلم والحرب اقتداءً بالرسول ، جهاداً كبيراً في كل وقت .

ج. *[ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ {68} وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ  {69}‏ ] العنكبوت .

فَصِّلت هاتان الايتان اللتان خُتمت بهما سورة العنكبوت مفهومَ الجهاد الكبير في الله . واسْمُ سورة العنكبوت المكيّة يوحي بتآمر أعداء التغيير المكذبين بئايات الله في كل زمن، وتصف مع ذلك بُيوت عنكبوتهم بأنها [ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ ] !!

ففي هاتين الايتين المكّيتين وعْدٌ آخر من الله عز وجل للمجاهدين في الله رب العالمين الذين يتصدّون لأظلم الظالمين وهم المفترون على الله كذبا الذين نسبوا اليه ما لم يُنزّله على رسوله الكريم قرءاناً ، او كذَّبوا بئايات هذا القرءان لمّا جاءهم مَنْ يدعوهم اليه … فوَعَدهم الله سبحانه أنْ يوسِّع عليهم بجعل سبيلِه لهم سُبلاً ميّسرة هي سُبلُ السلام المتعددةُ المسارِب  : 

*[ .. فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {115} ] البقرة .. وأن يكونوا مِن المحسنين الذين لهم الخيرات ، مؤكداً انه معهم :

*[ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ {15} يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ  {16} ] المائدة .

د. *[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {77} وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ {78}‏ ] الحج .

بالاضافة الى خواتيم سورة العنكبوت التي ذُكر فيها الجهاد في الله رب العالمين ، وبُيِّن مفهومه ءانفاً .. فقد ذُكر الجهاد في الله في خواتيم سورة الحج التي تُذكِّر بالافتراءات الكثيرة على الله عز وجل في الحج نفسه التي استُبدلت بئايات الله المبيِّنة لتفصيلات الحج في سورتي الحج والبقرة . هنا أمَرَ الله سبحانه الذين امنوا بعد ان يركعوا ويخضعوا لله ربهم ، ويسجدوا شاكرين له ان يُجاهدوا في الله حق جهاده بكشف ممارسات الناس الباطلة في الحج خاصةً التي نسبوها الى رسول الله افتراءً عليه فكانت افتراءً على الله نفسه الذي ما فرض على الناس في الحج ولا في الدين كلِّه ما يشُقّ عليـهم ، بينما يشق الحـج على الناس منذ قرون .

 وذِكْر مِلَّة ابراهيم هنا اشـارة الى ملّة ابراهيم في الآيتين( 129-130 ) من سورة البقرة التي توجب على كل الناس – إلا من سَفِه نفْسَه – اتباعَ مِلّة ابراهيم :

 (1) بتلاوةِ ءايات الله وتعلُّمِ ما فيها مِن(2) كتابٍ (3) وحكمةٍ ( نظريةٍ ثابتة وتطبيقٍ متغير ) لتتحقَّق بذلك (4) التزكية/التربية وهي تغيير الفكر والسلوك تغييرا ايجابياً. وتوصيةُ الله سبحانه باتباع مِلّة ابراهيم تُذكِّرنا بمفهوم الحج الميسَّرِ البسيط الذي اوصى الله سبحانه به ابراهيمَ في سورة الحج (25 – 29) وفصّله في الايات (158 - 170 ) و( 195 - 203 ) من سورة البقرة . وتُلخِّص هذه الاياتُ الحجَّ بأنه (أ) شهودُ الحجاج منافعَ لهم يتبادلونها في جو من الأمن يوفره للناس ربُّ البيت ( 2/المائدة ) الذي جعله الله عز وجلَّ مثابةً للناس وأمْناً .. (ب) قبل انْ يطوَّفوا بالبيت العتيق ، على ان لا تزيد عِدة مُكث الحُجاج عن ايام كانت معلوماتٍ ( محددةً مرةً في العام قبل نزول القرءان 28/ الحج ) ، ثم صارت معدودات في أشهُر للحج معلومات   (203/ البقرة) بعد نزول القرءان وإلى يوم الدين .

وقد حُدِّدت في كتاب الله بالفترة بين حلْق الرأس مرتين رمزا للزينة : مرَّةً قَبل بَدء الحج ومرةً بَعد انتهاء مناسكه، كما أشارت الى هذا الآيتان (27/ الفتح) و (196/ البقرة) . وكل ما سوى ذلك من تفصيلات شرعها الله سبحانه في كتابه او نَسَكها الناسُ عن تراضٍ منهم (67/الحج ) في وقت ما ، ولا تُخالف ما انزل الله قرءانا... فهي مِن متممات الحج التي يُعفى منها مَن يُقدِّم للبيت العتيق وزُوارِه هَدْياً من الانعام او بدلاً ماليا بقيمته [ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ] 196/البقرة ( من : بيان جنس ما بعدها و بدلا من) :

من قول الله في الحج .. ومن أصدق من الله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=116&cat=4

وفي تلكما الايتين كذلك (129 – 130) البقرة تذكيرٌ بما اشارت اليه الاية (143) من سورة البقرة من وجوب اتِّباع الرسول فيما أُنزل اليه قرءانا في مسألة القِبلة وغيرها، والغاءِ ما سبق ان أوحيَ الى النبي وحْيَ نبوّةٍ شفهيا بالصلاة مؤقتاً الى القِبلة الاولى. وقد جعل الله سبحانه هذا مثلاً على وجوب اتِّباعِ الوحي المنزَّل قرءانا وتقديمِه على الوحْي النبوي الشفهي حتى في حياة النبي : *[ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {18}  ] القيامة ... جَعَلَه مَثَلاً بيِّناً على أنَّ المتمسك بوحي نبوةٍ الغاه وحيٌ قرءاني منزَّلٌ على الرسول انما يُعتبر منقلباً على عقبيه !! إرجع إلى مقال :       

مفهوم الوسطية القرءاني يتحقق باتباع الرسول/ القرءان الكريم

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=17&cat=3

 ولعلَّ كثيراً من الاضافات التي اضافها البشر على مناسك الحج عبر القرون مهما كان مصدرها والتي أَفرغت الحج من مضمونه الحق لانها لم تَعُد مما ينفع الناس... لعلها أبْيَن الامثلة على مخالفة المسلمين لما شرعه الله سبحانه في كتابه الكريم الذي هو وحْده حق اليقين الذي لا ريب فيه، والذي لم يُشرع فيه للناس الّا ما ينفعهم ولا يشق عليهم. وقد بيّنا هذا في بحثنا : الحجُّ من كتاب الله ، ومن مقالات أُخرى :

الحج الذي ينفع الناس من كتاب الله

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=53&cat=5

 

التطبيق العصري للحج النافع للناس 

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=267&cat=5

(2)

الهجرةُ في اللهِ .. وفي سبيلِ الله

أ‌.    خلافاً لظن كثيرين بأن الهجرة لا تكون إلّا من بلد الى بلد كما كانت من مكة الى المدينة ، فقد أشار القرءان الكريم الى انها قد تكون في البلد الواحد اذا هجر الذين امنوا الباطلَ واهلَه الى الحق وأهلِه :

*[ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ... {88} ... فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ... {89} ] النساء .

ومعروف أن المنافقين كانوا في المدينة ، وأن هجرة مَن شاء منهم انما كانت بالتوبة وإخلاص الدين لله والانضمام حقيقةً الى معسكر الذين امنوا حين صار لهم معسكر. لذلك أمر الله سبحانه الرسولَ النبي الكريم منذ الايام الاولى لبَعْثه رسولا أن يهجر المكذِّبين هجرا جميلا :

*[ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً {9} وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً {10} ] المزمل .

والاشارة في قوله سبحانه *[ وَاهْجُرْهُمْ ] وليس بصيغة المبادلة (هاجرهم) وصية منه سبحانه أنْ تأتي المبادرة في تقليل الاحتكاك بهم من الرسول قبل ان تُؤدي الصدمة الاولى الى حِدَّة الصدّ منهم ، ولإعطائهم فرصة للتفكير ( 46/سبأ ) . وهذا الهجر الجميل هو الاعتزال الذي فعله بعض الرسل الكرام :

*[ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً {48} فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً {49} ] مريم .

والكلام على لسان أبينا ابراهيم عليه السلام الذي أثابه ربّه سبحانه حين اعتزل اهل الباطل ، أثابه نعمة الولدِ والحفيدِ . فمَن كان له طلب مُهمٌّ عند ربه فليعتزل (اهل الباطل وما يعبدون) ولْيدْعُ ربَّه !!

*[ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {104} وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {105} ] يونس .

فحين يرى مؤمنٌ الحقَّ المُنزَّل في كتاب الله وحْده ، ويرى ما عليه الناس من اباطيل مُفتراةٍ على الله ورسوله ، ويرى صعوبة الحياة مع اهل الباطل ... فليبدأ بهجْرهم هجْرا جميلا بعدم مجاراتهم في ممارساتهم الباطلة حتى لا يُؤثِّروا فيه ويُعيدوه الى مِلَّتهم :

*[ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ {13} وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ {14} ] ابراهيم .

 

 هذه سُنَّة من سُنن الله عز وجل التي حكمت العلاقة بين الرسل والمكذِّبين بئايات الله من اقوامهم ، وهي تحكم علاقة المُصلحين المُمسِّكين بالكتاب ( 170/الأعراف ) ( اٍقتداءً بالرُّسل ) مع الناس ، بيّنها الله سبحانه ببعض التفصيل في قصة شعيب مع اهل مَدْين موصياً بما يحْسنُ من موقف ودعاء :

*[ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ {88} قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ {89} ] الاعرف .

*****

ب‌.  فاذا استحال العيش بطريقة تُخلِص فيها الدينَ لله( 4/الفاتحة ) ( 2/ الزمر) في مكانٍ ما ، تؤهلك لأن تكون مع المُقربين في جنْب الله ، حتى بالهَجر الجميل في المكان نفسه ( 97/النساء ) ، فيكون الحلّ فيما أوصى به الله سبحانه في كتابه العظيم :

*[ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ {56} ] العنكبوت .

*[.. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا : فِي هَذِهِ الدُّنْـيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُـوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَـيْرِ حِسَابٍ {10}‏ ] الزمر .

*[ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى (اللّهِ وَرَسُولِهِ) ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً {100} ] النساء .

 

قوله سبحانه *[ إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ] في الاوّليـن يعني الى حيـث هاجر الرسول والمؤمنون بعد ان *[ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ .. {285} ] البقرة .. ليتمكنوا من اتِّباع ما أُنزل اليهم من ربهم (2-3/الأعراف) .

*****

ج. أمّا في الاخِرين بعد وفاة النبي ( اما الرسول فمبعوثٌ دائماً بالقرءان ) فإن الهجرة تكون الى حيث يوجَد مؤمنون في مجتمع إيماني ( اذا وُجدوا ) يؤمنون بما أنزل الله من كتاب ، ويتَّبعون ما أُنزل اليهم من ربهم ليحيوْا بذلك حياة طيبةً ،  فتكون مثلُ هذه الهجرة في سبيل الله .

وإلّا فالحلّ في الآية 105/المائدة التي تُفهم من نجم الايات (99 - 105) :

*[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {105} ] المائدة.

*****

د. في كل الآيات الربانية القرءانية ذُكرت الهجرة في سبيل الله الموصلةِ الى دولةٍ يَحيى الناس فيها حياةً يرضاها الله ، كما يوصِل طريقٌ الى دارِ مَقرّ يَسعد بها صاحبُها ... إلا في ءاية واحدة متميزة تكـون الهجرة فـي الله إلى أنْ توجَد سبيل لله تؤدي الهجرة فيها الى مِثل هذا المجتمع الإيماني . وبالهجرة في الله يؤهل المؤمن نفسه ليكون في جنب الله إذا هجرَ الباطلَ واعتزلَ اهله وعجَز عن جهادهم في الله بالقرءان كما اسلفنا .

*[ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ {40} وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ {41} الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {42}‏ ] النحل .   

في هذه الايات المكية اكثرُ مِن بُشرى لمن يُظلم من المؤمنين او يَخشى ان يُفتن فيهاجرَ هجرة داخلية او خارجية مؤهلا نفسه ليكون *[ فِي جَنبِ اللَّهِ ] باتباع اياته (56/الزمر) مخلصا الدين لله . ومِن هذه البشائر ان الله عز وجل سيُؤتيهم في الدنيا حسنةً وفي الاخرة حسنةً بل احسن منها (201/ البقرة) (26/يونس) (88/الكهف) اذا صـبروا ( مِن بعدِ وليس بعدَ ما ظُلموا ) وتوكلوا على ربهم .

والبشرى الثانية ان هذا الوعد مكفول من رب العالَمين وغير مشروط بالاسباب المعروفة عند البشر. ولذلك مهَّد الله سبحانه له بالقول :

*[ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ] النحل .

 هذا لمن هاجروا في الله فكيف بمن هاجروا وجاهدوا في الله حق جهاده كما يتبين من ايات      ( 69/العنكبوت و 78/الحج ) !!؟

ثالثا

القتالُ في سبيلِ الله

أ‌.    اذا كان الجهادُ والهجرةُ إنما يكونان في الله في مرحلة التأسيس أَوَّلاً ، وفي سبيل الله بعد إقامة بُنيان المجتمع ثانياً ، فان القتال لم يُذكر إلّا في سبيل الله ، ذلك لان المفترين (على الله ورسوله ) الذين ينسبون إلى ايّ منهما ما لم يُنزِّل به اللهُ سبحانه سلطانا (كتاباً ) على رسوله ... إنمـا يُهجَرون ، ويُجاهَدون بالحـجة والبرهان وبالثبات على القرءان *[ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ] ..

ولا يقاتَلون في الله !!

ومفهوم ذلك ان المؤمنين مأمورون اوَّلاً ان لا يُفرِّطوا فيما يؤهلهم أن يكونوا في جنـب الله قـبل أن يسيروا ثانيـاً فـي سبيل الله ليَصِلوا عـبْرها الى بناء حياةٍ طيبةٍ تُحدِّد معالمَها ءاياتُ الله            ( 108/يوسف ) ليرضاها الله سبحانه حينما يكون للمؤمنين ارادةٌ سياسيةٌ في دولة . عندها يُفترض في المسلمين المؤمنين ان يكونوا معالم إرشاد تطبيقية في هذا السبيل تُغري الناس بالسير فيه للوصول الى بناء مجتمع الحياة الطيبة ، لا ان يكونوا صخوراً واشواكاً وعوائق تُنفِّرُ الناس منه كما هو واقع المسلمين التراثيين منذ قرون .

لذلك كانت اداة الدعوة الى الله وكتابه هي (الكلمة الطيبة المطبقة ) التي تُفهم من قوله سبحانه *[ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ... ] . والحكمة هنا هي حُسن التطبيق من الداعي نفسِه اوّلا . فاذا :

(1) وُجدت صخور وعقبات وضَعها البشر لتحول بين الناس وبين أن يسيروا في سبيل الله ..

(2) ولم تنفع الحجةُ والموعظةُ الحسنةُ والمجادلةُ بالتي هي أحسن مِن كتاب الله لجعْل مَن وضعها يُزيلها ..

(3) وكان المسلمون يمتلكون أدوات إزالة هذه العقبات المادية التي اهمها وجود دولة لها قيادةٌ سياسية ذاتُ ارادةٍ سياسيةٍ بحيث تستطيع ان تتخذ قرار السلم والحرب كليْهما بدون عون خارجي ( 82 -84 / النساء ) ... عندئذ :

ب‌.  يكون القتال جهاداً وقائياً في سبيل الله نفسِها حتى لا يصل الخصْم الى مَقرّ وبُنيان مجتمعِ المؤمنين حيث *[ كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ] ، التي بها يَحيى الناس حياة طيبة .

بمِثل هذا الجهاد عندئذٍ يُنصَرون (35/القصص) *[ .. وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ... {24} ] الشورى . فمن قُتِل في هذا السبيل (الطريق) ، ومِن أجْـل هذه السبيل (اياتِ الله وكلماته) دفْعاً عن حياة طيبة تكون فيها *[ كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ]  

او مات فهو في سبيل الله :

*[ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {58} لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ {59} ] الحج .

*[ وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {157}‏ ] آلعمران .

*****

ج. بذلك يتبيّن ان الحياة الطيبة للذين امنوا وعملوا الصالحات انما يستحقها مَن سعى إلى أن يكون في جنب الله بالجهاد بالقرءان جهادا كبيرا ليكون من السابقين المقربين .. او سار في سبيل الله التي تحدد معالمَها كلماتُه سبحانه ليصل عبْرها إلى حياة يتحققُ فيها الهدف الذي خلق الله سبحانه الإنسان من اجله *[ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ] *[ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ] .

ولا بُدَّ لمن يُقتل او يموت في سبيل الله أن يكون قد عاش بعض هذه الحياةِ هِدايةً وصلاحَ بال في دارِ مقرٍّ مؤقتة تعقُبها *[ دَارُ الْقَرَارِ ] في الاخرة (39/غافر) . وقد ربط الله سبحانه في سورة واحدة بين الحياة الطيبة في الدنيا التي هي كذلك سبيلُ الله بمفهومها الأوسع الموصلةُ الى     *[ دَارُ الْقَرَارِ ] .. فربط بين مِثْل هذه الحياة المتميِّزة بصلاح البال وبين القتل في سبيل الله :

*[ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ {1} وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ {2} ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ {3} ] محمد .

*[ .. وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَـن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ {4} سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالـَهُمْ {5} وَيُدْخِلُهـُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ {6} ] محمد .

والكلام بعد ذِكْرِ سبيل الله هنا هو تفصيل وبيان لما أُوجز قبله . ومِثلُ هذا كثير في القرءان (4- 5) الأعراف .

فالذين قُتلوا في سبيل الله لا يمكن ان تكون اعمالهم قبل مقتلهم ضلالاً بل لا بد ان يكونوا قد هداهم الله وأصلح بالهم فكانوا مؤمنين حينَ تزكَّوا بالايمان  بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ بحيث كانوا سالمين من الإحباط واليأس اللذيْن قد يدفعان الى الخلاص مـن حياة كلـها ضـنْك بالإنتحار .

 وقوله سبحانه *[ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ] اشارة الى قوله سبحانه :

*[ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ {171} ] ال عمران .

*****

د. فسبيل الله عز وجل هو :

 (أ) الطريقُ الذي تحدد مَعالمَه (ب) اياتُه وكلماتُه الموصلةُ إلى دارٍ يعيشون فيها حياة طيبة ارتضاها لهم الله . وهذه الآيات : إما ان تُتَّبع فيَحْيى الناس ويعيشون بسببها حياة طيبة.. واما ان تُعطّل بالإعراض والصدِّ عنها فتكونَ معيشتهم ضنكا (123- 124) طه ، كما هو واقع المسلمين التراثيين والبشر الآن بعد ان اعرضوا عن هُدى الله (القرءان) الذي هو آخِر طبعة من كتاب الله ، فهو ( الكتاب كله ) All in one ، إذ فيه كل ما تنفع البشرَ معرفتُه مِن ايحاءاتٍ ربانيةٍ  نصّيّةٍ إلى الرسل أو شفهيةٍ إلى النبيين او الخلْق .

ما ينفع الناس من وحي الرسالات و النبوات موثق في القرآن

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=46&cat=5

 ومِن حقيقة ان القتال في سبيل الله لم يُؤذَن به إلاّ في المدينة حتى الدفاعي منه     (77/النساء) (38 – 41) الحج .. يُفهم انه :

لا يكون قتال في سبيل الله الا جَماعياً

وفي دولةٍ إيمانية تقودها قيادة لها ارادة سياسية

حروب العصابات لا شرعية لها في الدين

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=204&cat=2

يكون فيها الحاكم والمحكوم ممكَّنا لهم في الارض بحيث تستطيع القيادة ان تأمُر ويستطيع الناس في ظلِّها ان يُطيعوا ، وبحيث يُتخذ قرار السلم والحرب بردّ الامر الى مجلس خلافة الرسول الدستوري و سلطة أولي الأمر ليتخذوا القرار استنباطا من القرءان على ضوء الواقع               ( 82 – 83 ) النساء :

الربانية المتجانسة  و الديموقراطيات المتشاكسة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=16&cat=5

لهذا فإن عهْد الضعفِ والتأسيس المكيّ لم تُنزَّل فيه آية واحدة تأمر حتى بطاعة الله ورسوله ولا بالركوع (الخضوع لله ) . إذ لم يُرِدْ الله ربُ العالمين الرحمنُ الرحيم ان يُحمّل الناس ما لا طاقة لهم به ... وإنما أمَرَهم جميعاً – الرسولَ النبيَّ الكريم والذين امنوا معه – ان يُغيروا ما بأنفسهم باتباع ما أَنزلَ الله كتاباً [ 2-3 ] الأعراف ، طيلةَ عهد التأسيس المكيّ – الذي كان فيه الإسلامُ الحق غريباً – ولم يكلّفهم إلا وُسْعَهم   [ 42/الأعراف ] [ 57- 62 ] المؤمنون :

*[ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {62} ] المؤمنون .

(4)

         الخُلاصةُ        

1.   أنَّ على دعاة التغيير والإصلاح ان يبدأوا دعوتهم بالجهاد الكبير بالقرءان لتغيير ما بأنفس الناس حتى يُغيّر الله ما بهم . هذا هو الجهادُ في اللهِ الذي اذا ثبت عليه الدعاة الى الحق كانوا مستقبلا في جنب الله مع المقربين طالما اتَّبعوا احسنَ ما أُنزل اليهم من ربهم [ 56 / الزمر ] . ولن يضرَّهم عندئذ أن يكونوا من القليل الطيب *[ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ] .. في مقابل اكثرِ الناس الذين سفّه الله سبحانه آراءَهم في اكثرَ مِن ستين آية من كتابه الكريم ووصَفهم بانهم لا يعلمون ، ولايؤمنون ، ولايشكرون ، بل يجهلون ، واكثرهم للحق كارهون . وفي القليل الطيب الذي لا يستوي معه الكثير الخبيث ( 100/ المائدة ) صدق شاعرٌ حكيم :

لا يصدَّنك عن مُناصرة الـْ  : حقِّ صياحُ الغوغاءِ والجاهلينا

إنما يبقى الحـقُّ حقــاً وإنْ : أغمضَ عنه المكابرون العيونا !!

هذا هو مفهوم الآيتين [ 68 – 69 ] من سورة العنكبوت .

2.   فاذا وَجَد هؤلاء الدعاةُ الجهادَ الكبير فوق طاقتهم لقوة تيار الباطل المتمثل في اصرار االناس على ما وجدوا عليه ءاباءهم مِن أباطيل :

أ‌.          اعتزلوا اهل الباطل حتى لا يُعيدوهم في ملَّتهم ، او يُؤخَذوا بذنبهم، منتظرين ما يقضي به ربهم . فيكون هذا الاعتزال هجرةً في الله يطمئنون فيها بذكر الله القائِل سبحانه :

*[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {105} ] المائدة .

هذا هو مفهوم الآيات (40 – 42) من سورة النحل .

ب‌.         فاذا كان هناك مؤمنون في مجتمع ايماني يمكن ان يجدوا الأمن عندهم ، هاجروا إليهم لتكون هجرتُهم ثم جهادُهم – بالأموال والأنفس – في سبيل الله ...

ت‌.         ولكنْ لا يحلّ لهم ابداً ان يُظاهِروا ( يُحالفوا ) أعداء التغيير الكافرين بالحق في ايِّ ظرف بعد ان حرَّم الله سبحانه على الرسول النبي الكريم مُظاهَرةَ      (مُحالفة) الكافرين بالحق حتى وهو مهاجر مِن مكة الى المدينة ثانيَ اثنين ، وجَعَل هذا احد الشرطين اللذيْن اذا التزم بهما ردَّه الله سبحانه الى مكة منتصراً . وقد وفّى الرسولُ النبي الكريم بعهْد الله سبحانه – فلم يَطلبْ ولم يقبـلْ عونا عسكريا مِن أحـد غيـرِ الله والمؤمنين [ 62 – 64 ] الأنفال -  فأوفى اللهُ عز وجل له بعهده   [ 85 – 88 ] القصص . علْما ان هذا لا يمنع التعارفَ والتعاونَ المكشوف (خلافاً لما يجري الآن ) لتحقيق مصالحَ مشتركةٍ مشروعةٍ بيْن دوْلة المؤمنين وكل البشر، حتى يتمكن المؤمنون من دعوة الناس الى كتابِ الله – الدينِ القيِّم – وبالكلمة الطيبة المطبَّقة       *[ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ] .

   

*[ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ]

 

مدرسة الربّانيّين

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *] الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [ - فلسطين



 
 
ما ينشر في هذا الموقع ( ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) ( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ) وليس حقا لفرد أو أفراد
2008