5/2/2024
 
 

بحث في الموقع

 
 

 مواضيع مختــارة

 

      

 

     

2/22/2012 5:39:00 PM

عدد القراءات: 12771
عدد التعليقات: 15




11/16/2011 4:08:00 PM

عدد القراءات: 12335
عدد التعليقات: 9


8/27/2010 12:22:00 PM

عدد القراءات: 43743
عدد التعليقات: 1212


8/22/2010 11:38:00 AM

عدد القراءات: 13884
عدد التعليقات: 3





7/26/2010 7:06:00 PM

عدد القراءات: 15021
عدد التعليقات: 4





4/27/2010 1:11:00 AM

عدد القراءات: 14698
عدد التعليقات: 22



     

 

  

  

 
 
 

 

 

أبحــــاث

مفهومُ السبقِ وميادينُه : الإيمانُ ، والمعرفةُ والعملُ الصالح الذي ينفع الناس

11/20/2010 4:03:00 PM

عدد المشاهدات:5886  عدد التعليقات: 7
11/20/2010 4:03:00 PM

محمد راجح يوسف دويكات

 

السبقُ وميادينُه : الإيمانُ .. والمعرفةُ والعملُ الصالحُ الذي ينفع الناس

 

الحمد للهِ ربِّ العالَمين

مقدَّمة

]* إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(29 ) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3) إِذَا رُجَّتْ الْأَرْضُ رَجًّا(4) وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسًّا(5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا(6) وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ(8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ(9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(12) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ(13) وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ(14) [ الواقعة .

 

هذا هو تقسيم الله سبحانه للناس يوم قيامة الأموات للحساب لتُزَوَّج النفوس إلى أجسادها ( إلاّ ما سبق أن زُوّج منها فور الموت ! ) ليكون النعيم أو الجحيم للنفوس والأجساد معا بعد أن كان لأكثر الناس في حياة البرزخ الانتقالية (من الموت إلى يوم البعث) للنفوس فقط كما يرى النائم ما (1) يسرّه من الرؤى والنعيم أو ما (2) يسوؤه من الكوابيس والجحيم ، أو (3) يرقد في سلام . كما تشير خواتيم سورة الواقعة نفسها .

ولعل رقم آية *] وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [ وهو (10) إشارة بأن علامتهم كاملة 10/10 . وفي هذا تشجيع لمن يرغبون ويقدرون على المسابقة ، لأن مقاعد السابقين في جنة الخلود الأبدي محدودة . لذلك جاءت دعوة الله سبحانه ولمرة واحدة (سابقوا إلى جنة ... 21/الحديد) . فمن كانت عندهم الرغبة والقدرة على الدخول في السباق ولم يفعلوا فقد ظلموا أنفسهم .  ولعل الشاعر قد عنى أمثالهم بقوله :

ولم أرَ في عيوب الناس عيباً  :  كنقصِ القادرين على التمام !

ميادينُ السَبْق

تكرار كلمة ]* السَّابِقُونَ [ مرتين يشير كما تُبين الآيات المبيِّنات إلى أن السابقين صنفان :

(1) سابقون بالإيمان (2) وسابقون بالخيرات أيْ بالمعرفة والعمل الصالح الذي ينفع الناس فيمكث في الأرض .

أما مفهوم السَّبق فهو سرعة المبادرة إلى الإيمان أو إلى الخيرات (معرفةً وعملاً صالحاً) بتعليق جرَس التغيير ، وليس في الكمِّ – كما سنرى .

أوّلاً

السابقون بالإيمان

(1)

أما السبق بالإيمان فيشير الله سبحانه إليه في قوله من سورة التوبة :

*[ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ[1] مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100) [ التوبة .

 

ولعل رقم الآية (100) يوحي بكمال علامتهم ! فقد خصهم الله سبحانه بالخلود الأبدي في الجنة ، بينما أكثرُ الناس الفائزين يخلدون في الجنة ما دامت السماوات والأرض . وهو شرط للخلود يقيده بزمن . أما الخالدون أبدا فقد استثناهم الرحمن من هذا الشرط بقوله *] إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [ .

]* وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ(108) [ هود .

مفهوم الخلود والخلود الأبدي في الجنة والنار

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=102&cat=5

فعطاء الله سبحانه للسابقين لا ينقطع لأنه غير مؤقّتٍ بزمن ولا بحدثٍ .

 

أما العذاب الأخروي الذي شاء الله سبحانه أن يكون أبديا غير مقيـد بدوام السماوات والأرض فهـو للذين (1) كفروا (2) وصدوا عن سبيل الله ، أي كفروا وظلموا فجمعوا بين الحشف وسوء الكيْلة ، على مدار التاريخ[2]:

*[ لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا(167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا(168) إلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(169) [ النساء .

 وسبيل الله المقصود هنا بعد سَنة 632/ م هو الذي شهد به الله سبحانه وانزله بعلمه والملائكة يشهدون : القرءان الكريم .

وفي الآية الثانية التي ذكر الله فيها أبدية عذاب المعذبين ، خص الله سبحانه مَن عصى (الله ورسوله ) في البلاغ المبين الذي انزله الله سبحانه على رسوله وأمره ان يبلغه للناس :

]* قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً {21} قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً {22} إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً {23} [ الجن .

 

وقد تأكد ذلك للمرة الثالثة في الآيات 64 – 68 من سورة الأحزاب وفي نجم من الآيات يتحدث عن المنافقين الذين لم يطيعوا الله والرسول بل أطاعوا سادتهم العلماء وكبراءَهم فأضلوهم السبيل :

]* إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً {64} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً {65} يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا {66} وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا {67} رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً   {68} [ الأحزاب .

 

والكافرون هنا هم المنافقون المذكورون في الآية 60/ الاحزاب ، وهم الذين قضى الله سبحانه أن يكونوا في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا كما تشير الآية 145/النساء كذلك . وإلا فإن الكفر وحده دون ظلم أو صد عن سبيل الله لا يوجب التأبيد في النار بل الخلودَ فيها خمسين ألف سنة .

 

كما أن الإيمان وحده لا يوجب التأبيد في الجنة بل الخلودَ كذلك خمسين ألف سنة هي اليوم الآخِر .. إلا ايمان السابقين الاولين من المهاجرين والانصار ( ومِثلهم السابقون الآخِرون حين يجيئون) والذين اتبعوهم بإحسان . فهُم المقصودون بالخيرية في قوله سبحانه هنا وفي (110/آلعمران) :

]* إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ(6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ(7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ(8) [ البينة .

 

فأبدية النعيم في الجنة هي للسابقين بالإيمان كما مر، وللذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين يخشون ربهم *] وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ . أما خلود الذين كفروا أو أشركوا مجرد كفر أو شرك دون صد أو ظلم أو معصية (الله والرسول) كما مرَّ فليس أبديا :

]* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ(106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ(107) [ هود .

فخلودهم في النار دائم ما دامت السماوات والأرض ثم ينتهي بفنائهم وفناء السماوات والأرض معهم ، إلاّ ما شاء الله من خلود أبدي للذين كفروا و ظلموا بالصدّ عن سبيل الله .

 

وكما يفهم من سورة المعارج ومن البحث أعلاه ، فإن يوم الحياة الدنيا هو خمسون ألف سنة ، وهو اليوم الأول أو (الأولى) فيكون اليوم الآخر أو (الآخرة) خمسين ألفا أخرى تزول في نهايتها السماوات والأرض باستثناء جنّةِ السابقين بالإيمان أو بالخيرات بشرط الإيمان . هؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات ]* وَقَلِيلٌ مَا هُمْ [ لأنّ هذه الجنة لن تكون ضِمن السماوات والأرض . وكذلك في المقابل جهنمُ الذين كفروا وظلموا . فيبقى أولئك في نعيم أبدي في جنَّة المأوى عند سدرة المنتهى التي هي أصلا خارج نطاق السماوات والأرض ، ويبقى هؤلاء في جحيم أبدي خارج نطاق السماوات والأرض . والله سبحانه أعلم .

(3)

دليل سبق المهاجرين والأنصار ] بِالْإِيمَانِ [

]* لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ(8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(10)[  الحشر .

 

مرة أخرى يشير الرقم (10) إلى علامة السابقين الاولين ومحسني التابعين الذين زكاهم الله سبحانه في الآية (100) من سورة التوبة وفي الآية (3) من سورة الجمعة واعتبرهم جيلين مميزين بأنهم كانوا خير أُمة أُخرجت للناس :

]* هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا[3] يَلْحَقُوا بِهِمْ[4] وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(4)[  الجمعة .

 

وبعد هذين الجيلين الكريمين ذكَّر الله سبحانه المؤمنين مُحذرا من تقليد الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها ، إذ أهملوها وهجروها ( كما هجر المسلمون من بعد ذلك القرءان ) وفضّلوا عليها أسفار وكتُبَ أحبارهم ورهبانهم :

]* مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا[5] بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(5) [ الجمعة .

 فمع معرفتهم بالتوراة إلا أن اعتمادهم على الأسفار وإيمانهم بها جعلهم مُكذبين بآيات الله . مِن هنا أُخذ الأثر (لتتبعن سُنن من كان قبلكم) أي ستنطبق عليكم سُنن الله فيهم وستتخذون        *] القرآن مهجورا [ وتتبعون أسفار وكتب المخلوقين بدلا من (كتاب الخالق) كما فعلوا ، فيكون مَثَلُكم كمَثَلِهم : كالحمار يحمل أسفارا .

جواب السؤال الصعب أين الخلل والسؤال الأصعب ما العمل ؟

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=11&cat=2

من هنا كانت أسبقية (الصحابة) والتابعين في اعتمادهم كتاب الله الذي اتبعه الرسول الكريم نفسه ، ولم يتبعوا بل لم يعرفوا سواه .. فظلوا لذلك بخير بحيث لم يُكتب في زمانهم إلا كتاب الله القرآن الكريم ، فكانوا بذلك مؤمنين بالله مطيعين لله ورسوله : للهِ بما انزل وللرسول بما بلّغ عنه ومستأنسين بأمر النبي الذي أمرهم بعدم كتابة أيِّ شيء عنه سوى القرآن بل بمحو ما يمكن أن يكونوا كتبوه من كلامه –  كما أورد مسلم في كتاب تاريخه المعروف (بالصحيح !) .

وإن  ]*تعجبْ فَعَجَبٌ [ ما يروونه عن النبي الامين (خيركم من تعلم القرآن وعلّمه) ثم تراهم يستبدلون تعليم كتبِ الحديث وكتب أصحاب المذاهب وما وجدوا عليه آباءهم بما فيه من تناقض وخُرافة واختلاف كثير يستبدلونه بالقرآن الكريم . بل إنهم بتحريضٍ من إخوانهم شياطين الإنس والجن .. يعيبون على مَن يدْعونهم إلى تعليم الكتاب ودراسته ليكونوا بهذا ربانيين ، ويشتمونهم بتسميتهم قرءانيين ! فسبحان الله العظيم !!!

 

(4)

*[ ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ [

(الأوَّلون) هم معاصرو الرسل الكرام ، والآخِرون هم مَن بعدهم عند فساد الناس . والسابقون الأوَّلون هم الذين سبقوا غيرهم من معاصري الرسل الكرام إلى الإيمان الخالص بالله ورسله . أما مَن جاءوا بعدهم عند فساد الناس وكانوا مِثْلهم في الإيمان فهُم الآخِرون . فمَن آمن (بالله ورسله) حقيقة دون تحريف أو زيغ فالتزم بما أنزل الله عليهم من السماء ووُثِّق في الكتاب فهو من السابقين الآخرين .

 

ووصْف الله سبحانه لهم (بالقليل) يشير إلى الخلل في عقيدة وإيمان الناس المتأخرين بعد الرسل مع كثرتهم : فقد حُملوا التوراة ثم لم يحملوها واستبدلوا بها أسفار أحبارهم ورهبانهم فصار مَثلُهم كمَثل كالحمار يحمل أسفارا . وكذلك بدأ (المسلمون !) يفعلون بعد الصحابة والتابعين .

فقد حُملوا القرآن ثم لم يحملوه[6]، وأعرضوا عنه فجعل الله  *] على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ] حتى قالوا إن كثيرا من آياته منسوخ – والعياذ بالله تعالى- وقالوا إنه حمّال أوجه لا يصلح للاستدلال به ، وفضّلوا عليه ما ألْفَوا وألَّفوا وفبركوا من أحاديث نسبوها إلى الرسول النبي الكريم الذي التزم هو نفسه بالكتاب الكريم لم يحد عنه بكلمة . لهذا كان إيمان أصحابه والذين اتبعوهم بإحسان أصحَّ إيمان بتزكية الله سبحانه لهم . أما من سبق مِن بعدهم إلى الإيمان بالله ورسله حقيقة أي الإيمان بالله سبحانه ورسالة رسوله الكريم التي هي القرآن فهو من السابقين الآخِرين الذين نسأل الله تعالى ان نكون منهم . وفيهم كلهم يقول الله سبحانه :

] وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ(19)[  الحديد .

 

فالإيمان ]* بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [ وليس (بأنبيائه) مفهومه الوحيد أن الإيمان يكون بالله سبحانه حسْب رسالات الرسل المكتوبة الموثقة التي كان أهمها التوراة التي اشتملت على ما قبلها من صحفٍ كصحف إبراهيم ، وما أنزل الله بعدها إلى المؤمنين بها من رسالات معدِّلة لبعض ما ورد في التوراة ومن ذلك إنجيل عيسى وأكثرُه حكمة تطبيقية كانت محكومة بواقعها ومناسبةً لزمانها .

 

وقد انتهى مفعول التوراة وملحقاتها ببعثة الرسول محمد عليه السلام الذي كانت نبوته خاتمة النبوات . أما رسالته وهي القرآن الكريم فقد تضمنت كل ما في الرسالات السابقة من خير بالإضافة إلى ما علم الخالق العظيم سبحانه من حاجة الناس إليه من تشريع وتوجيه إلى يوم الدين ليكون كتابُ الله القرءان هو *[ الكتاب كلّه All in one [ كما وصفه منزله (119/آلعمران) . لهذا أُمر الرسول الكريم أن يقول ، مشيرا إلى ما نُزِّل إليه من الكتاب :

]* … قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ(24)[  الأنبياء . نعم مُعرضون كإعراض أكثرِنا منذ قرون وحتى اليوم عن هذا الذكر العظيم .

(5)

وقد علم الله سبحانه أن المؤمنين به وبرسله إيمانا خالصاً نقيا من الزبد سيكونون قلة في كل العصور . فشبه تبارك وتعالى ما أنزل على رسله من حق بما أنزل من السماء من ماء خالص نقي نافع سالت به أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا – أي يزيد مع الزمن- وشبّهه مرة ثانية بالزبد والشوائب التي تطفو على سطح المعادن المنصهرة عند تنقيتها بالنار.. قائلا إن الماء والمعدن هما مثل الحق الذي *] ينفع الناس [ ، أما الزبد والشوائب فيهما فمَثل الباطل الذي علم الله سبحانه أن أكثر الناس سيظنونه الحق بسبب كثرته وتزيين الشيطان لهم إياه ، مع تقرير الله سبحانه أنه سيذهب *] جُفاءً [  بإذن الله تعالى . هذا هو مفهوم الآية 17/ الرعد :

 

*[ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16} أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ {17} ] الرعد .

 

من هنا كان أنبياء بني إسرائيل كثيرين ، بعثهم الله سبحانه لتذكير الناس في كل جيل بضرورة التمييز بين السيل والزبد ، المعدن النافع للناس والشوائب . وكان منهم رسل أُرسلوا برسالة معدِّلة أو بإضافة ، وأُمر الناس أن يؤمنوا بها :

]* وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(66) يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67) قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(68) [ المائدة .

 

وفيما أُنزل إليهم من ربهم من التوراة (كتاب موسى وما بعده) ، وكُفرهم به يقول سبحانه :

]* الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(183) [ آلعمران .

وقد كان بعضُ ما أُنزل إليهم من ربهم ذِكْرَ الرسول الكريم  في التوراة والإنجيل خاصة .. وأمْرَ اللهِ لهم بالإيمان به وبالكتاب الذي نُزِّل عليه باسمهما المشترك [ أَحْمَدُ ] : مِن (محمد) و (الحمد) التي هي اول كلمات القرءان الكريم واسم فاتحة الكتاب : سورة الحمد :

حقيقة بعث وقيامة وظهور المسيح

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=5&cat=6

أما بعد إكمال دين الإسلام ( كتابِ الله ) بنزول آخر آيات القرآن الكريم ، فلم ولن يُنزِّل الله سبحانه نصاً يُكلِّفُ أحداً بالإيمان به . فالقرآن الكريم هو الحق وهو بنصوصه المعجزة رسالات يتجدد مفهومها مع ثبات نصها . لهذا شبهه الله سبحانه بشجرة طيبة أصلها – وهو النص -  ثابت .. وفرْعها – وهو مفاهيم النصوص المتجددة - يتجدد في السماء ليرتفع بها كل مَن يتدبر القرآن ويجدد فهْمَه حسب ما يجلّيه ويقتضيه الواقع .

الأصالة  والتجديد الثابت والمتغير   

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=37&cat=3  

(6)

ونظرا لأن النبوات قد ختمت بالنبي الأمين محمد فإن المفكرين الربانيين من المسلمين يجب أن يقوموا مقام أنبياء بني إسرائيل السابقين في تجديد فهم القرآن ، وفي تذكير الناس بأن الإيمان ينبغي أن يكون بالله ورسوله أي بما نُزِّل إليه في الكتاب دون زبدٍ أو إضافاتٍ كزبدِ وإضافات الأحبار والرهبان مِن قبلهم .. وفي تذكير الناس كذلك بأن كتاب الله تعالى هو أصل الإيمان والتشريع، لا يشاركه في ذلك أيُّ كتاب، كما ان الله سبحانه هو الخالق والرب لا يشاركه في ذلك شيءٌ ولا احد .

 

هذا المفهوم مُخالف لما عليه (المسلمون التراثيون) منذ اثني عشر قرنا ، إلاّ الذين يؤمنون بالله ورسله فانهم يؤمنون بالقرآن على أنه وحْده الحق . والسابقون إلى هذا الإيمان هم المبادرون إلى التمسُّك وتمسيك الناس بالحق/كتاب اللهِ القرءانِ في كل جيل .. فهُم من السابقين الذين يؤمنون بالله ورسله أي بآيات الله تعالى .

هؤلاء هُم المجدِّدون الذين تحدثت آثار عن ظهور بعضهم كل قرن على قلتهم .

الطاغوت الذي تتوارثه الأجيالُ يجعل الأمم    

 http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=279&cat=6

من هنا أُخذ الأثر : علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل (أي في مهمتهم) . وهم العلماء المفكرون المتدبرون للقرآن ، الذين يخلفون الرسول الكريم في تبليغ القرآن ويخلفون النبي في التفكر فيه لبيانه وتعليمه للناس :

]* وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44) [ النحل .

فالذين يتفكرون ويجددون فهْم الآيات حسبما يريهم الله سبحانه في الآفاق وفي أنفسهم ، أيْ في عالم المادة وفي عالم الإنسان ، لا يخشوْن إلا الله سبحانه حين لا يوافق قولُهم ما عليه الناس[7]. هم العلماء الذين ذكر الله سبحانه في كتابه أنهم يخشون الله بدلا من خشية عباده : (مِن : من المثاني)

]* …إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ(28)[8][  فاطر .

وبوضع خط تحت لفظ الجلالة يكون مفهوم الآية أن الذين يخشون الله وحده – دون الناس- هم العلماء بآيات الله المادية وآيات الكتاب ( 27- 30/ فاطر) . أما مَن يخشى غير الله سبحانه إذا تبينت له الحقيقة فكتمها فليس من العلماء .. بالإضافة إلى ما ينطبق عليه من وعيد ، يُخرجه عن أن يكون من عباد الله الصالحين بل ويقْرنه بالذين كفروا وماتوا وهم كفار ما لم يتُب ويُصلح ويُبيِّن :

]* إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكتاب أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللَّاعِنُونَ(159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ(162) ] البقرة .

 

ثم إن مفهوم *] والذين آمنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [ قد بيَّنه[9] قوله سبحانه *] وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ] في المقابل . فإن الإيمان بالله ورسله يقابله الكفر والتكذيب بآيات الله تعالى .

 

 فيكون الإيمان بالرسل هو الإيمان بآيات الرسالة التي نزلت إليهم. أما الكفر بها فهو إنكار نِسبتها إلى الله إنكارا تاما، أما التكذيب بها فشيء آخر لا يأتي من الكافرين بها لأنهم سُمّوا كافرين لكفرهم بها (جملة وتفصيلا) .

فالذين كذّبوا بها لا بد أن يكونوا من غير الكافرين صراحةً . فهم إذَن العارفون بها (جملة) المكذبون بها (تفصيلا) سواء بلسان المقال كالقول إن منها المنسوخ وإنها حمالة أوجه وإنه ليس فيها تفصيلات ، أو بلسان الحال حين لا يعملون بها فكأنهم كذّبوا بها حين يكذبون بوجوب العمل بها.

وقد ربط الله سبحانه تفصيله أو تصريفه أو بيانه للآيات بقوم يوقنون/ يعقلون/ يتفكرون/ يفقهون/ يعلمون/ يؤمنون/ يذّكرون/ يتقون/ يسمعون/ يشكرون…

(7)

السبق بالإيمان *] باللهِ ورُسُلِه [

هو  

السبق بالإيمان *[ بآيات ربِّهم ]

بعد تقرير الله سبحانه أن درجتيْ الصديقين والشهداء تُمنحان للذين آمنوا بالله ورسله أي بآيات الله ربِّهِم ، وهم قلة على مر العصور ، ينبه الله سبحانه إلى قِصر الحياة الدنيا وخطأ من يُغَرّون بها قبل ذِكر جزاء المؤمنين بآيات الله ربهم :

]* اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ(20)

سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(23) [ الحديد .

 

ففي هذه الآيات المباركة تتميز جنة السابقين عن جنة أصحاب اليمين المذكورة كما سيأتي في الآيات (132-136) من سورة آل عمران .. تتميز بقوله سبحانه : *] سابقوا [ ، مرتبطةً بالمصائب ، بدلا من *] سارعوا [  وكلاهما ورد مرة واحدة في الكتاب . ثم تتميز بأنها أصغر لكون السابقين أقل عددا ، ولكنها جنة أبدية والنعيم فيها أعظم نوعية ، فهي كعرض السماء والأرض، بينما جنة أصحاب اليمين عرضها السماوات والأرض . فإذا زالت السماوات والأرض بأمر الله تعالى زالت معهما الجنة هذه ومَن فيها . أما جنة السابقين فعرضها كعرض السماء والأرض فهي ليست جُزءا من السماوات والأرض. ولعلها جنةُ المأوى *[ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {14} ] النجم ، المذكورةُ في سورة النجم والله سبحانه وتعالى أعلم .

 

ثم إن جنة السابقين هي للذين آمنوا بالله ورسله أي آمنوا بآيات الله في كتبه. فقد قُدِّمت كتبُ الله سبحانه على رسله في المرتين اللتين ذُكرت فيهما عناصر الإيمان :

]* آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا… ] البقرة .

فحتى الرسول آمن مثلَ الناس بما أُنزل إليه وبكتب الله سبحانه قبل رسله .

]* يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا : آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا(136)[  النساء .

 

أما مريم التي سماها رب العزة سبحانه *] صِدّيقة [ فالسبب أنها ءامنت *] وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ(12) [ التحريم . ولم يُذكر إيمانها برسله هنا لأن الإيمان بكتب الله يتضمن بداهة الإيمان برسله ، إذ بهذه الكتب وما فيها من آيات الله كانوا رسلا .. آمن الناس بهم

 

وقد اشترط الله سبحانه لتحقق الإيمان بالله ، اشترط الإيمان برسله ، كل رسله دون استثناء أحد منهم، أي دون تفريق بينهم، ليقيم بذلك الحجة على كل مَن لم يؤمن برسالة الرسول محمد عليه السلام بعد بعثته، ودون تفريق بين  قول الله الذي انزله عليهم وما بلَّغوه للناس . فإن فرّقوا بين الله ورسله قائلين : هذا قول الله وهذا قول رسوله فهم من الكافرين حقاً بنَصّ الكتاب !!

 

]* إِنَّ الَّذِينَ (1) يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ (2) وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ (3) وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ (4) وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا(150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا(151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(152)[  النساء .

ويبلغ الأمر مداه وضوحا في آيات سورة الزمر :

]* وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(27) قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(29)إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ(30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ(31)

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ(32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ(33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ(34) ِليُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ(35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ(37) [ الزمر .

 

فقد مهد الله سبحانه لوصف مكانة رسول الله  وهو الذي جاء بالصدق أي القرآن الكريم الذي وصفتْه آيات أخرى كثيرة بأنه *] الحَقُّ [ معرفا[10] ، وكذلك مكانة الذين صدّقوا بالقرآن الكريم وصدقوا الذي نزل عليه القرءان بداهة وهو الرسول الكريم … مهد لكل ذلك بالتذكير بالقرآن الكريم وما ضرب الله سبحانه فيه من أمثال تُذكّر الناس بالحق لعلهم يتقون الله عز وجل . ومن ذلك مثل رجلين عبدين أو خادمين أو عاملين يعمل أحدهما لسيد واحد يتلقى تعليماته ويسعى لكسب رضاه، ويعمل الآخر منهما عند شركة من الأسياد ، لكل واحد منهم تعليماته وأهواؤه فيعيش العامل بينهم موزع التفكير مشتت الذهن لا يعرف ممَّن يتلقى تعليماته ومَن منهم يُرضي .

الربانية المتجانسة  و الديموقراطيات المتشاكسة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=16&cat=5

وهو مَثَل للمؤمن بالله سبحانه الذي يتلقى تعليماته من سيد أو رب واحد هو الذي خلق ، بعلمه وفضله ورحمته ، ومَثَل لغير المؤمن الذي له أكثر من سيد ورب غير متفقين ، أو له مرجعيات كثيرة متناقضة فتنفصم شخصيته ولا يستطيع إتقان عمل .

 

ثم يقرر الله سبحانه أن النبي الامين سيموت كالناس كلهم. وسيقضي الله سبحانه بينه وبين الذين خاصموه ، مقررا سبحانه أن الرسول الكريم الذي جاء بالصدق وهو القرآن وصدّق به هو نفسه ، وكذلك الذين صدّقوا بالقرآن .. سيكونون في جهة المتقين المحسنين ، وسيكون الذين كذبوا على الله سبحانه ومنهم الذين كذبوا على رسوله وكذَّبوا (وهي لفظة أعم وأشمل من كفروا كما مر) بالقرآن إذا بلغهم تكذيبا حقيقيا صريحا أو تكذيبا حُكميا بإشراك غيره من المراجع والمصادر معه .. سماه الله تعالى إعراضا …وقد نسب الله سبحانه إلى أمثال هؤلاء غاية الظلم والإجرام ، ليكونوا كلهم في الجهة الأخرى (فريقِ السعير) :

]* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(21)[  الأنعام .

]* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ…(93) [ الأنعام .

 

ومن هؤلاء ، الذين افتروا ونسبوا افتراءَاتهم إلى النبي (أو الرسول ، فلا فرْق عندهم) كقولهم (أوتيتُ القرءان ومِثله معه !!)

]* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أنْ يَفقَهوهُ …(57) [ الكهف .

]* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ(68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا[11] لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)[  العنكبوت .

]* وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ(22)[  السجدة .  

                                

ثانيــــــــــــــــــــــــــــــــاً

 السابقون بالخيرات : بالمعرفة أساساً للعمل الصالح

(8)

الميدان الثاني للسبق بعد السبق بالإيمان هو السبق بالخيرات أي بالعمل الصالح مُؤسسا على الإيمان والمعرفة التي هي قوة (Knowledge is power) بحيث ينفع الناس فيمكث في الأرض . وإذا كان السبق بالإيمان أو الإيمانُ ذاته فقط قد لا يُخلِّف وحده آثارا تمتد بعد وفاة صاحبه ، فإن العمل الصالح المؤسَّس على تقوى من الله ورضوان يستمر أجره بعد وفاة صاحبه ما بقيت آثاره لتنفع الناس :

]* إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ(12)[  يس .

وعليه فإن العمل الصالح – الخيرات -  مؤسَّسا على الإيمان والمعرفة هو ميدان آخر للسباق المستمر ]* مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ…(96) [ النحل  ..

أي ينفد بموت فاعله ، إلاّ ما كتبه له اللهُ من عمل ، فيستمر أجره طالما انتفع به الناسُ .

]* .. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ {48} المائدة .

*[ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {9} ] الزمر .

*[ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {91} وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ {92} وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {93}‏ ] النمل .

 

وإذا كان السبق بالإيمان قد غلب في ميدانه السابقون الأولون من معاصري الرسل ، فكانوا ثلة من الأولين ، وكان السابقون بالإيمان الآخِرون قليلا من الآخِرين بعد معاصري الرسل… فإن ميدان السبق بالخيرات ظل مفتوحا للمؤمنين من الأولين والآخِرين . ومع ذلك بقي الأولون السابقون بالخيرات ثلةً والآخِرون السابقون بالخيرات قلةً نسبية *] وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ  (13) [ سبأ .

وفي الآخِرين الذين ورثوا الكتاب بعد الأولين ، يقول الله سبحانه :

]* وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ(31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات[12] بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ(32) [ فاطر .

 

الذين اصطفينا من عبادنا : هم الذين اصطفاهم اللهُ من بعد الرسول النبي الكريم ومعاصريه المؤمنين بالكتاب .. اصطفاهم من القادرين على فهْمه ، الممسّكين به ، حينما فضَّلتْ الأكثريةُ الخبيثة من غيرهم عليه أسفار أمواتهم واتخذوا ما فيها من علم أسلحة للبغي بينهم بينما لسان حال الرسول الكريم يشكو إلى الله تعالى *] يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [ .

 

والاصطفاء والاجتباء ليسا بالضرورة للرسالة أو النبوة فقط فقد اصطفى الله سبحانه طالوت ملكا على بني إسرائيل ولم يكن نبيا ( 247/ البقرة ) ، واصطفى مريم على نساء العالمين ولم تكن نبيا وما ينبغي لها ، بل لأنها ءامنت *] وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ          (12) [ التحريم .

وقد جعلَ اللهُ سبحانه لفعل الخيرات والسبق بها ضوابطَ هو بها أعلم فلا تتم إلا بإذنه ، ومن ذلك قوله :

]* وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ(27) [ الشورى .

وجعلَ اللهُ سبحانه الضابطَ نفسه لدرجة ومقدار السبق بالهداية :

]* كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(213) [ البقرة .

مفهوم هذه الآية الكريمة أن الناس كانوا أمة واحدة في ضلال مبين ، فاختلفوا وانقسموا إلى فريقين كما يؤيد ذلك الواقع :

1.  فريق عندهم بيِّنات من العلم اتخذوها حسب أهوائهم ومصالحهم واستعملوها في البغي والتظالم بينهم . وهؤلاء اختلفوا في الكتاب فأضافوا إليه مروياتٍ وأكاذيبَ على النبيين بل على الله نفسه (أحاديث قدسية) بعد فترة من ارسال النبيين فلم يهتدوا . إذ أنهم حين لم يؤمنوا بالكتاب وما فيه من الحق انطبق عليهم قوله سبحانه :

]* إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ(105) [ النحل .

 

وأمثال هؤلاء من عبيد أهوائهم ومصالحهم لن يَزَعَهم أو يرْدَعهم الكتاب اختيارا أو ينفع معهم حوار . ولن يكف أذاهم عن الناس إلاّ امتلاكُ الذين أوتوا الكتاب ..  للحديدِ رمزا للقوة (25/الحديد) . لهذا أمر الله سبحانه رسوله الكريم ان يدعوا :

*[ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً {80} ] الاسراء .

2.  أما الفريق الثاني فكان اختلافهم موضوعيا في الحق . فلما نزل الكتاب هَدى الله الذين آمنوا بالكتاب وبالحق بإذنه . وقد أمدّهم الله سبحانه بعون منه فآمنوا لأن ما اختلفوا فيه كان من الحق ولأجله (لِما=لأجل) وليس من أجل الباطل والأهواء (فهو لم يهدِهم إلى الحق لسواد عيونهم ، بل هداهم بسبب أن خلافهم كان لأجل الحق ولأن ما اختلفوا فيه كان من الحق) . وأفراد هذا الفريق هم المقصودون بقوله سبحانه :

]* وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ(182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ(183) [ الأعراف .

عجز الأمة  وسبباه

http://kuno-rabbaniyeen.org/Default.asp?page=details&newsID=145&cat=3

ومما يلفت نظر المتدبر أن هذه الآيات من سورة الأعراف هي ختام نجم آيات الميثاق العام من السورة نفسها :

]* وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ(172) أَوْ تَقُولُوا (2) إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ(173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(174)

 وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ(175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ(177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ(178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ(179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ(181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ(182) [ الأعراف .

 

ورأس هذا الفريق الذين يهدون بالحق وبه يعدلون بعد النبيين الذين جاءوا بالصدق .. هم ألصِّدّيقون الذين صدّقوا بالصدق/الحق ، الذين ذكرهم الله سبحانه وأمثالَهم إلى يوم القيامة في سورة السجدة :

]* وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ(24) [ السجدة .

فالذين يوقنون بآيات الله سبحانه ويهدون الناس بما أمر الله فيها ويصبرون على النتائج المرهونة * ]بإذنه[  هم أئمة الخير المؤهَّلون لإمامة الناس وتعليمهم بالقدوة الحسنة وبالكلمة الطيبة . وقد جاءت آيات سورة الشورى لتؤكد هذه المفاهيم :

]* شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ : أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ(13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ(14)[  الشورى .

(9)

فالدين الذي شرعه الله سبحانه دين واحد هو الإسلام منذ نوح ، مرورا بإبراهيم وموسى وعيسى حتى محمد عليهم جميعا سلام الله . ومن أُسس هذا الدين النهي عن التفرق فيه . لذلك كبُر التوحيد الذي دعت إليه كُل الرسالات السماوية - وما سيؤدي إليه من وحدة الناس وعدمِ تفرقهم - كبُر على المشركين فقالوا :
]* أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ !! (5) [ ص .

 

وتؤكد الآيتان المذكورتان في سورة الشورى ما أشارت إليه آية (213) من البقرة ، أن الناس انقسموا من بعد الرسل إلى قسمين :

1.      قسمٍ جاءهم علم أسسوه على أهوائهم ومصالحهم فاستغلوه في البغي بينهم .

2.   وقسمٍ أورثهم الله سبحانه الكتاب فظلوا ممسّكين به وينظرون إلى غيره من كتب العلم عند الفريق الآخر نظرة شك وريبة .

وبناء على هذه الأمثلة *] مِن الذّينَ خَلَوْا [ مِن قبلنا أمر الله سبحانه رسوله الكريم – والمؤمنين بداهةً - بعد الآيتين المذكورتين أن يدعوَ إلى التوحيد وأن يستقيم كما أُمر، وألا يتَّبع أهواء البشر ملتزما في الايمان والعمل بما أنزل الله اليه من كتاب فقط وألّا يقبل حجة من غير كتاب الله :

 

]* فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ(15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ(16) [ الشورى .

 

ولعل ابْيّنَ ما يحدد العلاقة بين الإيمانِ بآيات الله وعدمِ إشراك غيرِها بها (لأن ذلك شرك بالله سبحانه) هي آيات أواسط سورة (المؤمنون) :

]* إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ(58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ(59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ(60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ(61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(62) [ المؤمنون .

 

فالسبق بالخيرات كان بسبب المسارعة فيها أي المبادرة إلى فِعْلها ، وليس بسبب كميتها ، بدليل تقرير الله سبحانه أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها . من هنا أُخذ قولهم : سبق درهمٌ دينارا .

وهم لها سابقون : أي لأجل هذه المسارعة في الخيرات ، أي بسببها ، فهم سابقون بها . فالمسارعة تكون في الخيرات ، والسبق يكون بها . نقول سبقتُه بالسيارة  وسبقني بالدراجة . فكـأن الباء هي بـاء الأداة التي يُستعان بها . *] علَّم بالقلم [ و(ضرب بالسوط أو بالسيف …).

 

والذين هم بربهم لا يشركون : إشارة إلى أن الذين يؤمنون بآيات ربهم لا يمكن ان يشركوا بربهم ، وأن الذين لا يؤمنون بئايات ربِّهم يشركون به ( حتى لو لم يشركوا بالله خالقا ) حين يُشركون بئاياته اقوال احبارهم ورهبانهم وعلمائهم وفُقهائهم وأنبيائِهم . يُفهم هذا من قوله سبحانه :

]* اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(32) [ التوبة .

 

ثم إن هذه الآية (59) من سورة (المؤمنون) شرطٌ لصحة الإيمان بآيات الله المذكورة في الآية (58) السابقة ، يُخِلُّ به أكثر الناس على النحو المذكور في آيات التوبة بحيث يخسرون من الإمتياز فالجزاء الممنوحيْن ( للذين آمنوا ) و ( للذين عملوا الصالحات( بقدر ما يشركون بربهم شركا ظاهرا أو خفيا كالذين يُشركون إجماع الناس ويُشركون كتب الأحاديث التي ألّفوها ويشركون أقوال أصحاب المذاهب أوغيرِهم … يشركون كل ذلك بآيات ربهم في المرجعية التشريعية .

بل إنهم يعتبرون ذلك الدين الحق علما أن الله سبحانه قرر ابتداءً أنَّ من يعتمدون هذه الكتب والمرجعيات بدلاً من أو حتى مع القرآن الكريم إنما مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفارا . ومما يلفت النظر أن الله سبحانه أمر المؤمنين أن يفرحوا بالقرآن الكريم وقرّر لهم أنه خير مما يجمعون سواء من كتب أو من مال . بل إنه جل وعلا نهى عن الفرح وأكّد أنه * ]لا يُحبُّ الفرِحين [ إلا الفرِحين بالقرآن .. وبنصر الله 13:

]* يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(58) [ يونس .[13]

الفرح بنصر الله ونبوءات سورة الروم

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=137&cat=5

 لهذا لم يُحقق الآخِرون إلا قليلا من المسارعة في الخيرات والمبادرة والسبق بها مع توفر الإمكانات عندهم أكثر من السابقين الأولين ومن التابعين . فقد كان أولئك القوم الكرام من السابقين الأوَّلين أكثر مبادرة وأسبق بالخيرات من الآخِرين بل وحتى من التابعين الذين اشترط الله سبحانه عليهم الإحسان *[ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {100} ] التوبة .

(10)

درجة السابقين بالإيمان و بالخيرات

مِسك ختام الآيات التي تحدد درجة السابقين بالإيمان بآيات الله والسابقين بالخيرات بشرط الإيمان الخالص بآيات الله سبحانه ( 2 و 3/الزمر ) … هو قول الله عز وجل بُشرى للطموحين من المسلمين المؤمنين :

]* وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا(69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا(70) [ النساء .

فإذا دعا المسلم ربه * ]اهدِنا الصراطَ المُستقيم [ شجعه طموحه وكرمُ الخالق سبحانه ألا يكتفي بمجرد النجاح ، فأردف *] صراط الذين أنعمت عليهم [ أي المذكورين آنفا (في الآية 69 من سورة النساء) .

وإذا كان خلود هؤلاء في الجنة أبديا ، فإن خلود المقابلين لهم في النار أبدي كذلك :

]* وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا(23) [ الجن .

ويتعلق بهذه الآية المبشرة للمؤمنين أمران :

1.      كيف تكون طاعة (اللهِ والرسولِ) ؟

2.   مَن هم أصناف السابقين المقربين الذين يتكوَّن منهم الرفيق الأعلى المقرب من الله سبحانه في جنة المأوى عند سِدرة المنتهى ؟

(11)

طاعة الله والرسول

ورد الأمر بطاعة الرسول الكريم في كل آيات الكتاب عقب الأمر بطاعة الله أوَّلاً في عشرين آية . وفي المرة الحادية والعشرين ( 55 و56 /النور) أمَر الله سبحانه بطاعة الرسول بعد الأمر بطاعة الله والرسول في الآية (54) واختص نفسه بالعبادة !

ولم يرد أمر واحد بوجوب طاعة النبي أي فيما أُوحي إليه أو اجتهد مما لم يوثَّق في الكتاب الكريم ليصبح من الرسالة (ايات الله) .

 

يُفهم من هذا أن طاعة الرسول الكريم فرض على المؤمنين فيما نزل عليه من آيات الكتاب التي هي رسالة الله سبحانه إلى العالَمين ، وبها سُمي النبي رسولا . ولوْ لم يرِد ربْطُ طاعة الرسول بطاعة الله سبحانه التي قُدِّمت في كل المواقع .. لكان مجرد الأمر بطاعة الرسول ذا دلالة على أنه يُطاع في كل ما جاءت به آيات الكتاب نصَّا ، حسبما تُفهم في كل واقع متجدد :

  الرسول والنبي : أصل البلاء عدم التمييز بين مهمتيهما

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=218&cat=6

 

أ. ففي واقع الرسول النبي الكريم وعصره كان فرضا أن يطاع فيما بلَّغ من آيات الكتاب كرسول يحمل رسالة من ربه ، بيَّنها وطبَّقها كنبي ( 157/الأعراف ) ، إذ كان بيانه لآيات الكتاب أصح وأصلح بيان في واقعه ، وكذلك تطبيقاته العملية الحياتية الحِكمية التي كانت عصرية في عصره مناسِبةً لواقع الناس وظروفهم ومداركهم . لذلك تأثّروا بها حين فهموها فأثمرت في فترة قياسية (22/سنة) .

 

ب. وبعد وفاته - عليه سلام الله وعلى المرسَلين - فإن طاعته هي في الإيمان بالكتاب الذي أُنزل إليه ، وفي العمل به وتطبيقه حسب ما تُفهم آياته في الواقع المتجدد وليس بالضرورة حسب بيان النبي او تطبيقه . لأن القداسة هي للنص القرآني وليس للبيان النبوي للنص .

. مفهوم الوسطية القرءاني  يتحقق باتِّباع الرسول/القرآن الكريم

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=17&cat=3

]* وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44) [ النحل .

 

فالبيان النبوي للذِكْر الذي هو الكتابُ وآياته وإحصاءاته يتعلق به أمران :

أولهما : أن بيان النبي هو لآيات الرسالة المنزلة و *] للناس  [، وليس للناس جميعا أو للعالَمين . أمّا كرسول فقد أُرسل بالقرءان *[ رحمةً للعالَمين ] أي *[ للناس جميعا ] و *] كافة للناس [ :

]* وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(107) [ الأنبياء ، بينما كنبي كان ]* وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ …(61)[  التوبة ، أي للذين آمنوا من أهل عصره .

]* وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا …(28) [ سبأ . أي مهمتك أن تبلّغهم البلاغ المبين تلاوةً ليكفيهم ربُّهم به شرور تعدد المرجعيات …

]* قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا…(158)[  الأعراف .

]* إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا …(119) [ المائدة .

 

وفي بيان الحق يقول الله سبحانه :

]* وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ…(48) [ المائدة .

 بالحق كل الحق معرَّفا وليس بحق فقط .

]*وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ…(213) [ البقرة .

]* إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ …(105)[ النساء .

وحُكمه عليه السلام بين الناس من أهل عصره كان بالكتاب المُنزلِ الذي هو الحق كما فهِمه في عصره فهْما بشرياً . وفي من يلتمسون الحق من غير كتاب الله ، يقرر سبحانه بوضوح وحزم :

]* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(19)[  الرعد .

 

فقد كان الرسول الكريم رسول الله إلى الناس جميعا أي إلى العالَمين ، وكان رسولا للناس كافة بشيرا ونذيرا . أما كنبي ختم الله سبحانه به النبوات فقد انتهت نبوته بموته ككل الأنبياء ، ولكن رسالته بالكتاب ظلت باقية ما بقي القرآن فلن تنتهي إلا بانتهاء الحياة على الأرض .

فكنبي كانت نبوته بكل إيحاءاتها الشفوية غير الموثقة في الكتاب… كانت لأهل عصره وأحيانا لساعته ، فإذا نزل عليه وحْيُ رسالةٍ (أي قرآنٌ) هيمن على أيّ ايحاء  نبوةٍ شفهي قبْلَه ، كما حصل في مسألة تغيير القِبْلة التي جعلها الله سبحانه امتحانا ليَعلم مَن يتَّبع الرسولَ ووحْيَ الرسالة بالقرآن ممن يصر على التمسك بوحي النبوة المُنتهيةِ صلاحيته .. فيعتبر منقلبا على عقبيه ، كما بيّنا في مقال مفهوم الوسطية القرآني أعلاه !

 

وقد فهم الصحابة الكرام أن طاعة الرسول المفروضة لم تكن منها الطاعة فيما اجتهد كنبي وكبشر ولذلك لم تطِب نفوس المسلمين بصلح الحديبية إلا بعد نزول آيات سورة الفتح تؤكد بالرسالة الموثقة أن ذلك الصلح كان خيرا وفتحا مبينا لِما سيسفر عنه مِن خير وفتح لاحق . كما أن الله سبحانه طمأن النبيَّ أن اجتهاده في ذلك الصلح كان صائبا أيّده القرءان ، وأن الله لذلك غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كنبي وبشر قد يخطئ في التطبيق .

أما كرسول فلم يُذنب قط لأن درجته في التبلِّغ عن ربه وفي تبليغ آيات الرسالة كانت كاملة لا خطأ فيها إطلاقا .

وثاني الأمرين المتعلقين بالبيان النبوي المذكور في الآية (44) من سورة النحل أن تفكر المسلمين سيقودهم إلى أن البيان النبوي كان خاصا بعصره ، أما البيان الرباني الإنساني العام للكتاب فقد وثّقه الله سبحانه في الكتاب نفسه . ومنه الأسوة السلوكية الحسنة للرسول[14] الكريم الذي كان خلقه (دينه) القرآن فكان أصحابُه مصاحف تمشي على الأرض . ومن ذلك (332) آية تتصدرها كلمة  )قلْ(  غيرُ الآيات الكثيرة الأخرى التي هي قول الرسول الكريم فوق أنها قول الله وثقها الله سبحانه في كتابه العظيم وحدد له فيها ما يقول كرسول بالكلمة والحرف .. فقالها كلها حين بلّغها للناس تلاوةً !!!

(12)

والخلاصة كما تُبين الآية (19) من سورة الحديد/57 أن طاعة الله سبحانه والرسول عليه السلام إنما تكون في الإيمان بما أنزل الله عز وجل على الرسول النبي الكريم من آيات الكتاب الذي هو الحق/ وفي الالتزام العملي حياتيا بما يُفهم من هذه الآيات في كل واقع ، بدليل أن عكس ذلك هو الكفر بآيات الله جملة وتفصيلا  أو التكذيب بها والإعراض عنها تفصيلا  في واقع الحياة حين يُشرَك بها غيرُها من كلام البشر فتفقد قوتها وأثرها… كما يشير واقع المسلمين (!) منذ قرون وحتى اليوم[15] .

 

من هذه الخلاصة أن طاعة الرسول البشر في حياته كانت فرضا على المسلمين مقرونة بطاعة الله أي بما نزل عليه من كتاب الله العظيم . وبعد وفاته عليه السلام فإن الرسول هو الرسالة التي نزلت عليه وهي القرآن العظيم الذي تتحقق بفهمِه فهْما عصرياً مُحدثاً والالتزامِ به .. تتحقق طاعةُ الله والرسول . وقد سمى الله سبحانه القرآن الكريم ( رسولا ) لتقوم الحجة على مَن يظن أن طاعة الرسول هي في الأسفار والأحاديث التي فُبركت ورُويت بعد أكثر من قرنين من وفات النبي عليه السلام .

يقول الله سبحانه :
]* فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا(10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا …(11) [ الطلاق .

ويقول سبحانه عما يشركون :

]* كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا(99)مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا(100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا(101) [ طه .

(13)

الرفيق الأعلى وزُمرَ السابقين المقرَّبين

السابقون المقربون الذين تشير إليهم الآية (69) من سورة النساء، أربع زُمر . وهي التسمية التي تشير إليها خواتيم سورة الزمر :

(1)

النبيون

 ومنهم بل على رأسهم الرسل الكرام الذين اختارهم الله سبحانه من الأنبياء ليبلغوا رسالة نصِّةً مكتوبة أوْحى إليهم بها الله سبحانه عن طريق جبريل .

وحي الله سبحانه ووحي الشيطان

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=139&cat=5

وهم أعلى السابقين المقربين منزلة عند الله سبحانه ، وفي جنة المأوى . فهُم الأوائل من المؤمنين السابقين كلٌّ في عصره ، كما أن الرسول الكريم هو أول المسلمين في عصره مع أن إبراهيم عليه السلام هو الذي سمى المؤمنين (مسلمين) :

]* …قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ …(14)[  الأنعام . وهو الرسول الكريم .

]* قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163) [ الأنعام . وهو الرسول الكريم .

*[ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ(12) [ الزمر

مفهوم الإسلام ومفهوم الإيمان

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=58&cat=5

وحتى لا يُساء فهم الأولوية هنا بأنها زمانية مطلقة – كما يزعم الصوفيون - فقد جاءت آية النمل لتقرر أن الرسول الكريم هو أيضا من المسلمين :

*[ .. وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {91} وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ...{92} ] النمل .

 ولكنه كان أوّلَهم إسلاما ومنزلةً ومكانةً عند الله لأنه الأسوة الحسنة للمسلمين بعد بعثته تحديداً في الأمور الثلاثة التي ذكرتْها آيةُ الأحزاب :

*[ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ (1) يَرْجُو اللَّهَ (2) وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (3) وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21} ] . فمن كانت فيه هذه الخصال الثلاثة فقد أفلح !

 

فهو لهذا أول المسلمين وأعلاهم درجة بل هو باعتراف كاتب أمريكي نصراني – د. مايكل هارت - أوَّلُ العالَمين أثراً ، كما صنَّفه في كتابه (المئة الأوائل) الذي صنَّف فيه أوائل الشخصيات العالمية عبر التاريخ مِن حيث أثرُها على البشرية ، فجعل محمد بن عبد الله على رأس المئة الأوائل . وأصر على ذلك في طبعة الكتاب الثانية التي غيَّر فيها في ترتيب بعض الشخصيات العالمية . 

*****

والنبيون هم أوائل الصِّدّيقين الذين صدَّقوا بكلمات ربهم وكتبه . وهم ثاني الشهداء على الناس بعد الله ورُسله ، وهم رؤوس الصالحين السابقين بالإيمان وبالخيرات . فالله سبحانه هو أول مَن يشهد بل هو أوّل شهيد على الناس جميعا :

*[ لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً         {166} ] النساء .

]* قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ(98)[  آلعمران .

ويقرر الله سبحانه شهادة الرسل والنبيين على أهل عصرهم وأنهم بلّغوا الحق ، كما يقرر شهادة الله في كل وقت ، على لسان عيسى عليه السلام :

]* مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117) [ المائدة .

]* فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا(41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا(42) [ النساء .

 

فالرسول النبي الكريم شهيد على (هؤلاء) أي معاصريه ، أما بعد ذلك فسيأتي الله على كل مجموعة من الناس بشهيد منهم على أعمالهم ، إضافة إلى كتب أعمالهم التي ستشهد بتفصيلات تلك الأعمال ، كما ان القرآن الكريم سينطق بالحق شاهدا على حقيقة ما طلب الله سبحانه من عباده أمرا ونهيا :

]* هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(29) [ الجاثية .

*[ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً {49} ] الكهف .

*[ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {69} ] الزمر.

(2)

الصِّدّيقون

وهم المرتبة الثانية بعد النبيين . والصدّيق  صيغة مبالغة من (صادق) و (مصدِّق) . والصدّيق كثير الصدق مع الناس/ وتصديقه مطلق بآيات الله التي هي رسالاته عبْرَ رسله ألى الناس :

]* يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119) [ التوبة .

وقد سمى الله سبحانه ]* مريمَ ابنةَ عَمران [ ]* صِدّيقةً [ لأنها آمنت *] وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ(12) [ التحريم .

ولم يذكر تصديقها برسله لأن من صدّق برسالة رسول فقد صدّق بالرسول بداهةً ، سواء عاصره أم لم يعاصره . لهذا فإن الشهادة للقرآن بأنه كتاب الله الحق تغني عن الشهادتين اللتين يكررهما المسلمون التراثيون عشرات المرات في اليوم دون أن يكون لشهادتهم أدنى قيمة لا عند الله ولا في أدائهم وسلوكهم ، بدلالة واقعهم المخزي !

 

وقد اتخذ الله سبحانه إبراهيم خليلا – وهي درجة فوق الصـحبة - لأنه *] أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} [ التي هي كلمة الله وأمْره ، ومنها أن اليوم الآخِر حق وأن الله سبحانه يجزي فيه الحسنة بالحسنى :

]* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(105) [ الصافات .

وقد قرن الله سبحانه الذين يصِّدقون بآيات الله وكتابه .. مع الذي جاء بهذه الآيات من عند الله سبحانه ، فكان أبو بكر ثانيهم بعد رسول الله  لعمق تصديقه بآيات الله وكتابه بحيث ظل ذاكراً لهذه الآيات وهو يقول في أحلك ظرف :

(مَن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت) فلم يكن غريباً انْ يُسمى الصِّدّيق :

]* وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ(33) [ الزمر .

 

والصدق هنا هو كتاب الله/القرءانُ الذي جاء به رأسُ الصدّيقين الرسولُ الكريم الذي صدَّق اللهَ سبحانه وصدّق بكتابه . إذ يُقال صدّق فلانُ فلانا ، ولكن صدّق فلانٌ بالخبر :

]* بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ(37)[  الصافات .

]* …فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي …(34) [القصص .

]* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى  [ *] وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ [ ]* وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ [.

أما قوله سبحانه *] قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا[  فمفهومه : قد صدَقت الله بالتنفيذ بعد أن صدّقته بالرؤيا …إذ لا ادلّ على التصديق بشيء كالاستعداد لتنفيذه كما فعل إبراهيم عليه السلام :

]* مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ …(23) [ الأحزاب .

 فكانوا صادقين فيما عاهدوا اللهَ عليه .. لذلك نفّذوا...

]*… فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ(21) [ محمد . يقصد المنافقين .

 

وعليه فكل من يُصدّق بكلمات الله تعالى وآياته وكتابه الذي هو – بعد بعثة الرسول الكريم - القرآن العظيم *[ الكتاب كلّه ]All in one  تصديقا مطلقا لا يستثني منه شيئا ولا يرى فيه نسخا أو نقْصا ، بل يؤمن أنه فعلا تبيان لكل شيء ، وأنه مفصَّل ، وأن كل خلاف يجب أنْ يُرد إليه ليَحْكُم فيه[16]… لا يبالي بسُخط الناس في سبيل إرضاء الله ربِّه ... كل من يؤمن بهذا كله ويعمل صالحا كنتيجة حتمية سيكون إما من الصدّيقين أو من الشهداء على الناس . والله سبحانه أعلى وأعلم.

 (3)

الشهـــــــــــــــــــــــــــــــــداء

]* وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ(89)[  النحل .

فلو لم يكن الكتاب مُفصلا وتبيانا لكل شيء لما أمكن أن يشهد الرسول على معاصريه من الناس وبتفصيلات أعمالهم !

]* فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا(41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا(42)[  النساء .

 

]* وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(18)[  هود .

]* وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ(68) وَأَشْرَقَتْ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ   (70) [ الزمر .

]* وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ(143) [ البقرة .

 

فالشهداء هم المرتبة أو الزمرة الثالثة من السابقين بالإيمان أو بالخيرات أو بكليهما، عُرفوا بعدالتهم ووسطيتهم بين الإفراط والتفريط وصِدقهم، بحيث يصلحون للشهادة على الناس بعد النبيين تكريما لهم .

وقد وردت مشتقات الشهادة في القرءان (130) مرة منها (77) مرة بالاسم إفراداً وجمعاً و(53) مرة بصيغة الفعل ... وكلها بمعنى الذي يشهد ايْ يحضر حَدَثاً او يشهد بالحق وهو يعلم :

*[ لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً         {166} ] النساء .

*[ مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ {32} ] النمل .

 

 اما الذين يُقتلون في سبيل الله فقد عرّفهم اللهُ الذي عرَف انهم قتلوا لتكون كلمته/ آياته هي العليا (40/التوبة) ، فهذه هي سبيل الله :

 *[  وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ {105} .. قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ       {108} ] يوسف .

 نعم : عرَّفهم ربهم وفي سورة محمد في موقع نجمِ/سياقِ آياتٍ تُعرِّف الايمان وتُعرّف الذين قتلوا في سبيل الله :

*[ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ {2} ... وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ {4} سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ {5} وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ {6} ] محمد .

 فهؤلاء لا بد ان يكونوا قد ءامنوا بالحق الذي نُزل على محمد ، فعاشوا اوَّلا في طاعة الله حين هداهم الله الى الحق واصلح بالهم من قبل ان يُقتلوا في سبيل الله ليكونوا احياء عند ربهم يُرزقون

 

والذين يُقتلون في سبيل الله قد يكونون من الانبياء الذين بعثهم الله برسالة حسية معجزة صاروا بها رسلاً .. لتشهد لهم وهم يدعون الناس إلى رسالات نزلت على رسل من قبلهم :

*[... قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ      {183} ] آلعمران .

وقد يكونون من الصدِّيقين الذين صدَّقوا بكلمات ربهم وكتبه وصدّقوا رسله . وقد يكونون من الصالحين ... وكلهم سيَشهدون لمن ءامن وعلى من اساء في عصرهم . وبعض الشهداء على الناس لم يُقتل ولكنه مات في سبيل الله كرسل الله وانبيائه نوح وابراهيم اسحق واسماعيل ويعقوب وموسى وعيسى ومحمد ، سلام عليهم اجمعين . وهناك مِن الصديقين والشهداء والصالحين مـَن ماتوا في سبيل الله ولم يُقتلوا :

*[ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {58}  ] الحج ...

 ومنهم ابو بكر الصديق ، وخالد بن الوليد وكثير من السابقين والتابعين الذين ماتوا في سبيل الله حين نذروا أنفسهم لإعلاء كلمة الله المنزلة قرآناً !!

(4)

الصالِحون

اوَّلاً :

اذا كان النبيون والصدِّيقون قد سبقوا بالايمان الخالص مبادرةً وإخلاصاً لله سبحانه الذي له الدين الخالص لا يشوبه اقلُّ شائبة من شرك :

*[ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ {2} أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ {3} ] الزمر ،

... وكان الشهداء – وهم دونهم –  قد سبقوا بإيمانٍ لا شِرْك فيه وعِلْمٍ بالحق الذي به سيشهدون على الناس كما مرَّ... وكانت هذه الزُّمر الثلاث هم السابقين المقربين ،

... فإنّ الصالحين هم كلُّ (1) مَـن آمن بما انزل الله سبحانه الى رسله على مرّ العصور          ( 285/البقرة ) (2) ، واتبع في عمل الصالحات ما انزل الله اليه واليهم ( 2-3/الأعراف ) من قبل أن (3) يرتفعوا بالعلْم بئايات الله إلى درجة الشهداء على الناس ، ثم إلى درجة الصديقين الذين اصطفى اللهُ منهم النبيّينَ .

 

 وبدهي ان المقربين هم من الصالحين . والمثل الحسي الذي يُبين هذا المفهوم يؤخذ من مصطلحات المؤسسات التعليمية : فكل مَن يجتاز علامة النجاح  ( كالخمسين من مئة) يسمى ناجحاً والأصح ان يقال انه نجح .

ثم يميَّز الناجحون فيقال : ناجح بتقدير ممتاز ، وناجح بتقدير مُتفوق ، وناجح بتقدير متوسط ، وناجح  ( والصحيح : نجح فقط ) . ومن الآيات المذكورة اعلاه نفهم ان كلَّ مَن ثقلت موازينه بدرجة متوسط فما فوق ( الشهداءَ بايمان وعلم بالحق ، فالصديقين بإيمان خالص ، والنبيين بايمان خالص ) فهو من الصالحين بإيمان وعمل . اما مَن ثقلت موازينه دون ذلك فهو ممن صلَح ( فهو دون الصالح) فزُحزح عن النار وأُدخل الجنة ففاز :

 

أ. فقد وصف الله سبحانه النبيين بالصالحين لانهم جمعوا العمل الصالح الى الايمان الخالص ، ومنهم ابراهيم ولوط واسحق واسماعيل ويوسف ومحمد عليهم جميعا سلام الله :

*[ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ {130} إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {131} ] البقرة .

 

ب . ووصف الذين امنوا وعملوا الصالحات بالصالحين :

*[ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ {9} ] العنكبوت .

*[ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً {25} ] الاسراء .

*[ لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ {113} يُؤْمِنُـونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُـرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَـوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ {114}  ] آلعمران .

*****

اما مَن دون الصالحين *[ مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ ] فهم زمرتان :

1. زُمرة *[ مَنْ صَلَحَ  ] وهم أقل مَن (فازَ) رُتبةً . فهُم الذين ُزحزحوا عن النار وأُدخلوأ الجنة .   وهم اصحاب اليمين . فكما انْ ليس كل من ءامن مؤمنا ، ولا كل من كفر كافراً او اشرك مشركاً فكذلك ليس كل من صَلح يكون من الصالحين ، او فازَ من الفائزين .

*[ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِـهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {8} ] غافر.

 

 فمَن صلح من اباء وازواج وذريات الذين تابوا واتبعوا سبيل ربهم يُدخلهم ربهم جنات عدن التي وَعَدهم ويُلحقهم بالدرجة نفسها ، اكراماً للذين تابوا واتّبعوا سبيل ربهم (آياته) بشرط ان يكونوا ممن صَلَح فاجتاز الحدَّ الادنى لعلامة النجاح .

 

وبالمقابل يُلحق اللهُ سبحانه ذرية الذين أمنوا (بما نُزل على محمد إيمانا خالصا) بآبائهم إذا اتبعوهم بإيمان وكانوا دونهم في عمل الصالحات ، تكريما للآباء :

*[ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {21} ] الطور .

   2. وزمرة مَن خفَّت موازينهم فخسروا . فهم دون مَن صلَح وبداهةً دون الصالحين .

الصالحون

ثانياً :

ولما كان كتاب الله مثاني ، فإن لكلمة (الصَّالِحِينَ) مفهومين . اوَّلهما الصالحون بالمفهوم الاوَّل اعلاه ، الذي يُفهم من الايات المذكورة . وثانيهما يُفهم من قوله عز وجل :

*[ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ {105} إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ {106}  ] الانبياء .

*[ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {32}  ] النور.

 يُفهم مِن هاتين الآيتين أن الصالحين الذين وُعدوا ان يرثوا الارض بالسيادة عليها في آية الانبياء هم الصالحون لعمارة الارض ماديا وإنسانيا ، ايْ لتحقيق الهدف من خلْق الله للإنسان حين جعله سبحانه خليفةً في الارض وطلب منه عمارتها :

*[ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا {61} ] هود .

 

وواقع البشر عبر التاريخ وفي هذا العصر يُصدّق هذا المفهوم . فإن الغربيين اليوم قد اورثهم الله سبحانه إمرةَ الارض لأنهم بالعلْم والمعرفة العصرييْن هم الصالحون لعمارتها بغَضِّ النظر عن الثواب والعقاب الأخروي . للمزيد عن هذه الفكرة إرجع إلى بحثنا :

 الصلاحية المادية لعمارة الأرض والصلاحية للحياة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=71&cat=5

 

 اما الصالحون في آية النور فهم الصالحون  من رقيق المؤمنين – رجالاً ونساءً –  في الماضي الذين يَصلحون للنكاح وإنشاء أُسَر . وهم كذلك العاملون والأُجراء اليوم . لذلك قال (عبادِكم) ولم يقل (عبيدكم) للفتِ الإنتباه إلى الفرق بين العصرين . ولم تُضَف كلمة (عبادِكم) إلى البشر إلاّ  في هذا الموقع ! والله سبحانه أعلى وأعلمُ !

*[ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {286} ] البقرة

 

مدرسة الربّانيّين

 محمد راجح يوسف دويكات

  نابلس- *] الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [ - فلسطين

 



[1] [ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(10) ] الحديد . ومرة ثانية يأتي رقم الآية 10 ليوحي بعلامة كاملة .

 

[2] مِثلهم الذين استثناهم النبي الامين – في خبر تاريخي - من العفو يوم فتح مكة معلنا : إلا أربعة نفر اقتلوهم ولو وجدتموهم معلقين بأستار الكعبة .

[3] قريبا سيلحقون بهم (لمّا) . وليس من التابعين مَن لم يُعاصر احداً ممن عاصروا الرسول الكريم .

[4] *[ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(74) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ … (75) ] الأنفال .

[5] آية الجمعة (5) مبينة لآية الحديد (19) فقد اعتبر الله سبحانه الاعتماد على أسفار البشر من أحبار ورهبان بدلا من التوراة وآياتها تكذيبا بآيات الله تعالى مع إيمان أهل الكتاب بالتوراة جملة . كما هو واقع المسلمين مع القرآن . 

[6] سبق أن أشار الله سبحانه إلى تغييرٍ (ما) يكون بدايةَ الخلل الذي سوف يَحدث بعد فترة المؤمنين  (وهم الصحابة الكرام ومن ألحقهم الله تعالى بهم من التابعين باحسان) بحيث يكون هذا التغيير امتحانا وفتنة من الله سبحانه يُضل بها من يشاء هو لنفسه الضلال ، فيميز الله بذلك الخبيث الكثير من الطيب القليل [ أنظر 100/ المائدة ] كما تتحقق بهذا الامتحانِ والفتنةِ سُنّة الله تعالى في مداولة الأيام بين الناس: *[ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179) ] آلعمران .

فقد كان الذين آمنوا قلّة ، طيبة ، تزكّت بآيات الله فقط وعلّمها الرسول النبي الكريم ما فيها من كتاب وحكمة أي تشريع نظري وتطبيق له . أما معاصرو المؤمنين الذين أشارت إليهم الآية فلن يظلوا على ما كان عليه الصحابة إذ سيكونون كثرةً كغثاء السيل تؤمن بالزبَّد ، خبيثةً تؤمن بالأسفار الكثيرة وتُكذب بآيات الله تعالى . أما تفصيل ذلك فقد اعتبره الله سبحانه غيبا ذكَر للصحابة أنه لن يطلعهم عليه وأن مَن يجتبيهم الله تعالى ممن سيورثهم الكتاب (صلاحا وإيمانا به وفهما) سيعلمون تفصيلات الغيب الذي تتضمنه هذه الآية من الكتاب نفسه أي من آيات الله المبيّنات التي منها آيات مطلع سورة الجمعة . 

[7] الناس الذين يكررون ما سبق أن قاله خصوم التغيير والإصلاح في كل عصر

*[ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ! …َ (70) ] الأعراف .

*[ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ(5) ] ص .

[8] ذَكَر اللهُ قبل هذه الآية آياته المادية وبعدها الإنسانية .

[9] [ وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنْ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(34) اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ…] النور . فآيات الكتاب مبيِّنات بعضُها لبعض كما أن أمثلة السابقين التطبيقية تبين آيات الله فتكون عونا على فهمها …

[10] *[ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(176) ] البقرة .

*[ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ…(213) ] البقرة .

*[ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ(31) ] فاطر .

*[ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(19) ] الرعد/ .

[11] جاهدوا فينا : جاهدوا أي بذلوا طاقتهم لأجلِنا أي لإرضائنا بالجهاد الكبير وهو الجهاد بالقرآن *[ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا(52) ] الفرقان .. مُتصدِّين للذين افتروا على الله كذبا او كذبوا بالقرآن . ثم بالجهاد المادي (إذا امتلكوا أدواته) لإزالة ما يعترض سبيل الله تعالى من عقبات مادية بشرط أن لا يكون المجاهد نفسه عقبة تُنَفّر الناس وتصدهم عن سبيل الله .

[12] ربط الله سبحانه السبق بالخيرات بالكتاب وما فيه من الحق ، كما يتضح ذلك أيضا من آيات سورة المؤمنون (57 -62) . ولأن المسلمين اليوم قد اتخذوا القرآن مهجوراً مفضلين عليه أسفار الأموات فهم متخلفون في الإيمان وفي المعرفة والعمل الصالح فكيف يكونون سابقين إلاّ بالتخلف .

[13] وكذلك قوله سبحانه *[ …وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاء…(5)  الروم .

[14] *[ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(21) ] الأحزاب ، أي فيما أقره الله ووثقه في القرآن العظيم من سلوكه وسيرته التي اهمها الثبات على الحق حينما ينجرف الناس ضدّ الداعي ، ولم يقل (في نبي الله) الذي كان يصيب ويخطيء ويُذنب *[ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ] .

[15] يقول الله سبحانه محذرا المسلمين *[ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(46) ] الأنفال . من هذا النص يُفهم أن المسلمين حين تنازعوا وفرقوا دينهم وصاروا شيعا لم يكونوا مطيعين لله ورسوله. ولو كانت طاعة الله ورسوله تتحقق بالإيمان بكتب الحديث فإن المسلمين والعرب منهم خاصة  لم يؤمنوا عبر القرون إلا بها ومع ذلك تنازعوا وفشلوا وذهبت ريحهم قبل أن يُعرف الغزو الفكري والحضاري والعسكري الغربي الذي يحلو لكثيرين أن يعزوا إليه فُرقةَ (المسلمين) الحالية وذهابَ ريحهم . بينما يقود أدنى تفكير إلى أن الإيمان بخالق ورب واحد وكتاب واحد يؤدي إلى أمة واحدة حينما تعتصم بحبل الله الواحد*[ كِتَابَ اللّهِ ] فلا تتفرق ( 103/آلعمران ) بل ان هذه الآية من سورة آل عمران وما قبلها تشترط على الذين امنوا ان يعتصموا بحبل الله جميعا وان لا يتفرقوا اذا ارادوا ان يموتوا مسلمين ... فيا للهوْل !!!!

.  إفعلوها ولو مرة فاعتصموا بحبل الله بالرجوع إلى كتاب الله  

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=41&cat=2

[16] *[ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(10) ] الشورى ، ايْ الى كتابه العظيم وهذا قولٌ ووصيةٌ للرسول الكريم وثقها الله سبحانه . فلا يعتد بعدها بأي افتراء على الرسول او النبي يزيد على هذه الوصية شيئا غير القرءان .



 
 
ما ينشر في هذا الموقع ( ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ) ( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ) وليس حقا لفرد أو أفراد
2008