الأمن والعدل ... هواء الحياة  وماؤُها

الحمد لله رب العالمين

(1)

*[ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ {80} وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ؟! {81}‏ :

الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ {82} وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ  {83} ] الانعام

يُعتبر الهواء والماء اهم الحاجات الفردية . بدونهما مجتمعيْن لا تكون حياة . هذا مثَل حسي يعرفه كل واحد . ويشبههما للجماعات الأمن والعدل . وعكسهما الخوف والظلم ، كالمرض لا يَرى نعمة السلامة منه الا مَن فقده . لذلك قيل : الصحة تاج فوق رؤوس الاصحاء لا يراه الا المرضى . وكذلك كلٌّ مِن الأمن والعدل لايعرف نعمتهما الا مَن فقدهما .

لذلك تُظهر اياتُ الانعام أعلاه وعْـدَ الله سبحانه الذي من اسمائه *[ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ ] 23/الحشر . والمؤمِن هنا هو الذي يَمنح الأمنَ :

نظام التعاون والتكافل ( الضمان الجتماعي )

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=216&cat=5

فوعْـدُ الله سبحانه قائمٌ أبدا انْ يكون الأمن للذين امنوا بشرط الا يلبِسوا ايمانهم بشائبة من الظلم . والايمان لايكون الا بما لا ريب فيه . فمَن آمن بكلام فيه ريب فقد لبس ايمانه بظلم ... وكتاب الله سبحانه فقط هو الذي لا ريب فيه فلا يكون إيمان الا به :

*[ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً {106} قُلْ : آمِنُواْ بِهِ ، أَوْ : لاَ تُؤْمِنُواْ ... {107} ] الاسراء .

*****

مع ان سياق الايات يتكلم عن خطورة الشرك حتى ان المفسرين القدامى فسروا الظلم هنا بانه الشرك الذي قال فـيه الله سبحانه *[ انّ الشرْكَ لَظُلمٌ عظيمٌ ] ... إلاّ ان الله تبارك اسمه لو اراد الشرك وحده لذكره . ولكنه ذكر الظلم ليفيد المفهومين : مفهومَ نقيض العدل ومفهومَ الشرك مع الاشارة الى ان المؤمن الذي لا يلبِس ايمانه بظلم لا يمكن ان يظلم لان ايمانه بالحق الذي هو كتاب الله وآياته يُحصّنه من الظلم : أنْ يَظلمَ او ان يُظلمَ ، كما يُحصّنه من الشرك :

*[ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ {181} وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ {182} وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ {183} ] الاعراف .

(2)

فالذي يظلم لا أمْن له !!! والذين يشركون بالله شيئا او يشركون برب العالمين احداً يُشرِّع معه ، كلاهما لا أمْن لهم !!! وبما ان البشر كُلهم اليوم  يَجمعون الظُلميْن ، فإننا نرى العالَم لا أمْن له خاصة بعد ان اصبح قرية صغيرة سواء بوسائل مواصلاته او اتصالاته بحيث يؤثر الحدث في مكانٍ ما على أمكنة اخرى بعيدة جغرافياً لكنها قريبة جداً تأثّرا وتأثيرا ، حتى قال أحدُهم : إنّ حركة جناحَيْ فراشة في البرازيل قد تُحدث إعصاراً في الكاريبي !!  من هنا لم يَرِد في كتاب الله امرٌ في قوة الامر بردّ الامانات الى اهلها والحكم بالعدل . ففي صيغة لم تتكرر في القرءان الكريم يقول سبحانه :

*[ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً {58} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ( وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ) مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {59}‏ ] النساء .

أنقر على الرابط التالي لتعرف مفهوم هذه الآية الذي غاب عن كل الأقدمين فكان ما كان من تفرق وتشرذم وسفك دماء :

بديل ثقافة العنف لتغيير  الأنظمة وإصلاحها

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=2&cat=5

ومع ذلك فقد ترجم السابقون الاولون من المهاجرين والانصار بقيادة الرسول النبي الكريم  والذين اتبعوهم بإحسان ، ترجموا امر الله سبحانه بأداء الأمانات إلى أهلها سلوكا عملياً دُوّن في صفحات مشرقة من التاريخ الاسلامي منها موقف عمر بن الخطاب من كنيسة القيامة الذي شهد عليه بطريرك النصارى ( صفرونيوس ) بقوله : بكيت لِما رأيت من عدلكم اذ علمت ان مُلككم سيدوم ! وقـد دام فعلا طالـما كـان الـعرب والمسلمون *[ يهدون بالحق وبه يعدلون ] أي يهدون ويعدلون بكتاب الله تعالى الذي هو وحده الحق :

*[ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ {31} ] فاطر .

 ومن هذه الصفحات المشرقة رسالة عمر بن عبد العزيز الى والٍ له طلب اموالا لتحصين عاصمة ولايته . فكتب اليه عمر اقصر رسالة في التاريخ في اهم امرين يُهمان البشر : الامن والعدل . قال له : حصّنها بالعدل . وقد تأثر بهذه الرسالة مسئول في دولة مجاورة فقال مرة في كلمة له : العدل اقوى جيش !! فلم يمكث في منصبه إلاّ اسابيع !

إنّ معادلة الأمن والعدل لن يحققها الا الذين اوتوا العلمَ والايمانَ (56/الروم) : العلمَ بالكون المنظور والايمانَ الخالص ثم العِلْمَ بالكتاب المسطور .

ندرة الباحثين في آيات الله المسطورة وكثرتهم في آياته المنظورة

http://kuno-rabbaniyeen.org/?page=details&newsID=101&cat=4

خمس حقائق عن القرءان لا بد أن تُعرف

http://kuno-rabbaniyeen.org/Default.asp?page=details&newsID=152&cat=5

محمد راجح يوسف دويكات

نابلس- *[ الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ] - فلسطين

---